خاب أمل الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد أن صوَّت الكونغرس لصالح القانون الذي يُقاضي السعودية. فيما أبرز هذا الموضوع خلافاً داخلياً جديداً بين المسؤولين الأمريكيين. وهو ما يعني أن الواقع الأمريكي لم يعد كما كان، على الصعيدين المحلي والدولي. فيما اعتبر الكثيرون هذا القرار، إعترافاً أمريكياً بإرهابية الرياض، لكنه يعني أيضاً أن حلفاء واشنطن قد يُحاكموا في أمريكا، ولن ينفعهم ولاؤهم لها. فماذا في القانون الأمريكي وأهميته؟ وكيف يمكن تفسير الخلاف الأمريكي الداخلي؟ وما هي دلالات نتائج التصويت؟
قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" أصبح سارياً
بتاريخ 29 من شهر أيلول الحالي، أصبح القانون الأمريكي الذي يحمل إسم "العدالة ضد رعاة الإرهاب" سارياً. فقد صوَّت الكونغرس الأمريكي لمصلحة رفض نقض الفيتو الرئاسي الذي وضعه الرئيس باراك أوباما، على القانون الذي يسمح لأهالي ضحايا هجمات الحادي عشر أيلول 2001 بمقاضاة السعودية ومسؤوليها .حيث صوَّت مجلس الشيوخ الأمريكي لمصلحة رفض فيتو الرئيس بـ 97 صوتاً مقابل صوت واحد، ومن ثم صوَّت مجلس النواب على رفض الفيتو بأغلبية 348 صوتاً مقابل 76.
لماذا يُعتبر مصير القانون مهماً لكلا الطرفين الأمريكي والسعودي؟
إن فهم محتوى مشروع القانون، يُساهم في معرفة السبب في الصراع بين السعودية وأمريكا من جهة وبين الأمريكيين أنفسهم من جهة أخرى، حول إقرار القانون أو عدمه. فمشروع القانون يهدف إلي توضيح أن الحصانة الممنوحة للدول الأجنبية في ظل القانون، لا تنطبق في الحالات التي يتبين فيها أن دولة ما متورطة في الهجمات الإرهابية التي تقتل الأمريكيين على الأرض الأمريكية. وبحسب المُشرِّع الأمريكي، فإنه في حال تم تمرير مشروع القانون بموافقة مجلسي النواب والشيوخ وتوقيع الرئيس، فإن هذا يعني عملياً تمهيد الطريق للحكم في دور الحكومة السعودية في الدعاوى القضائية الخاصة ضدها وبالتالي الإنتقال الى مرحلة الإستقصاء القضائي العملي.
ما هو السبب وراء رفض أوباما للقانون
بحسب الخبراء يدافع أوباما عن خياره في استخدام حق النقض ضد القانون (أي الفيتو)، لأسبابٍ يعتبرها تمسُّ بالأمن القومي الأمريكي. خصوصاً بعد أن صرَّح بأن ما حصل يُعتبر خطأً كبيراً، وسيُمهِّد لتقويض العلاقات الأمريكية السعودية، وسيؤدي الى السماح لرفع قضايا قضائية وصفها بالإنتقامية، ضد المسؤولين الأمريكيين في أماكن عدة في العالم مثل أفغانستان والعراق. وهو ما اعتبره أوباما سيُعرِّض الشركات الأمريكية الخارجية أيضاً للخطر.
الخلاف الأمريكي- الأمريكي حول نتيجة التصويت
بعد التصويت، هاجم الناطق بإسم البيت الأبيض "جوش أرنست" النتيجة معتبراً أن هذا العمل يُعد الفعل الأكثر إحراجاً من قِبل مجلس الشيوخ منذ العام 1983، ومؤكداً على أن إصرار أولئك الأعضاء على نقض فيتو الرئيس الذي كان من شأنه منع العواقب السلبية التي قد تتمخض عن إصدار القانون، بحسب تعبيره، يُعد تخلياً عن مسؤولياتهم الأساسية باعتبارهم ممثلين مُنتخبين للشعب الأمريكي. فيما أكد مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية "جون برينان" بأن القانون سيؤدي لعواقب وخيمة على الأمن الوطني الأمريكي، متفقاً مع أوباما في وجهة نظره. في حين يعتبر المدافعون عن القانون بأنه يجب أن يُطبَّق على فعل الإرهاب السعودي خصوصاً أنه وقع على التراب الأمريكي فقط .
