الوقت- تعود أمريكا الى العراق من خلال بوابة أربيل عبر إنشاء أكبر قنصلية لها في المنطقة. وهو الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل هذه الخطوة خصوصاً في ظل الخسارة الأمريكية التي منيت بها واشنطن في الشرق الأوسط. الأمر الذي يُساهم في إعادة الإعتبار للوجود الأمريكي في العراق. فماذا في تفاصيل المشروع الأمريكي؟ وهل الخطوة قديمة التخطيط؟ وماذا عن الحضور الأمريكي في أربيل والأهداف الأمريكية الإستراتيجية لذلك؟ وماذا يجب أن يُقال؟
المشروع الأمريكي المتعلق بإقامة القنصلية
قال مسؤولون في حكومة إقليم كردستان العراق منذ يومين أن واشنطن ستباشر ببناء أكبر قنصلية لها في منطقة الشرق الأوسط في أربيل، على مساحة تقدّر بنحو 20 هكتارا (نحو 200 ألف متر مربع)، تضم مباني ومنشآت عامة. ووفقا لمصادر سياسية في حكومة الإقليم الذي يتمتع بحكم شبه مستقل عن بغداد منذ الإحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، فإن القنصلية الأميركية الجديدة هي الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط، وستكون قرب منتجع صلاح الدين السياحي قرب أربيل. وتؤكد المصادر ذاتها أن شركات أميركية وأخرى محلية عراقية ستتولى عملية بناء القنصلية تلك، لتكون بديلاً عن مقرها الحالي الذي يُعد متواضعاً أمام هذا المشروع. بدورها، نقلت محطة تلفزيون كردية محلية مقربة من رئيس حكومة إقليم كردستان، أن كلفة بناء القنصلية الأميركية ستكون 600 مليون دولار، وسينتهي العمل فيها بعد أربع سنوات.
الخطوة جديدة الإعلان قديمة التخطيط
أكد رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان العراق "فلاح مصطفى أبو بكر" أن أمريكا قدمت قبل فترة طلب إقامة القنصلية والمخططات المتعلقة بها، وقد أحالتها العلاقات الخارجية في الإقليم إلى الجهات المعنية لإعطاء موافقتها. ولم يُخف أبو بكر أهمية العلاقات الإستراتيجية بين الأكراد وأمريكا معتبراً أنها ليست نتاج يومٍ وليلة. مُثنياً على الإهتمام الأمريكي بمستقبل إقليم كردستان.
الحضور الأمريكي في اربيل: بعد الحقائق
تحتفظ واشنطن بقاعدة عسكرية كبيرة لها في إقليم كردستان، تدعي أنها تقوم بتنسيق الهجمات الأمريكية ضد قواعد تنظيم داعش الإرهابي في مناطق عراقية مختلفة. كما أقامت واشنطن موقعين عسكريين صغيرين لها في أربيل ودهوك. وفي العام 2007 افتتحت أمريكا مكتب تمثيل دبلوماسي لها في أربيل للمرة الأولى وبعد أربع سنوات تم تطويره إلى قنصلية لكن صغيرة. واليوم يجري الحديث عن إنشاء قنصلية أكبر ستكون ثاني أكبر ممثلية لها في العراق بعد السفارة في بغداد، والتي افتتحتها عام 2009. وهي السفارة الأكبر من حيث الحجم للولايات المتحدة في العالم.
الأهداف الأمريكية وراء المشروع
عدة أهداف يمكن سردها بالتالي:
أولاً: تسعى واشنطن لتحويل منطقة أربیل الى ساحة نزاع للأطراف الإقليمية والدولية. وهو الأمر الذي يمكن لِحاظه من خلال الأخذ بعين الإعتبار الموقع الجغرافي للمنطقة وأهميتها من الناحية السياسية والعسكرية. مما يجعل الخطوة عرضة للعديد من التساؤلات.
ثانياً: تهدف أمريكا للعودة الى العراق عبر بوابة إقليم كردستان، الذي كان وما يزال ضحية بيد السياسة الأمريكية. وهي تسعى لمصالحها الخاصة دون الأخذ بعين الإعتبار مصالح أي طرف آخر. مما يدفعها لإيجاد واقع يحتضن مخطط استراتيجي طويل الأمد يُساهم بتأمين العودة الأمريكية الى العراق وبالتالي الى المنطقة.
