الوقت - أيام قليلة تفصلنا عن الاعلان عن نتائج الانتخابات الأمريكية، التي قد تكون الأكثر جدلاً في التاريخ الأمريكي الحديث، حيث أن الأحداث التي رافقت الحملة الانتخابية للمرشحين الرئاسيين الجمهوري دونالد ترامب، والديمقراطية هيلاري كلينتون، سلطت الضوء بشكل كبير على هشاشة البنية الديمقراطية للدولة التي تدعي أنها تصدر الديمقراطية للعالم وتشن الحروب وتغير الأنظمة من أجلها.
التصريحات الصادرة عن دوائر القرار الرسمية، أو تلك المرتبطة بوسائل الاعلام في الداخل الأمريكي، كشفت العديد من العيوب والمآخذ على النظام الانتخابي الأمريكي، في دلالة على أن حقيقة الديمقراطية الأمريكية قد تختلف عن الصورة التي يتم ترويجها، وفيما يلي نورد أهم هذه المآخذ:
أولاً: الطعن في نزاهة الانتخابات
في سابقة هي الأولى من نوعها على مدى 240 سنة من الانتخابات الأمريكية، رفض المرشح الجمهوري ترامب التعهد بقبول نتيجة الانتخابات الأمريكية، وصرح في عدة مناسبات، آخرها خلال المناظرة الرئاسية الثالثة أمام منافسته هيلارى كلينتون، بأن الانتخابات قد تكون مزورة، وأن وسائل الإعلام تسمم عقول الناخبين.
هذا الاعتقاد لدى ترامب الذي بالطبع يشاركه فيه شريحة واسعة من جمهوره، أحدث هزة في الداخل الأمريكي، حيث اعتبرت العديد من الأوساط ترامب بأنه غير وطني ومعاد للولايات المتحدة، أما كلينتون فقد وصفت تصريح ترامب بالمروع والخطير.
واللافت في الأمر أن أمريكا نفسها شجعت في أكثر من مناسبة الطعن في نتائج الانتخابات حول العالم، واعتبرت هذا الأمر مظهراً من مظاهر الديمقراطية، في حين عندما وصل الأمر إليهم، اعتبرت الأمر مروعاً وخطيراً. وسواء كان ترامب محقاً في اتهامه، أو أنه يستخدم هذا الاتهام لأغراض انتخابية، تبقى هذه التصريحات دليلاً على التضعضع الذي يشوب البنية السياسية الأمريكية، والتي قد تنتهي باضطرابات في الشارع.
وقد حذرت العديد من الأوساط الصحفية من مغبة تصريحات ترامب، حيث اعتبرت صحيفة "الديلي تلغراف" هذه التصريحات، بمثابة اعطاء رخصة لمؤيديه لإحداث اضطرابات فى حالة خسارته الانتخابات، وأضافت الصحيفة إن بعض من مؤيديه بالفعل قد بدؤوا فعل ذلك، أما صحيفة واشنطن بوست الأمريكية فقد حذرت من أن "خسارة ترامب قد تشعل حرباً أهلية في البلاد".
الجدير بالذكر أن تصريحات ترامب حول نزاهة الانتخابات، لا يمكن أن تمثل حالة طارئة في البلاد، فهو مرشح رئاسي يمثل شريحة واسعة من الشعب الأمريكي، وجميع التبريرات حول قلة خبرة ترامب في الأمور السياسية، ما هي إلا تبرير للخطأ بخطأ أكبر منه، إذ كيف يسمح النظام السياسي الأمريكي بتولي شخص عديم الخبرة لأكبر منصب سياسي في البلاد؟!
ثانياً: التجريح الشخصي
حيث شهدت الحملة الانتخابية لكل من المرشحين ترامب وكلينتون كماً كبيراً من البذاءة والتهجم الشخصي على الآخر، فبدل أن يتحدث كل من المرشحين عن برنامجه الانتخابي، ركزت الحملة الانتخابية هذا العام على الطعن والتجريح الشخصي والعمل على الاساءة لسمعة الطرف الآخر في حملة قال عنها المراقبون بأنه الأكثر قذارة منذ عقود، وركز فريق كلينتون على تصريحات قديمة مسربة لترامب حول علاقاته الجنسية مع النساء، ومواقفه من الأقليات القومية، فيما عمل الجمهوريون بلا كلل أو ملل على الكشف عن أخطاء هيلاري كلينتون أثناء توليها منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، وتحليل الفضائح المتعلقة بقضية رسائلها الإلكترونية.
ثالثاً: المال السياسي
وكما هي العادة، يلعب المال السياسي الدور الأكبر في تقرير مصير الأمريكيين، حيث تعتبر الانتخابات الأمريكية هي الأغلى والأكثر كلفة في العالم، وقد تخطى حجم الإنفاقات على الحملات الانتخابية الرئاسية الأمريكية وانتخابات الكونجرس لهذا العام السبعة مليارات دولار، وفقا لإحصائيات لجنة الانتخابات الفيدرالية الرسمية. أما مصدر هذه الانفاقات فيعتمد بشكل كبير على المساهمات المالية وتبرعات المناصرين والشركات والمؤسسات والأفراد، أي إن مراكز القوة المالية ومجموعات الضغط هم الذين يمتلكون الكلمة العليا في وصول المسؤولين إلى مناصب الدولة كافة، سواء الرئاسة أو مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب والمجالس التشريعية، بينما يغيب المواطن العادي عن أي تأثير في دوائر القرار، ولعل هذا يفسر قلة الإقبال الجماهيري على صناديق الاقتراع.
رابعاً: نسبة الاقتراع المتدنية
تعتبر أمريكا من ضمن الديمقراطيات الغربية الأدنى في نسبة التصويت، حيث لم تتجاوز نسبة الاقتراع لهذا العام 50% من الناخبين، الأمر الذي يعزيه المراقبون إلى أن الشريحة الأوسع من الشعب الأمريكي لا تجد من يمثلها من بين المرشحين، وذلك بسبب احتكار المنصب الرئاسي بالحزبين الديمقراطي والجمهوري فقط، وعدم ثقة الجمهور الأمريكي بنزاهة العملية الانتخابية، حيث تشير استطلاعات الرأي أن 34% من الشعب الأمريكي يعتقدون بإمكانية تزوير الأنتخابات.
ويبدو أن خيارات الشعب الأمريكي هذه المرة تبدو أسوأ من المرات السابقة، حيث أن عليه الاختيار بين الفساد والعنصرية، وترى مجلة "فورين بوليسي" أن أحد أسباب صعود ترامب الذي يجهل في السياسة، ويأتي خلافاً للعادة من خارج إطار الوسط السياسي للحزب الجمهوري، قد يُعزى إلى عدم رضا الجمهور الأمريكي عن نهج الهيمنة الامبريالية الذي اتبعته الولايات المتحدة طول الـ٢٥ عاما الماضية، حيث يعارض معظم الأمريكية تدخل بلادهم في الدول الأخرى، ووفقاً لاستطلاعات الرأي فإن 14% منهم فقط يعتقدون أن السياسة الخارجية الأمريكية جعلت البلاد أكثر أمنا.
أيا كانت نتيجة الانتخابات الأمريكية فإن الشيء المؤكد فيها أن الرئيس القادم سيكون أمام تحديات جديدة تتعلق بضعف البنية السياسية للإدارة الأمريكية، الأمر الذي قد يتطور إلى أوضاع أكثر مأساوية، قد تجر على أمريكا الكثير من الفوضى وتقود إلى إضعاف مكانة أمريكا الدولية في ظل الصعود المتسارع لقوى جديدة كروسيا والصين.