الوقت- إنتُخب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية. اعتبر البعض أن ذلك انتصاراً لمحور المقاومة أبرزته التحديات والمعادلات الجديدة في المنطقة. في حين خرجت أصوات لتعتبره قبولاً سعودياً بالصيغة اللبنانية واحتراماً لخيارات اللبنانيين! بين كل تلك التحليلات، يمكن التأكيد أن ما جرى في لبنان بعيداً عن لغة الربح والخسارة، جرى رغماً عن السعودية. فكيف يمكن لحاظ السلوك السعودي تجاه الشأن اللبناني مؤخراً؟ وما هي الأسباب الحقيقية لقبول الرياض خيار حزب الله؟
السلوك السعودي تجاه الشأن اللبناني: واقع و تحليل
تراجعت السياسة السعودية تجاه لبنان منذ أن غرقت الرياض بملفات المنطقة لا سيما اليمن وسوريا. وهو الأمر الذي يُثبته وصول الجنرال ميشال عون لرئاسة الجمهورية اليوم، خصوصاً أنه مرشح حزب الله. في حين كانت زيارة الموفد السعودي الأخير الى لبنان ذات دلالاتٍ عديدة. وهو ما سنُشير له بالتالي:
- يمكن لحاظ بداية التحول في السلوك السعودي تجاه ملف الرئاسة اللبنانية منذ الصيف الماضي لأسباب إقليمية لا تقل عن وصفها بالرضوخ السعودي للمعادلات الجديدة. حيث صدرت المؤشرات الأولية عن السفير السعودي عواض العسيري قبل مغادرته لبنان حين أقام مأدبة عشاء خاصة حضرها العماد ميشال عون كضيف شرف. ومنذ ذلك الحين لم تُعيِّن الرياض سفيراً لها في بيروت. لكنها أبقت عينها على الملف اللبناني على قاعدة: عدم الربح لا يعني الخسارة.
- بعد فترة اختارت السعودية مسألة فصل ملف الرئاسة عن صراعها مع حزب الله. وهو الأمر الذي أبرزه عودة الإشادة بالرئيس سعد الحريري بعد تأزُّم العلاقات بينه وبين السعودية. مما أفسح بالمجال لإعادة طرحه كخيار يُرضي الرياض لرئاسة مجلس الوزراء، وهو الأمر الذي ساهم في إيجاد الإتفاق الذي حصل، دون أن يكون للسعودية أي دور مباشر فيه، في محاولة لعدم إظهار الرياض وكأنها خسرت كل شيء.
- بعد وصول الأمور في وجه السعودية الى كونها أمراً واقعاً، خصوصاً تجاه حزب الله الذي بات لاعباً إقليمياً لا يمكن للرياض أن تُؤثر في سلوكه أو سياساته مهما بلغت بسياساتها، اختارت الرياض بين القبول بالصيغة اللبنانية الحالية أو الذهاب الى خيارات قد تنسف اتفاق الطائف، فكان الرضوخ للخيار اللبناني.
- حاولت السعودية بعد ذلك، ومن خلال الزيارة إبراز اهتمامها بلبنان خصوصاً مع لحاظ أهمية الموفَد، واعتباره المسؤول الأرفع الذي يزور بيروت منذ عام 2008 بعد أن زارها وزير الخارجية سعود الفيصل. فأوفدت وزير الدولة للشؤون الخليجية "ثامر السبهان" مع لحاظ أن ملف الشؤون الخليجية هو الملف الأول في الرياض ويتبع مباشرة لمحمد بن سلمان. الأمر الذي يجب الوقوف عنده، كون الرجل يُعتبر محسوباً على بن سلمان والذي يعيش صراعاً كبيراً مع محمد بن نايف. مما يوضح أن الطرف الداعم في السعودية لخيار رئيس تيار المستقبل سعد الحريري هو تيار محمد بن سلمان.
قراءة في الأسباب الحقيقية لقبول الرياض خيار حزب الله
في وقتٍ برز فيه بُعد الرياض عن الدور الفعلي فيما يخص انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، يجري الحديث عن الأسباب. وهو الأمر الذي سنُبرز أهمه في التالي:
أولاً: اختارت السعودية بين خيارين السيئ والأسوأ بالنسبة لها. فهي أمام إحتمال تغيير النظام اللبناني في حال تأخر حصول الإستحقاق الرئاسي، وهو الأمر الذي قد يعني تغيير أسس نظام الحكم وبالتالي إفراغ اتفاق الطائف من مضمونه العملي. لذلك اضطرت السعودية لركوب الموجة اللبنانية، منعاً من حصول الأسوأ، ولو أنها ستقوم بدعم مرشح حزب الله والذي وصل الى الرئاسة اليوم.
