الوقت- تشهد العلاقات الأردنية الإيرانية والتي طالما اتسمت بالجفاء والبرود، كثيراً من الانفتاح هذه الأيام، حيث شكلت الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية الأردني ناصر جودة إلى طهران، بعد انقطاع طويل، قفزة نوعية في مسار العلاقات بين البلدين.
وتأتي أهمية زيارة جودة إلى طهران، من كون التحركات والتصريحات الأردنية عادة لا تأتي من ارتجال، بل تعكس تفاهمات اقليمية ودولية، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتوازنات الاقليمية وما يحضّر في أروقة السياسة العالمية.
نستعرض في هذا المقال نبذة عن تاريخ العلاقة بين البلدين، والمنعطفات التي مرت بها هذه العلاقة وصولاً إلى زيارة وزير الخارجية الأردني إلى طهران، والدلالات التي تنطوي عليها هذه الزيارة.
أضواء على تاريخ العلاقات الأردنية الإيرانية
منذ انتصار الثورة الاسلامية في إيران في العام 1979، وسقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي انهارت علاقات البلدين تماماً، ووصلت إلى مستوى قطع التمثيل الدبلوماسي، وبقيت هذه العلاقات تسير في طريق التوتر، بعد مساندة الأردن للعراق في حرب الثمانية أعوام على إيران التي اندلعت عام 1980، حيث شارك الأردن إلى جانب العراق في الحرب المفروضة على إيران، ومايزال مشهد الملك الأردني الراحل حسين بن طلال حاضراً في الأذهان وهو يقوم إلى جانب صدام حسين بإطلاق قذيفة مدفعية من الحدود العراقية الإيرانية باتجاه الجبهة الإيرانية كدلالة على الموقف الأردني المعادي للجمهورية الاسلامية الإيرانية آنذاك.
ودخلت العلاقة بين البلدين مرحلة أعمق من التشنجات عندما انحاز الأردن إلى الإمارات في قضية الجزر المتنازع عليها مع ايران، وقام بفتح مكاتب تمثيل لما يسمى بحركة "مجاهدي خلق" المعارضة لنظام الجمهورية الاسلامية الإيرانية.
ومع صعود دولة الرئيس محمد خاتمي الاصلاحية، شهدت العلاقة بين الطرفين تحسناً طفيفاً، إلا أنها ما لبثت أن عادت إلى الفتور مع انطلاق انتفاضة الأقصى في العام 2000 واتهام الأردن لإيران بمحاولة تهريب الأسلحة عبر أراضيه للأراضي الفلسطينية، وتجنيد عناصر أردنية وعربية على الأراضي الأردنية لمقاومة الإسرائيليين.
ومن المحطات المفصلية في العلاقات الأردنية مع إيران، كان التصريح الذي أدلى به الملك الأردني الحالي، عبدالله الثاني، بعد الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، حول بدء تشكل "الهلال الشيعي"، وما تبع ذلك من تحريض مذهبي ومواقف سلبية ضد الجمهورية الاسلامية وحلفائها في العراق والمنطقة.
كما أسهمت العلاقة التي تربط الأردن مع دول مجلس التعاون وبالأخص السعودية، وارتباط الأردن الفقير اقتصادياً بالمساعدات الخليجيّة، بتبني الأردن لمواقف أكثر تشدداً تجاه الجمهورية الاسلامية الإيرانية، تمثلت بعدم التجاوب مع جميع المبادرات الإيرانية كمدّ شبكة سكة حديدية تربط إيران بالأردن، وتمديد أنبوب ناقل للنفط، ورفض فتح الحدود الأردنية في وجه السياحة الدينية الإيرانية.
وقد جاءت الأزمة السورية لتباعد من جديد في العلاقة بين البلدين، نتيجة لوقوف الأردن في صف الدول الداعمة لاسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ووقوف الجمهورية الاسلامية الإيرانية على رأس الداعمين لبقاء النظام السوري وبقاء الدولة السورية.
في ظل هذه الظروف تأتي الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأردني إلى طهران، والدعوة التي أطلقها لإحياء حوار مع الجامعة العربية، وما سبق ذلك من ترشيح سفراء لشغل السفارات في كلا البلدين، لترسم معالم جديدة للعلاقة بين البلدين.
