الوقت - خرجت التصريحات الإسرائيلية والتي سرَّبها الإعلام العبري، لتُعبِّر عن حجم القلق الذي تعيشه تل أبيب من مستقبل الحرب السورية حيث سقطت رهاناتها. فالدولة السورية باتت أقوى، وحزب الله يراكم خبراته القتالية في حربٍ نقلته من الدفاع الى الهجوم. فيما بات الواقع اليوم محط ترقُبٍ لدى صانعي القرار في تل أبيب، لما يمكن أن يُسمى نتائج ما بعد الحرب في سوريا. فماذا في التسريبات الإسرائيلية؟ وكيف يمكن تحليلها والوقوف عند دلالاتها؟
معاريف: الحرب السورية أعادت الرئيس الأسد أقوى!
نقلت صحيفة "معاريف" الاسرائيلية منذ يومين عن مصادر سياسية وأمنية رفيعة، تلميحها الى أن الرئيس السوري بشار الأسد ما يزال على رأس الدولة السورية فيما وصلنا الى العام 2016. في حين أكدت الصحيفة أن النظام السوري بات أقوى وهو يستعد بشكل جدي لإستعادة كافة المناطق التي سيطر عليها الإرهابيون. معتبرةً أن الحرب مستمرة وهي ليست قصيرة. في حين طرحت الصحيفة مسألة مستقبل الصراع بعد انتهاء هذه الحرب، وهي المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن هذا الموضوع، مما يعني أن إنجازات الدولة السورية ومحور المقاومة في الميدان السوري، باتت يقينية، وجعلت العدو الإسرائيلي يحاول وضع سيناريوهات للمستقبل، لن تكون في صالحه.
مستوطنوا الشمال يعيشون الخطر والدولة السورية تزداد قوة
من جهته أكد البروفيسور "إيال زيزار" الباحث في قسم التاريخ في جامعة تل أبيب، في حديثه للصحافة الإسرائيلية، الى أنه يتخوف على مستقبل مستوطني المنطقة الشمالية، خصوصاً في حال انتهت الحرب في سوريا والتي ستكون مقدمة لبداية حرب جديدة تشمل الكيان الإسرائيلي. معبتراً أن أي حرب مقبلة ستكون قاسية، وستمنع عودة حياة المستوطنين بالشكل الطبيعي بسرعة، حيث سيكون ذلك صعباً ومكلفاً ويحتاج الى وقت.
واعتبر البروفيسور زيزار، أن الدولة السورية اليوم تصبح أقوى، وهو ما يُشكل خطراً على الكيان الإسرائيلي، حيث يمكن تقسيم سوريا لثلاثة أقسام بحسب تعبيره، وهي قسم يُسيطر عليها النظام السوريّ بقيادة الأسد، ومنطقة أخرى يمكن إعتبارها للأكراد، وثالثة يتنافس للسيطرة عليها المئات من التنظيمات التي لم تعرف حتى الآن التوحُّد. وهو ما جعله يؤمن بأن المستقبل سيكون للدولة السورية بقيادة الرئيس الأسد، حيث لن يستطيع أحد إزالته من الحكم. مؤكداً أن الدولة السورية ستعود لتُسيطر على المناطق التي فقدتها، وهو ما يعني أن الحرب ستأخذ أوجه جديدة وليس بالضرورة أن تبقى في مسارها الحالي.
وأكد زيزار أن أهمية تنظيم داعش تتراجع، بسبب تراجع دوره في الساحة السورية والعراقية، لكن القضاء عليه يحتاج لوقت. فيما يتعاطى الجيش السوري مع كافة التنظيمات بمنطق أنها عدو الدولة والشعب وهو ما يُكسبه ورقة قوة في الميدان.
الجيش الإسرائيلي يتحضَّر ويحاكي حرب جبهتين
سرَّبت الصحافة الإسرائيلية خبر قيام قائد لواء الشمال في الجيش الإسرائيلي الجنرال "افيف كوخافي" بالطلب من قوات الجيش الإسرائيلي التي تعمل في المنطقة الشمالية بالتدرب على سيناريو الحرب على جبهتين والإستعداد للقتال على الحدودين السورية واللبنانية. وأكدت المصادر أن الحديث الجاري اليوم يتعلق بدراسة مستقبل الصراع مع الكيان الإسرائيلي، خصوصاً بعد انتهاء الحرب في سوريا والتي كان من المتوقع أن تقضي على طرفين في محور المقاومة وهما الجيش السوري وحزب الله. لكن يبدو أن النتائج بعثت بالقلق لصناع القرار في تل أبيب، خصوصاً وأن التنظيمات المعادية للكيان كما أشارت المصادر، قادرة على إثارة معركة في منطقة حدود هضبة الجولان، خصوصاً في ظل تحركات يرصدها الجيش الإسرائيلي لمجموعات تحاول تنفيذ أعمال إرهابية مثل عمليات وضع عبوات ناسفة أو إطلاق صواريخ مضادة للدبابات.