التحليل والدلالات
عدة مسائل يجب الوقوف عندها وأخذها بعين الإعتبار، كونها تُعتبر نتيجة للقرار ودلالة له، وهي على الشكل التالي:
أولاً: تُعد نتيجة التصويت ضربة للعلاقات الأمريكية السعودية. كما تُعد ضربة للرئيس الأمريكي باراك أوباما، والذي خيَّبه الكونغرس، في ظل سعيٍ للديمقراطيين لكسب إنجازاتٍ سياسية داخلية وخارجية. وهو ما سينعكس حتماً على النظام الأمريكي، حيث يجد الخبراء أن نتائج الخلاف الأمريكي الداخلي ستكون خطيرة لا سيما أنها شكلت سابقة لم تحصل من قبل.
ثانياً: يُعتبر التصويت إعترافاً أمريكياً بأن السعودية دولة إرهابية. وبالتالي يظهر زيف السياسة الأمريكية ونفاقها على الصعيد الدولي تحديداً. فيما يمكن اعتبار القضية أمنية أكثر من كونها سياسية. حيث أن الدلائل التي ظهرت لإدانة الرياض وبغض النظر عن صحتها أو لا ليست بجديدة وكان يمكن طرحها أو الترويج لها سابقاً. في حين سيظهر السبب الحقيقي لما يجري مستقبلاً.
ثالثاً: يمكن القول أن ما جرى هو بمثابة رسالة الى حلفاء واشنطن، بأنهم قد يكونون في يومٍ من الأيام متهمين داخل المحاكم الأمريكية. وهو ما يعني أن ولاءهم لأمريكا والكيان الإسرائيلي لن ينفعهم. فالسعودية كانت الحليف الإستراتيجي لأمريكا في المنطقة. بل شاركت ودعمت بالمال والتخطيط كافة المؤامرات الأمريكية، من أفغانستان الى العراق فليبيا وسوريا واليمن وصولاً الى السودان وأخيراً في العلاقات مع تل أبيب. لكن كل ذلك من دون جدوى!
رابعاً: يعتقد الكثيرين أن القرار بمخالفة الرئيس الأمريكي، من شأنه أن يضرب تصورات البيت الأبيض تجاه التعاطي في السياسة الدولية، ويوضح وجود خلافات داخلية تتعلق بالنظرة لملف إدارة ومحارب الإرهاب. وهو ما يعني سقوط ورقة أمريكية كانت تُستخدم في الملفات الخارجية لا سيما بهدف تبرير التدخل الأمريكي في شؤون الدول الأخرى.
إذن لقيت الرياض ما هو طبيعي. فأمريكا التي كانت الظهر الحامي للسعودية، لم تعد كذلك وإن اختلف الأمريكيون أنفسهم حول الموضوع. بينما باتت العلاقات الأمريكية السعودية في تراجعٍ مُزمن، ولو ظن البعض يحاول دائماً إظهار عكس ذلك وتجميل الصورة. فيما صدقت توقعات الكثير من الكتاب العرب والسعوديين المواليين للسياسة الأمريكية، بأن العلاقة بين واشنطن والرياض انتهت لغير رجعة. ليتبيَّن أن إبقاء أمريكا لعلاقتها المتوترة مع الرياض، سببه الأساسي مراعاة المصالح الأمريكية، والمضي قُدماً في مسلسل استنزاف الدول والأنظمة الحليفة. في حين بات أوباما الرئيس الأكثر إثارة للجدل في تاريخ أمريكا. حيث أن اندفاعه للدفاع عن السعودية، لم يلق ترحيباً داخلياً. بل إن خيبة أمله بالداخل السياسي الأمريكي، لم تنفعه. لنقول أن أوباما الذي يعيش آخر أيامه في البيت الأبيض، يعيش أيضاً آخر خيباته. فالكونغرس الأمريكي بات يُقاضي الحلفاء عبر السعودية!