فما هي العوامل التي أدّت إلى إلى هذا التقارب الأردني المفاجئ مع طهران؟
عوامل عدة تدفع الأردن للتقارب مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية نذكر منها:
أولاً: تصاعد التهديدات الأمنية في الشرق الأوسط
إذ يتوسط الأردن منطقة ملتهبة، تسودها التوترات والحروب، والصراعات الاقليمية، ويدرك الأردن جيداً بأنه كمن يسير في حقل من الألغام وينبغي له أن يخرج منه بأقل الخسائر الممكنة، الأمر الذي يتطلب، العمل على إقامة علاقات دبلوماسية مع كل الأطراف المؤثرة في محيطه الاقليمي، بما فيها الجمهورية الاسلامية التي تضطلع اليوم بدور مؤثر في مساعدة كل من العراق وسوريا في الحرب على الارهاب.
كما أن التماهي الأردني مع السياسات الخليجية طوال الفترة الماضية، أوصل الأردن إلى وضع أمني حرج، جعله محاطاً بالجماعات الارهابية المتطرفة المتمثلة بداعش على حدوده مع العراق والنصرة على حدوده مع سوريا، الأمر الذي دفع الأردن إلى إحداث نوع من الموازنة من خلال فتح علاقات دبلوماسية مع الجمهورية الاسلامية. ونلفت هنا إلى التصريح الذي أدلى به رئيس مجلس الأعيان الأسبق طاهر المصري إلى صحيفة القدس العربي حيث قال بأن التواصل مع إيران ينطوي على "تنويع" دبلوماسي مطلوب لحماية المصالح الأردنية.
ثانياً: قرب الاعلان عن اتفاق في الملف النووي الإيراني
يأتي الانفتاح الأردني على طهران بالتزامن مع اقتراب الوصول إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني، حيث يترقب الجانب الأدرني التطورات الحاصلة في ملف المفاوضات، ويعد للانتقال إلى دور يتناسب مع المرحلة الجديدة، بما ستفرزه من تغييرات في خريطة التحالفات الاستراتيجية في المنطقة.
ويؤكد الساسة الأردنييون بأن البوصلة الأردنية تلتحق بالأمريكية في المسألة الإيرانية، ويبدو أن الأردنيين بدؤوا يتلقّفون علامات التغيير الحاصل في أولويات الإدارة الأمريكية التي قامت يوم أمس بحذف كل من إيران وحزب الله من قائمة الدول والمنظمات الارهابية.
حيث تسير المتغيرات نحو الاعتراف بالجمهورية الاسلامية الإيرانية كقوة اقليمية عظمى، وهذا يستدعي من دول المنطقة بما فيها الأردن، تعديل سياساتهم وعلاقاتهم معها.
ثالثاً: التعاون في الحرب على تنظيم داعش الارهابي
بعد جريمة حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد تنظيم داعش الارهابي، انخرط الأردن بشكل أكبر في الحرب ضد التنظيم الارهابي، خاصة وأن داعش بدأ يشكل تهديداً حقيقاً على الحدود الأردنية مع العراق. لذلك يشكل التعاون مع ايران، أهمية استراتيجية بالنسبة للأردن لمكافحة تنظيم داعش، العدو المشترك لكلا الجانبين، وذلك في ظل الدور المؤثر الذي تضطلع به ايران في الحرب على داعش من خلال تقديم الدعم الاستشاري للقوات العراقية والسورية.
وتروي أوساط مطلعة بأن الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور أواخر السنة الماضية إلى العراق، والتي عرض فيها على العراق التعاون في مجال التدريب والتأهيل العسكري، كانت ترمي إلى تسليح العشائر السنية العراقية لحماية الحدود الأردنية الشرقية من طموحات تنظيم داعش الارهابي، إلا أن عمّان أدركت بعد الزيارة أهمية الدور الذي تضطلع به الجمهورية الاسلامية في ملف محاربة تنظيم داعش الارهابي في العراق وأنه لابد من الحوار مع إيران في هذا المجال.
ثالثاً: الضلوع بدور مؤثر في الشرق الأوسط
حيث يشغل الأردن حالياً رئاسة الجامعة العربية، ويتطلع إلى ممارسة دور دبلوماسي هام في ظل التشنجات التي تشهدها المنطقة، كما يتطلع إلى لعب دور في منح بعض الدفء للأجواء الباردة التي تسيطر على العلاقات بين ايران وبعض الدول العربية الهامة كالسعودية.
وفي هذا السياق كان لابد في البداية من الانفتاح على ايران، بوصفها قوة مؤثرة في المنطقة، وقد رحبت أوساط برلمانية أردنية بالتقارب الحاصل بين الأردن مع إيران، حيث صرح النائب في البرلمان الأردني محمد حجوج لصحيفة القدس العربي بأن أيران تمثل قوة ثقيلة متربعة في المنطقة ولم يعد من الحكمة تجاهلها.