الوقت- إن تنظيم داعش الإرهابي وبعد أن تلقى هزائم متلاحقة في العراق وسوريا، يحاول إبعاد الضغط عنه من خلال شن هجماتٍ في تونس واليمن، كمحاولةٍ لإظهار قدرته على التوسع، وإن كان الهدف تحويل الإنتباه عن هزائمه. فعلى الرغم من بدء التنظيم مؤخراً، إعتماد الإستراتيجية العسكرية الجديدة التي أعلنها صيف العام الماضي، أي إستراتيجية "السمكة في الصحراء"، وبالتحديد في سوريا والعراق، إلا أن معركة تكريت جاءت عكس توقعاته وأدت الى وقوعه في خسائر متلاحقة. فما هي استراتيجية "السمكة في الصحراء"؟ وكيف يحاول داعش التغطية على فشلها؟
أولاً: إستراتيجية "السمكة في الصحراء" العسكرية:
في تقريرٍ أصدره تنظيم داعش الإرهابي، وتداول على مواقع التواصل الإجتماعي، إستعرض التنظيم آخر العمليات العسكرية التي نفذها عناصره في مختلف المناطق التي ينشط فيها في كل من سوريا والعراق ودول أخرى في المنطقة، إضافة إلى قيامه باستعراض أسماء "الولايات" الـ 24 التي يعتمدها في تلك المناطق. وفي صورة موحدة ضمن التقرير الموسع، إستعرض تنظيم داعش الإرهابي أسماء ولاياته مذيلاً الصورة بعبارة "السمكة في الصحراء" وهي المرة الأولى التي يكشف التنظيم عن هذا الشعار أو الإستراتيجية. ومن بين "الولايات" الـ 24 التي استعرض التنظيم أسماءها، 16 ولاية في سوريا والعراق، في حين أن العدد المتبقي كان يحمل أسماء اليمن، الجزائر، سيناء (في مصر)، برقة وفزان وطرابلس (في ليبيا)، بلاد الحرمين (السعودية)، خراسان (مناطق غرب العراق).
وفيما يتعلق بالإستراتيجية العسكرية، فإن تسمية "السمكة في الصحراء" هي إشارة لإستراتيجية عسكرية جديدة للتنظيم تتبع أسلوب حركة نوع من أنواع الزواحف اسمه "سمكة الرمال أو الصحراء" أو كما يسميها البعض بـ"السحلية". وهي تمتلك أربعة قوائم وتختبئ في الرمال عن طريق الغطس شأنها شأن السمكة في البحر، وتعتمد في تنقلها على هذا الأسلوب بشكل عام. أما خلال الفترة القريبة الماضية اتّبع التنظيم في تنفيذ أهدافه وضرب خصومه ما يسمى بأسلوب "سمكة الرمال"، فهو ينسحب من مكان يتعرض فيه لهجمات أو يلقى ضربات عنيفة، ليخرج في مكان آخر غير متوقع من قبل الخصم، كما يستعمل هذا الأسلوب في الوصول إلى مناطق جديدة بعيدة عن المناطق التي يتواجد فيها.
لكن المعارك الأخيرة وبالتحديد معركة تكريت العراقية، أظهرت حجم التراجع العسكري وعدم القدرة على الصمود، لدى هذا التنظيم، وبالتالي وجد التوسع الإرهابي الوسيلة الأفضل. إن لإثبات وجوده من جهة، أو للتغطية على انتكاساته في سوريا والعراق من جهةٍ أخرى.
ثانياً: الهزائم ومحاولة التوسع:
في الوقت الذي أعلن فيه تنظيم داعش الإرهابي، في 19 آذار، مسؤوليته عن الهجوم على متحف باردو في العاصمة التونسية والذي قتل فيه 20 سائحاً أجنبياً، شهدت اليمن، الجمعة في 20 آذار، مقتل وإصابة نحو 242 شخصاً بينهم، بتفجيرات استهدفت مسجدين في العاصمة اليمنية صنعاء. ويأتي هذان الهجومان في وقت يتلقى فيه التنظيم ضربات موجعة تستهدف مواقعه في كل من سوريا والعراق، فيما يواجه قتالاً عنيفاً على الأرض من القوات العسكرية العراقية في تكريت. ولا شك أن فظاعة المشهد الدموي، وما جرى مؤخراً من تفجيرات، وفي اليمن بالتحديد، تدل على حالة الضعف التي يواجهها هذا التنظيم.