تحليل ودلالات: الحرب السورية جعلت تل أبيب أضعف
إن عدداً من الدلائل يمكن الخروج بها من خلال تصريحات وتسريبات الضباط الأمنيين والعسكريين في الجيش الإسرائيلي. وهو ما يمكن أن نشير له بالتالي:
أولاً: تختلف رسائل محور المقاومة عن رسائل الكيان الإسرائيلي فيما يخص نتائج الحرب السورية. فمن الواضح أن التصريحات التي يُصرح بها قادة وضباط الكيان الإسرائيلي، تعني أن الكيان الإسرائيلي يعيش حالة من القلق الحالي والمستقبلي. قلقٌ حالي نتيجة تراجع رهاناته في سوريا مع تقدم الدولة السورية في الميدان، وإمساكها بالورقة السورية بقوة. أما مسألة قلقه المستقبلي فهي نقطة الضعف التي ما تزال تعيشها تل أبيب ومنذ صعود محور المقاومة، والذي استطاع كسر المعادلات القائمة على تأمين أمن الكيان الإسرائيلي، ليُصبح الواقع الحالي مصدر خطرٍ وقلقٍ للكيان.
ثانياً: من جهةٍ أخرى نجد أن محور المقاومة والذي تُديره إيران، يزداد قوة وقدرة على التأثير في كافة الملفات. فيما لا يعيش أي طرفٍ في هذا المحور، أزمة الوجود التي يعيشها الكيان الإسرائيلي. حيث يبدو واضحاً أن نتائج الصراع والجغرافيا السياسية التي برزت عنه، جعلت أطراف هذا المحور أقوى، خصوصاً حزب الله والنظام السوري، والذي تعتبر قوتهم مكمن خطرٍ على الإحتلال الإسرائيلي بحسب قواعد الجغرافيا السياسية والعسكرية للصراع. فيما ستخرج الدولة السورية أقوى بكثير.
ثالثاً: ربطاً بما سبق، فإن الواقع الحالي للأزمة السورية، يُشكل خطراً على مستقبل الكيان الإسرائيلي لأسباب عديدة. فروسيا دخلت الحرب السورية وباتت اليوم طرفاً مؤثراً على الصعيد الإقليمي والدولي وهو ما سينعكس على الكيان الإسرائيلي. في حين لا يجب إغفال العلاقة بين الطرفين الإسرائيلي والروسي، لكنها علاقة لن تتخطى حدود المصلحة الروسية والتي تختلف حتماً عن المصلحة الأمريكية. وهو ما يعني بأن الرهان على أن العلاقة بين تل أبيب وموسكو قد تُخفِّف الخطر عن تل أبيب هو رهانٌ فاشل، لأن الطرف الروسي لم ولن يكون معنياً بالصراع العربي الإسرائيلي. بل إن معادلات الميدان لم تتأثر منذ التدخل الروسي في سوريا، خصوصاً بين حزب الله - الذي بات رأس حربة الصراع - والكيان الإسرائيلي.
رابعاً: بعيداً عن المزايدات، تتربَّع إيران على عرش قيادة أزمات الصراع بتأنٍ وحكمة. فهي الطرف الذي أثبت من خلال سلوكه قدرته على معرفة خفايا السياسة المستقبلية التي يُحيكها العقل الأمريكي، وهو ما جعلها حاجة موسكو الضرورية. في حين لم تؤمن طهران يوماً بأي هدنةٍ مع الأمريكيين، وهو ما تأخرت بعض الأطراف في فهمه. لنقول أن إيران وفي ظل إهتمامها بالحرب في سوريا، تتعاطى من موقع العارف بالتكتيكات الظرفية والإستراتيجية، ومن منطلق القوة والقدرة على التحكم. وهو ما يعني أن نتائج الحرب ستكون لصالح محور المقاومة الذي تُديره إيران، بالإضافة الى شعوب العالم العربي والإسلامي.
خامساً: بعيداً عن المبالغات، بات حزب الله الطرف الأهم في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي. منذ سنوات دخل الحرب في سوريا مدافعاً عن حدود لبنان الشرقية. استطاع من خلال خبرته في التكتيكات العسكرية بناء منظومة متكاملة قادرة على حماية لبنان من خطرين مُحدقين: التكفيريين والكيان الإسرائيلي. لكنه خاض في سوريا أولى حروبه الهجومية، ليزداد قدرة في المجال العسكري. وهو الأمر الذي يعني أن حزب الله الذي أمضى في الحرب السورية حتى اليوم ما يُقارب السنوات الثلاث، استطاع أن يُراكم خبرة عسكرية، في ظل حربٍ ضروسِ عالمية. مما جعله يرتقي في إدارة الحرب، على عدة جبهات، ومع عددٍ من الحلفاء. وهو الأمر الذي لم تستطع تل أبيب إعاقته أو منعه بل استطاعت فقط مراقبته.
إذن من الواضح أن الواقع الحالي ليس كما راهنت القيادة الإسرائيلية. فالمشروع التكفيري سقط في وحل الحرب السورية. وإن كانت ارتداداته ما تزال تُشكل تحدياً لشعوب المنطقة. فيما تعيش المجموعات الإرهابية في سوريا أيامها الأخيرة. بينما تزداد الدولة السورية قوة على أصعد كافة داخلياً وعلى صعيد السياسة الخارجية أيضاً. في حين بات حزب الله كابوساً مرعباً، لم تستنزفه الحرب بل جعلته أقوى. لنقول أن الأصوات الباهتة التي خرجت من تل أبيب منذ أيام، عبَّرت عن أن القيادة الإسرائيلية تعيش القلق، وهدفت للقول بأن الحرب السورية جعلت الكيان الإسرائيلي أضعف!