الوقت - بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق في مطلع تسعينات القرن الماضي ظهرت دول مستقلة في منطقتي آسيا الوسطى والقوقاز التي تعتبر من أهم مناطق العالم من الناحيتين الجيوبولوتيكية والجيوستراتيجية.
فهذه المنطقة تقع جغرافياً بين روسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وتحظى بأهمية بالغة لدى القوى الدولية في مختلف النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية. واكتسبت هذه المنطقة أهمية مضاعفة بالنسبة للكيان الإسرائيلي لتحقيق أهداف متعددة يمكن الإشارة إليها بشكل مجمل على النحو التالي:
الجانب السياسي
يعاني الكيان الإسرائيلي من عزلة سياسية واضحة سواء على المستوى الاقليمي أو المستوى الدولي، ولهذا يسعى إلى مدّ نفوذه في مناطق متعددة من العالم وفي مقدمتها منطقة القوقاز التي لا يزال معظم دولها يعاني أيضاً من عزلة وعدم إستقرار سياسي بسبب الإضطرابات التي حدثت فيها وتنازع القوى الأخرى للهيمنة على مقدراتها في شتى المجالات.
والأهداف السياسية التي تسعى تل أبيب لتحقيقها من خلال التغلغل في منطقة القوقاز يمكن تلخيصها بما يلي:
أولاً: محاولة إيجاد حلفاء جدد من أجل الخروج من العزلة السياسية التي يعاني منها الكيان الإسرائيلي منذ نشوئه عام 1948 وحتى الآن بسبب عدم الإعتراف الرسمي بوجوده من قبل الكثير من الدول لاسيّما الدول الإسلامية والعربية وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط.
ثانياً: محاولة إبعاد القضية الفلسطينية عن بعدها الإسلامي والديني وذلك من خلال إقامة علاقات مع بلدان إسلامية في القوقاز أو المناطق القريبة منها ومن بينها أذربيجان وتركيا.
ثالثاً: الحيلولة دون التقارب السياسي بين دول القوقاز والدول الداعمة للقضية الفلسطينية وفي مقدمتها الجمهورية الإسلامية في إيران.
رابعاً: السعي لتقوية النفوذ السياسي للجالية اليهودية في دول القوقاز من جهة، وتهيئة الأرضية لتسهيل إنتقالهم إلى فلسطين المحتلة كلّما إقتضى الأمر من جهة أخرى.
الأهداف الأمنية
سعى الكيان الإسرائيلي إلى التغلغل أمنياً داخل دول منطقة القوقاز من خلال إيجاد شبكات تجسس وقواعد للتنصت لاسيّما في الدول المحاذية لإيران باعتبارها تمثل الخطر الأكبر على وجود هذا الكيان. وعملت تل أبيب طيلة السنوات الأخيرة على تكثيف تواجدها العسكري والأمني في تلك الدول والاستفادة من بيع الأسلحة والتعاون الاستخباري معها.
الأهداف الاقتصادية
تتلخص الأهداف الاقتصادية للكيان الإسرائيلي في دول القوقاز بما يلي:
- الإستثمار في مجال إستخراج وإنتاج وتصدير النفط والغاز والمعادن الأخرى في هذه الدول لاسيّما الفحم واليورانيوم والذهب والفضة وباقي المعادن الإستراتيجية.
- الإستثمار في المجالات الزراعية والإروائية والتربية الحيوانية.
- الإستثمار في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية.
- تأمين المواد الأولية لتطوير مختلف المجالات الصناعية داخل الكيان الإسرائيلي.
- تسويق البضائع الإسرائيلية في دول آسيا الوسطى والقوقاز والحيلولة دون توسع نفوذ إيران الاقتصادي في هذه الدول.
- تأمين خط جيهان النفطي، حيث يسعى الكيان الإسرائيلي لتأمين منابع النفط التي تغذي خط الأنابيب الذي يمتد من أذربيجان، ثم جورجيا حتى ميناء جيهان التركي ثم إلى ميناء عسقلان المحتل.
الأهداف الثقافية والأيديولوجية
يعمل الكيان الإسرائيلي خصوصاً والحركة الصهيونية العالمية على وجه العموم على أن يكون لهم موطئ قدم في كل مكان في العالم من خلال دعم الجاليات اليهودية في مختلف المناطق ومن بينها منطقة القوقاز. وأحد أبرز وجوه هذا الدعم يتمثل بالدعم الثقافي والترويج للأفكار ذات الطابع الديني وبما يتماشى مع أهداف هذا الكيان في بقية المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية في هذه الدول.
الآثار الأمنية للتواجد الإسرائيلي في جنوب القوقاز
ساهم التواجد الإسرائيلي في منطقتي آسيا الوسطى وجنوب القوقاز في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية خصوصاً خلال العقدين الأخيرين بخلق فرص كثيرة لتهديد أمن واستقرار الجمهورية الإسلامية في إيران خاصة في ظل تفاقم التوتر بين طهران والعواصم الغربية الداعمة للكيان الإسرائيلي وفي مقدمتها واشنطن التي تسعى لتحقيق مشروعها المسمى "الشرق الأوسط الجديد أو الكبير". ومن الوسائل التي إعتمدتها تل أبيب لتنفيذ هذا المشروع مدّ جسور مع العديد من دول القوقاز من بينها أذربيجان التي سمحت بتغلغل الموساد الإسرائيلي في أراضيها بذريعة تقوية العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجانبين، الأمر الذي حذّرت منه إيران بشدة باعتباره يهدد أمنها واستقرارها والأمن الإقليمي برمته.
وتجدر الإشارة إلى أن إيران تربطها علاقات تاريخية ودينية وثقافية واجتماعية عريقة مع العديد من دول آسيا الوسطى والقوقاز، ومن غير المعقول أن تسمح للكيان الإسرائيلي أو القوى الغربية الداعمة له خاصة أمريكا بتهديد هذه العلاقات لاسيّما من الناحية الأمنية لأن إنعدام الأمن في أيّ من الدول الاقليمية سيؤدي بالتالي إلى إنعدامه في كافة دول المنطقة على المديين القريب والبعيد. ويمكن القول بأن تقوية النفوذ الإسرائيلي في آسيا الوسطى والقوقاز يهيء الأرضية لأمريكا وحلفائها الغربيين لاستغلال هذه الفرصة بشكل مباشر أو غير مباشر لتهديد أمن إيران التي تتصدى بقوة للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة من خلال دعمها المتواصل لمحور المقاومة، وهذا الأمر يحتم على طهران إتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع أو الحد من التأثير السلبي لهذا النفوذ على علاقاتها مع دول آسيا الوسطى التي تضم كلاً من أوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان وتركمنستان، ودول القوقاز التي تضم أرمينيا وجورجيا وأذربيجان.
أخيراً ينبغي القول بأن رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" يراوده ومنذ زمن طويل حلم السيطرة على مقدرات هذه الدول التي تمثل بالنسبة لتل أبيب حلقة الوصل التي يمكن من خلالها توجيه ضربات عسكرية إلى إيران في المستقبل كونها تشكل هاجساً حقيقياً للكيان الإسرائيلي وتهدد مستقبله وتعرض وجوده غير المشروع للخطر.