ثالثاً: تعلمت أمريكا من تجاربها السابقة. وهو الأمر الذي يدفعها اليوم للتوجه نحو سياسات تنفيذية مُخادعة. حيث لم تستطع أمريكا تحقيق أهدافها عبر الحروب والتدخل السياسي المُباشر. الأمر الذي نقلها الى سياسة استغلال الأطر الدبلوماسية لتحقيق مصالحها وهو ما يعنيه توسيع القنصلية الأمريكية الصغيرة في أربيل.
رابعاً: ستكون القنصلية، غطاءاً لمشاريع تُديرها وزارة الدفاع والمخابرات المركزية الأمريكية، لأهداف تتعلق بحماية المصالح الأمريكية وتنفيذ المخططات العملية لها.
دلالات يجب الوقوف عندها
عدة أمور يجب الإلتفات لها كما يجب الوقوف عند عدة دلالات:
أولاً: يجب على الأكراد أن يُدركوا حساسية هذه المسألة ويمنعوا أمريكا من سلوكها الإستغلالي والإستفزازي، خصوصاً أنهم كانوا وبوضوح عُرضة للإستغلال الأمريكي في كل من سوريا وتركيا. وكذلك الأمر بالنسبة للعراق حيث يتم استغلالهم اليوم.
ثانياً: إن الأكراد هم فئة وطرف فاعل، من الناحية السياسية والعسكرية والإجتماعية في السياسة الإقليمية اليوم. الأمر الذي يتطلب منهم القدرة على إدراك واقع الأطراف في المنطقة بشكل حقيقي، وعدم خوضهم في سجالات أو سياسات أكبر من حجمهم، بحيث لا يستطيعون تحمُّل نتائجها. لا سيما أن أمريكا تُحاول جعلهم ورقة بيدها تقوم بحرقها ساعة تشاء.
ثالثاً: إن الخطوة الأمريكية مفهومة الأهداف والنوايا. حيث أن إنشاء قنصلية بحجم كبير وعديد ضخم لن يكون لمتابعة الإجراءات الدبلوماسية. بل إن هذا السلوك يدل على أن القنصلة المُزمع إنشاؤها ستكون كغيرها من القنصليات في العالم والشرق الأوسط، تحديداً وكراً من أوكار التجسس وجمع المعلومات.
رابعاً: إن الخطوة التي ستقوم بها واشنطن تعني العراق والعديد من دول المنطقة. حيث أن أمريكا ليست طرف بعيد عن السياسة الإقليمية والدولية. بل هو طرف فاعل وله أهداف ومُخطَّطات من الواضح أنها تؤثر على سياسات المنطقة والعالم. وهي في الحقيقة موجهة ضد محور المقاومة وإيران، بالإضافة الى روسيا والصين. مما يجعل أي خطوة أمريكية أمر يحتاج لردة فعل طبيعية من هذه الدول وهو ما لا يُعتبر تدخلاً.
خامساً: إن هذه الخطوة بالتحديد ولأنها تأتي من طرف أمريكا، له العديد من الآثار الجيوسياسية والجيوعسكرية الكبيرة. الأمر الذي يعني ضرورة فهم وتقدير الجهات والأطراف المعنية لذلك، وأخذهم الأمر على محمل الجد، وعدم الخطأ في الحسابات لا سيما مع الدول التي تعتبر أمنها القومي وعُمقها الحدودي خطاً أحمر.
إذن، تعود أمريكا للعب على حبال الجغرافيا السياسية موجهة عينها على التعاظم الروسي والإيراني. حيث باتت واشنطن غائبة عن أي دورٍ فاعل فيما يتعلق بملفات المنطقة. الأمر الذي يدفعها لتوجيه جهودها نحو سياساتٍ جديدة تأخذ طابعاً دبلوماسياً كساترٍ لأعمال أمنية وعسكرية دون إغفالها استغلال الأطراف الموجودة. وهو ما يجب أن يحذر منه الأكراد جيداً.