الوقت- تموز صيف العام 2006م وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس تبشر من تل أبيب عاصمة الكيان الإسرائيلي بشرق أوسط جديد بقولها: "ما نراه الآن هو آلام المخاض لشرق أوسط جديد ومهما كنا فاعلين فإنه يتعين علينا التأكد من أننا نتجه إلى الشرق الأوسط الجديد، وقف إطلاق النار سيكون وعداً كاذباً إذا أعادنا إلى ما كان عليه الوضع وهو ما يسمح للإرهابيين بشن هجماتهم في التوقيت وبالشروط التي يختارونها، قبل كل شيء سورية تعرف ما يتعين عليها فعله وحزب الله هو أساس المشكلة"
كوندوليزا رايس هي أول من بشرت شعوب المنطقة بهذا الشرق الأوسط الجديد، شرق أوسطٍ تكون ولادته من دماء أطفال قانا، من بكاء اليتامى والأرامل في لبنان، من معاناة من فقدوا أحبتهم بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، هو شرق أوسطٍ جديد بالمعايير الأمريكية، شرق أوسطٍ خالٍ من المقاومة، لا صوت يعلو فيه على صوت السيد الأمريكي.
يقول عمرو حمزاوي - كبير باحثي مؤسسة كارنيغي الأميركية للسلام في تعليقه على كلام وزيرة الخارجية الأمريكية: "تحاول السياسة الأمريكية إعادة صياغة خريطة التحالفات الإقليمية في المنطقة بإبعاد أو بعزل النظم المعادية والحركات المعادية هنا الحديث عن المحور الرئيسي الإيراني السوري بامتداده بصور مختلفة مع حزب الله ومع حركة المقاومة في فلسطين"
تمضي أيام حرب تموز على غير ما يشتهي الإسرائيلي وسيده الأمريكي، لتنتهي هذه الحرب بانتصار ساحق للمقاومة اللبنانية، يقرٌّ الكيان الغاصب بالهزيمة، يخرج السيد حسن نصر الله ليهدي النصر لكل من دعم المقاومة وعلى رأسهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا.
بعد سنتين يعاود الإسرائيلي الكرَّة في غزة ليفاجئه أبطال غزة بمقاومة أسطورية ولتنتهي حرب غزة بهزيمة اسرائيلية منكرة ونصر عزيز لأبناء غزة المحاصرين.
ولكن أين ذهب كبرياء الجيش الإسرائيلي وهو الذي هزم الدول العربية قاطبة عام 1967 ليقرَّ اليوم بهزيمته أمام رجال المقاومة في لبنان وفلسطين؟
نعود بالتاريخ قليلاً وتحديداً إلى كلام مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني في خضَّم كلامه عن أمريكا وعدوانيتها حيث يقول سماحته: "أمريكا لا يمكنها أن ترتكب أيَّ حماقة" فالإمام الخميني أعلن حينها أن أيام الغطرسة الأمريكية قد ولت بلا رجعة، ولم يعد بمقدور الجندي الأمريكي أن يطأ بقدمه رقاب شعوب المنطقة ويعود سالماً إلى أهله وبلده.
وفعلاً يتحقق كلام الإمام الخميني ليبدأ دعم الجمهورية الإسلامية لحزب الله ولحركات المقاومة في فلسطين، هو دعمٌ تمكن من خلاله أبطال المقاومة الإسلامية من إخراج جنود البحرية الأمريكية صاغرين أذلاء من لبنان وليتمكنوا في النهاية من تحرير جنوب لبنان من الرجس الإسرائيلي.
جاءت حرب تموز وحروب غزة المتكررة في محاولة من الإسرائيلي لحفظ ماء وجهه ولإعادة بعضٍ من موازين القوى والتي رجحت كفتها لصالح المقاومة بشكل واضح. محاولاتٌ عبثيةٌ لم تزد الإسرائيلي إلا خساراً وهواناً.
في بداية العام 2011م بدأت الحرب في سوريا، حربٌ تحاول من خلالها جميع دول الإستكبار العالمي كسر إرادة الشعب السوري وممانعته، سعياً منهم لقصم ظهر هذا المحور المقاوم والذي يمتد من طهران شرقاً مروراً ببغداد فدمشق إلى لبنان وفلسطين لينتهي في قلب كل حرٍّ يرفض الاستكبار الغربي ويتوق لمقارعة الطغيان والذل والهوان.
منذ بدأ استهداف سوريا استنفرت دول وحركات المقاومة للدفاع عن سوريا معلنين أن لسوريا أصدقاء حقيقيين لن يسمحوا لسوريا أن تسقط أبداً، لتنقلب الموازين لصالح الجيش السوري وليتمكن من تحرير الكثير من المناطق التي سيطرت عليها العصابات التكفيرية في وقت من الأوقات.
يتدخل الإسرائيلي مباشرةً لإنقاذ ما تبقى من عصابات مسلحة يسعف جرحاهم يمدهم بالسلاح والمعلومات ويستهدف مقرات الجيش السوري وقيادات المقاومة، ولكن عبثاً فقافلة الشعب السوري المدعومة بقوى المقاومة تسير معلنة عزمها على تحرير كامل التراب السوري من رجس الإرهاب.
في بداية الحرب السورية كان هناك اصرارٌ أمريكي غربي على الإطاحة بالنظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد، ليطالعنا الأمريكي اليوم وبعد تعنت دام أربع سنوات بإقراره أن الرئيس السوري هو جزءٌ من الحل ولا يمكننا حل الأزمة السورية من دون الالتفات إلى دوره الهام في هذا الحل. هو إقرار ينبىء بالهزيمة القادمة التي تنتظر المتغطرس الغربي وبعجزه عن كسر إرادة المقاومة.
إذاً فالشرق الأوسط الجديد هو الشرق الأوسط المقاوم، هو الشرق الأوسط الذي تسطر فيه حركات ودول المقاومة دروساً في الصمود والعزة والشرف، هو الشرق الأوسط الذي لم يعد بمقدور دول العالم تجاهل قوى المقاومة فيه وباتت مجبرةً على الاعتراف بهذه القوى والتعامل معها لكي لا تبقى خارج اللعبة، هو الشرق الأوسط الذي ينتمي إليه رجلٌ من أبناء النبي محمد (ص) هو السيد حسن نصر الله الذي أعلن بعد عملية مزارع شبعا تغيير قواعد الاشتباك مع العدو الإسرائيلي ليقولها مدويةً: " نحن في المقاومة الإسلامية في لبنان لم يعد يعنينا أي شيء اسمه قواعد اشتباك ولم نعد نعترف بتفكيك الساحات والميادين …إذا كان العدو الإسرائيلي يحسب حسابه أن المقاومة مردوعة وأنها تخشى الحرب أنا أقول له اليوم في ذكرى شهداء القنيطرة وبعد عملية مزارع شبعا النوعية فليأخذ هذا العدو علماً نحن لا نخاف الحرب ولا نخشاها ولا نتردد في مواجهتها وسنواجهها إذا فرضت علينا وسننتصر فيها إن شاء الله".