الوقت- تتعدَّد القضايا والمشكلات الأمريكية الداخلية، ويزداد تفاقمها يوماً بعد يوم. فيما تتصدر المشكلات الإقتصادية ملفات الأزمات، و يعاني الوضع الداخلي الأمريكي أيضاً من مشكلةٍ تتعلق بالمواطنة ومعاييرها، والتي باتت عُرضةً للمصالح السياسية للإدارات الأمريكية المتعاقبة داخلياً وخارجياً. وهنا يُعيد أغلب الخبراء السبب الرئيسي وراء تأزم الملفات الأساسية في الداخل الأمريكي، الى تركيز أمريكا على الأوضاع الخارجية وإهمالها للسياسات الداخلية. فيما يزداد النقاش صعوبةً بعد وصول الجمهوريين الى الإدارة الأمريكية، حيث يتبنى مرشحهم سياسات إقتصادية تُهم رجال الأعمال، وليس المواطنين. كما تُساهم في خلق أزمات جديدة محلية. فماذا في أهم التحديات التي تواجهها أمريكا محلياً مع قرب تولي دونالد ترامب للرئاسة؟
أهم التحديات الأميريكية المحلية
أولاً: محور الأوضاع الإقتصادية
يُعتبر الوضع الإقتصادي من أبرز المشكلات التي تواجه الإدارة الأمريكية الجديدة. حيث يُعاني الإقتصاد الأمريكي من مشكلات تتعلق بمعدلات النمو الإقتصادي، وضعية الحقوق الإجتماعية والإقتصادية، التجارة الخارجية وقضايا أخرى كالتضامن الإجتماعي وعدم المساواة في المداخيل والنظام الضريبي. فقد تولى أوباما الرئاسة الأمريكية في أعقاب أزمة 2008 المالية العالمية، والتي أثَّرت بشكل كبير على الإقتصاد الأمريكي. وهنا فإن أغلب المراقبين يجدون أن السياسة المالية والإقتصادية التي اتبعها الرئيس الأمريكي أوباما في تعاطيه مع الأزمة المالية كانت الى حدٍ ما جيدة، حيث أظهرت بعض المؤشرات إضافة القطاع الخاص لما يقرب من 14 مليون وظيفة جديدة في كافة المجالات، وانخفاض معدل البطالة من 10% الى 5%. كما برز مشروع "أوباما كير" عام 2010، ليكون أهم تحوُّلٍ صنعته إدارة أوباما الديمقراطية، حيث وفَّر التأمين الصحي لعشرات الملايين من المواطنين الذين لم يكونوا يحظون بالتأمين.
على الجانب الآخر شهد الشارع الأمريكي خلال فترة الرئيس أوباما ظهور حركات احتجاجية على التوزيع غير العادل للثروات. وهو ما يعتبره الجمهوريين مفتاح ترويجهم لسياستهم الإقتصادية، وأهم عيوب السياسة المالية التي تبناها الديمقراطيين. حيث تُظهر الدراسات الإقتصادية أن 1% من المواطنين الأمريكيين يمتلكون 35.4% من جميع الثروات التي يملكها القطاع الخاص، فيما أظهرت بيانات الإحصاءات الأمريكية الرسمية الأخيرة أن 46 مليون أمريكي، أي 15٪ من السكان، يُعتبرون من الفقراء.
ومع وصول دونالد ترامب الى الرئاسة، يبدو وبحسب الخبراء الإقتصاديين أن المشكلات الإقتصادية ستتفاقم. حيث يتبنى ترامب رؤية رأسمالية تعتمد على تحرير الأسواق وخفض الضرائب على الأعمال والشركات مما سيؤدي الى اتساع الفجوة بين الطبقات الإجتماعية، وبالتالي خلق تفاوتات إجتماعية جديدة.
كما وصف ترامب نظام "أوباما كير" بالكارثة، معتبراً أنه يجب السماح لشركات التأمين بالتنافس. وهو ما رآه الخبراء بأنه سيضر الإقتصاد الأمريكي اذا حصل، خصوصاً مع طرحه مسألة زيادة الإنفاق الحكومي والتي يجدها المعنيون0 مشكلة جديدة على الخزانة الأمريكية نتيجة الدين الأمريكي الكبير.
ثانياً: محور المواطنة
تلي مسألة الوضع الإقتصادي في الأهمية مسألة المواطنة في أمريكا، والتي يُعتبر مفهومها مُهدداً بشكل كبير، الى جانب معاييرها. حيث تطفو مشكلات سياسة الهجرة وقضايا المرأة على سطح المشكلات الإجتماعية التي تتعلق بالمواطنة والتي كان للإدارات الأمريكية المتعاقبة وجهات نظر مختلفة بشأن كيفية معالجتها، وهو ما سيُشكل أزمة للإدارة الأمريكية الجديدة. فيما شكلت أحداث العنف المتكررة وممارسات الشرطة ضد الأمريكيين من أصول أفريقية، وخطاب الكراهية ضد المهاجرين، جدلاً كبيراً في الأوساط الأمريكية التي وجدت في وصول دونالد ترامب، مشكلةً أكبر، خصوصاً مع طروحاته حول سياسات الهجرة وخطابه التحريضي. حيث أظهر تقرير "هيومان رايتس ووتش" حول أوضاع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2016، وجود تفاوت عنصري في كل أجزاء نظام العدالة الجنائية في أمريكا.
إذن، يُعتبر التوجه الذي يتبناه الرئيس الجمهوري دونالد ترامب فيما يخص المواطنة تهديداً للكثير من القيم التي نشأت عليها أمريكا حيث تعتمد بشكلٍ أساسي على المهاجرين بمختلف أعراقهم وأصولهم. فيما يتبنى ترامب خطاباً مُعادياً للتنوع والإختلاف داخل المجتمع الأمريكي حيث تُعتبر سياساته الإجتماعية عنصرية تجاه المواطنين من أصول أفريقية أو لاتينية، خصوصاً مسألة وضع قيود على حركة المهاجرين، والقيام بغلق الحدود. أما بالنسبة للوضع الإقتصادي، ففي حال تمكن ترامب من تحقيق سياسته الإقتصادية، فقد يشهد الوضع الإقتصادي انتعاشاً من حيث زيادة معدلات النمو، لكن برنامجه سيؤدي في المقابل إلى تعميق الفجوات الإجتماعية والإقتصادية.