الوقت- إن الحديث عن معبر رفح، أصبح حديثاً يتعلق بقضية إنسانية. فغزة المحاصرة جراء إقفال المعبر تقع ضحية تجاذبات داخلية فلسطينية، الى جانب إستغلالٍ سياسي مصري. فالسلطة الفلسطينية التي لا تتذكر المعبر إلا في أوقات العمرة، يجب أن تقود تحركاً ما، من أجل حل قضية هذا المعبر، والذي يستفيد من إقفاله، العدو الصهيوني. وهنا يأتي الحديث عن دور الرئيس المصري، الذي أصبح يقايض على هذا الموضوع، في الوقت الذي يعتبر الشعب الفلسطيني الخاسر الأكبر. فماذا في إقفال المعبر؟ وما هي دلالاته السياسية؟
إن أزمة الثقة الحاصلة بين القاهرة والمقاومة الفلسطينية، قد تكون السبب الرئيسي في إغلاق معبر رفح. لكن و بغض النظر عن الأسباب فإن استغلال هذا الموضوع الإنساني، قد يكون الخيار الأسوأ الذي يقرره الرئيس المصري السيسي، بحق الشعب الفلسطيني. فإن آلاف الحالات الإنسانية التي تريد السفر تتوقف أمام بوابة المعبر وما يزيد من مخاوفهم، هو ما يشاع عن قرار القاهرة، منع دخول الفلسطينيين إلى أراضيها دون الحصول على تأشيرة سفر، بعد الحديث الرسمي المصري الأخير، عن قرار فرض تأشيرات دخول حتى على حملة الجوازات الأجنبية، وهو ما أعلن تأجيله لشهر على الأقل بسبب التخوف من تأثيراته على السياحة. وهنا يقول المحللون، أن تطبيق هذا القرار، يعني أن أيام فتح المعبر المحدودة بإثنين أو ثلاثة كل شهرين، سترتبط بمعاناة الحصول على تأشيرة دخول من السفارة المصرية لدى رام الله، وهو ما سيحمل في طياته مأساة جديدة.
فالجميع يعرف أن سبب سفر الفلسطينيين عبر المعبر، هو تلقي العلاج واستكمال التعليم. لذلك فإن القضية التي تتاجر بها أطرافٌ عديدة سياسياً، تصب في خانة القهر الإجتماعي. فالشعب الفلسطيني المحاصر من كل جوانبه، يجد نفسه اليوم أمام متنفسٍ له، يتم استغلاله وبالعلن، من أجل إرضاء العدو الإسرائيلي، أو من أجل استخدام الطرف المصري للمعبر، كورقةٍ سياسية في المنطقة. وهنا يجب الإشارة الى التالي:
- يعد إغلاق المعبر جزءاً من حالة الحصار المفروضة على قطاع غزة. كما أن تفاقم الأوضاع الأمنية المضطربة في سيناء وكذلك العلاقة المصرية المتدهورة مع حركة حماس على ضوء إصدار محكمة الأمور المستعجلة المصرية مؤخراً، قراراً يصف الحركة بـ"الإرهابية" يبدد بوادر فتحه في الوقت القريب، رغم الحديث الدائر عن إحتمال أن يشهد القطاع انفراجاً قريباً.
- يعتبر إغلاق المعبر خدمة للإحتلال الإسرائيلي الذي يصر على حصار القطاع وتدميره، وهذا ما يجعل إغلاقه جريمة غير مبررة بحق الشعب الفلسطيني، يتحمل مسؤوليتها الأطراف الفاعلة في هذا الموضوع، وفي مقدمتهم الرئيس المصري. فدور الرئيس السيسي غير المبرر، يدل عن إنتهازيةٍ في التعاطي مع الملف الفلسطيني، ومحاولةٍ لتطبيق رغبة الإحتلال الإسرائيلي.
- إن رغبة مصر الواضحة بممارسة المزيد من الضغط على القطاع، ستؤدي بالنتيجة الى مزيدٍ من التدهور في العلاقة بين المقاومة الفلسطينية والقاهرة على ضوء الأزمة الإنسانية القائمة في غزة. كما تجدر الإشارة الى أنه من الممكن أن يكون الطرف المصري، يلعب دوراً ما فيما يتعلق بإخراج حركة حماس من اللعبة الفلسطينية. إذ تبرر السلطة الفلسطينية عدم فتح المعبر بوجود موظفين لحماس في المعابر، الأمر الذي يحول دون تشغيلها. كما أن استمرار السلطة الفلسطينية في الوقوف موقف المتفرج من الأزمة الانسانية الخانقة التي خلفها إغلاق المعبر خصوصاً على صعيد المرضى وأصحاب الإقامات، يعني تقصيراً من قبل الدولة الفلسطينية، ويعطي مبرراً لمصر في استمرار إغلاقه.
قد تكون السياسة الأكثر حماقة التي ينتهجها الطرف المصري اليوم، هي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. ففي الوقت الذي تشهد فيه المنطقة أزماتٍ عديدة، لا سيما أزمة دول الخليج الفارسي المستجدة، بعد العدوان السعودي على اليمن، نجد أن الطرف المصري لايزال محتاراً في توجهاته العملية في السياسة الخارجية. ولعل الشعب المصري التي تآمرت أمريكا والكيان الإسرائيلي على جيشه العربي، أصبح يدرك أن أطرافاً داخلية مصرية، تعمل لصالح السياسة الأمريكية وضد مصلحة الشعب و وحدة البلاد. وهنا يأتي الحديث عن مراهنة الرئيس المصري على المال الخليجي لتنمية الإقتصاد المصري. لكن الأهم من ذلك هو السؤال التالي: هل يمكن الرهان على حكمة الرئيس المصري، في التعاطي مع الملفات المختلفة، بعد وقوعه ضحية فشل السياسات الأمريكية الخليجية؟