الوقت- عندما طفح كيل السعودية وزاد استياؤها من مجريات الأحداث في المنطقة، قررت الذهاب الى آخر ما يمكن توقعه، وقامت بالاعتداء العسكري على جارها اليمن. لم يكن توقع الاعتداء السعودي أمراً صعباً لأن السعودية بعيدة عن الاعتداء، بل لأن أحداً ما في المنطقة والعالم، لم يكن يتوقع أن الجنون السعودي وحالة الهستيريا المتغطرسة، قد تقود السعودية الى شن غاراتٍ جوية على الشعب اليمني. فهي التي كانت دعت الأطراف اليمنية للحوار على أراضيها. لكن النفاق الخليجي الذي طالما أتقنته دول مجلس التعاون وفي مقدمتها السعودية، هو نفسه الذي قادها الى إظهار حسن النوايا، ثم القيام بالاعتداء. فالسعودية المنهارة من تعاظم الدور الإيراني، ونبذ أمريكا لها، وإن ظلت أداةً أساسية للسياسة الأمريكية، جعل دولة آل سعود بعيدةً عن المشهد السياسي. لكن الدولة الهشة داخلياً والخاسرة خارجياً، قررت التناغم مع الكيان الإسرائيلي، واستخدام الأسلوب الإسرائيلي الغاشم. فماذا في تحليل التطورات الأخيرة المتعلقة باليمن؟ وكيف يعد ذلك مثالاً آخر على نجاح اللاعب الإيراني، في إظهار الوجه الحقيقي للأطراف السياسية التي تمسك ملفات المنطقة؟
لا شك أن الحرب السعودية الظالمة على اليمن، تُثير الكثير من التساؤلات، وتضع المحلل أمام أمر واقع لا يحتمل التأويل. ولذلك لا بد من الإشارة الى بعض النقاط، والتي أتت مباشرة كرد فعل على تعاظم الدور الإيراني، واقتراب إيران من توقيع اتفاق نووي مع الغرب، مما أظهر حقيقة اللاعبين السياسيين وبالتحديد دول الخليج الفارسي :
اجتمع العرب على جارتهم. هكذا يمكن وصف التحالف العربي بالتحديد، والذي قادته السعودية لضرب اليمن. ويا ليت هذه الدول اجتمعت لمواجهة العدو الإسرائيلي. فالعدوان الإسرائيلي على لبنان أو غزة، ليس مبرراً لحشد الجهود، ومحاربة الشر الذي طالما كان سبباً لكل مشكلات المنطقة. لكن تراجع الدور الخليجي، يستحق القيام بعدوان علني على الشعب اليمني .
جرت العادة أن يقوم الكيان الإسرائيلي بمثل هذا العدوان، عندما تلوح في الميدان السياسي تطوراتٌ لا تصب في مصلحتهم. لكن الواضح أن الغزل العربي الإسرائيلي، عاد الى الواجهة العلنية ولكن بطريقة أخرى هذه المرة. فالدور الذي عجز الكيان الإسرائيلي عن القيام به اليوم، تبرعت دول الخليج الفارسي القيام به. فالتهديد واحد، والمصلحة مشتركة. لكن الأخطر من ذلك أن ما جرى يؤكد أن وحدة المسار والمصير الخليجي الإسرائيلي، كانت ومازالت حاكمة العلاقة التاريخية بين هذه الدول والكيان الإسرائيلي. لكن هذه العلاقة التاريخية، كانت دائماً تحظى بالسرية. أو يمكن القول إن إمكانية إخفائها كانت أسهل، وإن المصلحة كانت تقتضي تبادل الأدوار بين الطرفين، وبالتالي متاجرة الدول الخليجية بالقضية الفلسطينية. لكن اليوم المشهد مختلف. فالعلاقة مستمرة، لكنها بالعلن. فتعاظم الدور الإيراني أرعب الجميع. وعرى اللاعبين السياسيين من مبادئ طالما كانوا فقط يدعونها نفاقاً. فأصبحت الأولوية الحفاظ على الوجود. ولأن دول الخليج الفارسي وبالتحديد السعودية، تشترك مع الكيان الإسرائيلي، في أنهم كيانات فرضية، قامت على بناء الوجود عبر فرض الأمر الواقع، أصبح الطرفان في نفس سكة الصراع. واليوم وفي ظل تراجع نفوذ هذه الدول في المنطقة، أصبحت المصيبة واحدة. مما جعل دول الخليج الفارسي، والكيان الإسرائيلي، يتأهبون لفرض وجودهم من جديد، ولكن العدوان سعودي هذه المرة .
يمكن أن السعودية قررت قلب الطاولة على الجميع، وبالخصوص بعدما بدا لها أن الاتفاق النووي الإيراني – الأمريكي صار وشيكاً. لكن السعودية نسيت أنها قلبت الطاولة على نفسها أيضاً، ولا شك أنها أحرقت نفسها في نار غاراتها على اليمن. لكن الأهم من ذلك هو الحديث عن أهداف السعودية من العدوان. فهل تظن السعودية أنها قادرة على تحقيق إنجازات ما عبر هذا التصعيد؟ فإيران التي تسير مع الأمريكيين الى الاتفاق النووي، لن تتراجع عن مواقفها مهما حصل، ومن موقع القوة لا الضعف. والأطراف الدولية الأخرى، كأمريكا وروسيا، مستمرة أيضاً في تحقيق مصالحها. فلو اختلفت المصلحة الأمريكية مع مصلحة الأطراف الأخرى، كإيران وروسيا، فإن أمريكا تدرك جيداً أن الجلوس مع إيران أفضل لها من الحرب معها. وتدرك أيضاً أن احترام روسيا، قد يكون أفضل للمنطقة. فبالرغم من أن أمريكا تمارس النفاق السياسي، لكنها تدرك حقيقة قوة الدول المؤثرة. وهنا لا تجد دول الخليج الفارسي نفسها معنيةً بالموضوع .
إذاً إنها صورة الأطراف السياسية المتعددة، لكنها الصورة الأوضح لهم، والتي تتجلى فيها حقيقة الجميع. فبعد أن اعتاد اللاعبون استخدام النفاق السياسي، أصبحت الظروف اليوم معقدةً لدرجة أنه لا يمكن التنصل من المبادئ التي يؤمن بها كل طرف. والأهم من ذلك أن اللاعب الإيراني بحنكته السياسية وذكائه الإستراتيجي، وضع الجميع أمام امتحان إظهار الوجوه. فإيران أحرجت العالم بأسره. وهي التي أدخلت أمريكا والكيان الإسرائيلي في دوامة صراع العلاقات المتناقضة. فإيران اليوم تقف أمام الجميع آمرة. وتضع للجميع النقاط الحقيقية على حروف سياساتهم. وعلى السعودية ومن خلفها دول الخليج الفارسي، أن تتقن فن ومهارة العمل السياسي، لعلها تحظى بدور ما. لكن هذه الدول التي لا يعرف الحكام فيها إلا لغة الأرقام والدولار، ستضيع أنظمتها، عندما يقرر اللاعب الأمريكي المقامر، دفع السعر الغالي لإيران. ولا شك أن هذه الدول، هي عملة الأمريكي في المنطقة، وليس أكثر .