ثانياً: إنعكست الخلافات الداخلية السعودية على ملفات عديدة في المنطقة. خصوصاً في ظل خلافٍ حاد بين بن نايف وبن سلمان، والذي ترتفع وتيرته يوماً بعد يوم. وهو الأمر الذي جعل بن سلمان يبارك مسألة قبول رئيس تيار المستقبل سعد الحريري بترشيح الجنرال ميشال عون، وذلك ضمن اللعبة السياسية الكيدية بينه وبين بن نايف. مع الإشارة الى أن الخلافات بين كلٍ من الطرفين وميشال عون كبيرة، لكن خلافات بن نايف معه أكبر. في حين يجب الإشارة الى أن السعودية تعتبر أن وصول حليفها رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الى رئاسة مجلس الوزراء قد يجعلها قادرة على إعادة نسج سياساتها وتحالفاتها وبناء مصالحها على الصعيد الداخلي اللبناني.
ثالثاً: بالإضافة الى ما تقدم، فإن الأولوية الحالية للسعودية هي في ملفي اليمن وسوريا. حيث تضع لبنان ضمن أولوياتها القادمة. لكن مسألة غرقها في الملف اليمني وخسارتها لرهاناتها في الملف السوري، أبعدتها عن القدرة على التأثير أو الإهتمام بالعديد من الملفات الأخرى وتحديداً الملف اللبناني. وهو الأمر الذي يبدو واضحاً، حيث أن الرياض لم تُعيِّن حتى الآن سفيراً لها في لبنان.
رابعاً: من جانبٍ آخر يمكن القول أن السلوك السياسي الأمريكي حالياً يبدو بالحد الأدنى ثابتاً بشكل نسبي تجاه ملفي لبنان والعراق، أمام أهمية الملف السوري بالنسبة للإدارة الأمريكية الحالية القادمة على تغييرٍ في رئيسها. في حين أجبرت معركة الموصل, الأمريكي على وضع بعض لمساته والتي لم تُثمر شيئاً لصالحه حتى الآن مع لحاظ تغيُّر السلوك التركي. لنقول أن الملف اللبناني وعامل الإستقرار فيه ما يزالا من ضمن أولوية الإدارة الأمريكية تجاه لبنان وهو ما يمكن أن يُفسِّر نتيجة الرضوخ الأمريكي للواقع السياسي اللبناني الحالي. الأمر الذي تقرأه السعودية وتتأثر به.
خامساً: يعتبر بعض المعنيين في الشأن اللبناني لدى الدوائر الغربية أن وصول الجنرال ميشال عون الى رئاسة الجمهورية اللبنانية، قد يؤدي لشرخ بينه وبين حزب الله. خصوصاً أن هذه الدوائر تراهن على إمكانية بروز اختلافات في آليات تطبيق وممارسة الحكم والسلطة في لبنان، بين المكون الشيعي الأساسي أي حزب الله وحركة أمل. وهو ما قد يؤدي برأيهم الى حصول إختلاف بين عون وحزب الله تراهن هذه الأطراف على تحوُّله لخلاف. إلا أن واقع العلاقة بين كلٍ من حركة أمل وحزب الله من جهة وبين الأخير وتيار عون من جهة أخرى، أثبت إمكانية أن يكون حزب الله صلة وصلٍ بين الطرفين.
سادساً: إن حقيقة الإختلاف بين الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري، ليست كما يُصورها البعض. بل إنها إختلافات لا تتعدى كونها مسألة تَعارُض في وجهات النظر. في حين أبرزت كلمة الرئيس عون بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، رسالة واضحة لمن يعنيهم الأمر، بأن العهد الجديد يدعم خيار المقاومة بتحرير الأراضي اللبنانية ومقاومة التهديدات الإسرائيلية الى جانب تأكيده على أهمية المقاومة الإستباقية فيما يخص الإرهاب التكفيري. وهو ما يعني أن الرئيس الجديد أوجز في كلمته خيارات حزب الله الأساسية. مما يعني أن الرهان على إيجاد خلاف في الأمور الجوهرية بين الرئيس وحزب الله سقط، فيما تبقى الأمور الأخرى سهلة المعالجة.
إذن، صحيحٌ أن مرشح حزب الله للرئاسة وصل الى قصر بعبدا. لكن الوجوه الضاحكة والتي أبرزت ابتساماتها بعد انتخاب الرئيس الجديد، لا تتمتع جميعها بالمصداقية. فمنها من أضطر للمضي بخيار حزب الله، ومنها من يُراهن على إفتعال أو إيجاد المشكلات. لنقول أن السعودية أُرغمت في المضي بالصيغة اللبنانية من موقع ضعفها وليس عقلانيتها مما أظهر بالنتيجة انتصار خيار حزب الله. في حين يمكن أن يكون أمام اللبنانيين فرصة، لتحويل نجاح الصيغة اللبنانية الى موقع قوة محلية. أما لزمن الرياض في لبنان، فكلامٌ لا يقل عن اعتباره ولى من غير رجعة، مع لحاظ أن السياسة تحمل دوماً المفاجآت.