وفي تقرير نشرته وكالة الصحافة الفرنسية مؤخراً، قال المحلل السياسي جيم برغر مؤلف كتاب "داعش دولة الإرهاب"، إن "الهزائم العسكرية التي تلقاها تنظيم داعش في العراق وسوريا دفعت المتطرفين الى شن هجمات في مناطق ودول أخرى"، موضحاً أن "التوسع هو إستراتيجيتهم وان الهجمات في اليمن وتونس يمكن أن تظهر في أي مكان لأن خلق مفهوم القوة هو جزء رئيسي من أهداف الدعاية والتجنيد لدى التنظيم". وأضاف برغر أن "التنظيم الإرهابي بعد إعلان ما يسمى بالخلافة عام 2014 شكل مشاريع رسمية لمصر والجزائر ونيجيريا وليبيا وتونس والآن يسعى التنظيم لتوسيع نشاطاته في اليمن لتعزيز انتشاره في المنطقة". وأضاف تقرير الوكالة أن "الصورة التي يحاول مشروع داعش إظهارها قد بدأت بالتلاشي، فقد طردوا من عدة مناطق في شمال العراق خلال الأشهر القليلة الماضية بينما أصبحت تكريت، التي كانت واحدة من معاقلهم الرئيسية، تحت هجوم كبير من قبل القوات المسلحة العراقية". وتابع أن "التنظيم عانى أيضاً من انتكاسات مدوية في شمال شرق سوريا حينما تمكنت القوات الكردية بدعم من الضربات الجوية الأمريكية من طردهم خارج مدينة كوباني والعديد من المناطق المحيط بها على الحدود التركية والتقدم باتجاه مدينة الرقة فضلاً عن الضربات الموجعة في منطقة دير الزور"، مشيرا الى أن "هذه الهزائم المتتالية للإرهابيين كلفت ما هو أكثر من الأراضي وأدت المعارك الى مقتل الآلاف منهم، كما أن الضربات الجوية استهدفت حقول النفط التي تعتبر مصدراً مهماً من مصادر تمويل التنظيم الإرهابي".
حالةٌ من العجز الإستراتيجي يعيشها تنظيم داعش الإرهابي اليوم. فالمنطقة بأسرها تتخبط في النتائج التي أوجدها سقوط رهانات الكثيرين. وفي مقدمتهم أمريكا وأعوانها من دول الخليج الفارسي. فالجميع اعتمد على الإرهاب. والجميع اليوم يعاني من مشكلة الإرهاب. إلا أن إيران فقط، هي التي استطاعت، بسبب حكمتها السياسية، وصواب رؤيتها، أن تساهم في القضاء على الإرهاب الذي تعاني منه شعوب المنطقة. ولا شك أن الدعم الإيراني الأخير لمعركة تكريت، قد أثمر. ومما لا شك فيه أيضاً، أن شعوب المنطقة اليوم، أصبحت تجد في إيران الدولة المثلى في إدارة الصراعات الإستراتيجية. فصدقها وإخلاصها لمصلحة الشعوب، جعلها محجاً لدولٍ تحاول البحث عن دورٍ جديدٍ لها. في وقت تسعى دول الخليح الفارسي وبالتحديد السعودية، إسترضاء الجميع. وهي العاجزة عن لملمة بيتها الداخلي، وتعيش حالة الإنهيار السياسي الإستراتيجي. فالتحديات اليوم أكبر من الجميع. لكن إيران تميزت على مر التاريخ في أن تكون أكبر من التحديات. فكل انتصارٍ تشهده المنطقة ضد الإرهاب، لإيران دورٌ استشاريٌ فيه. وهذا ما يجري في العراق اليوم. ولا بد أن يذكر التاريخ، للأجيال القادمة، أن سياسة القضاء على الإرهاب العالمي، خطتها الأيادي الإيرانية.