الوقت- تشهد الساحة الأوروبية منذ فترة حراكاً مساندًا للقضية الفلسطينية، حتى أن الاعتراف النيابي "المتعدد" من قبل الدول الأوروبية دفعت بالبعض لإطلاق تسمية "عام الإعترافات الدولية (الأوروبية) بفلسطين" على عام 2014 ، مما يساهم في زيادة حصار وعزلة الكيان الإسرائيلي وسياسته المخالفة للقانون الدولي.
لا شك في أن الإعترافات الأوروبية تمثّل رأيًا شعبيا أوروبيا منتصرًا لعدالة القضية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، كما تعكس طبيعة واقع مغايرللعلاقة الأوروبية-الإسرائيلية السابقة، بسبب تعنت الأخيرة (إسرائيل) تجاه الاستيطان والمفاوضات، وصلت إلى حدّ التلويح بالمقاطعة الاقتصادية و الأكاديمية والثقافية أثناء عدوان غزة الأخير.
في سياق الإعترافات الأوروبية، قال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون إن توالي الاعترافات بدولة فلسطين، وخاصة من قبل البرلمانات الأوروبية، يعد "دليلا آخر على أن أوروبا ضاقت ذرعا بسياسات الاحتلال العنصرية وإرهاب مستوطنيه، وعدم التزامه بمتطلبات السلام العادل".
ورحب الزعنون، بقرار البرلمان الإيطالي، يوم الجمعة الماضي، الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية(300 مع مقابل45ضد)، وقال إنه يعد "تأكيدا على عدالة قضيتنا وحق شعبنا في العيش بسلام واستقرار في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية كما أقرت ذلك الأمم المتحدة في عام 2012، رغم محاولات الكيان الإسرائيلي تعطيل صدور ذلك القرار".
الإعترافات الأوروبية
لم تكن الخطوة الإيطالية الأخيرة جديدةً على المشهد الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية،بل اتخذت عدة برلمانات دولٍ أوروبية في الفترةالسابقة مواقف إيجابية متقدمة تجاه الاعتراف بدولة فلسطين، وقد شهد عام 2014، زخماً داعماً لتأسيس الدولة الفلسطينية، على حدود الـ4 من يونيو 1967، بفضل اعترافات رمزية متتالية من 5 برلمانات أوروبية، سبقها اعتراف رسمي من دولة السويد، فيما تأجل التصويت على مشروع قرار فلسطيني أمام مجلس الأمن، بشأن إنهاء الاحتلال.
في هذا السياق أقر مجلس العموم البريطاني في 13 أكتوبر الماضي، ضمن سابقة تاريخية مهمة، مذكرةً غير ملزمة تطالب الحكومة البريطانية بدولة فلسطين على حدود يونيو 1967، وفي 18 من شهر نوفمبر الماضي، وافق البرلمان الإسباني، بأغلبية كبيرة على مقترح يحث الحكومة على الاعتراف بفلسطين كدولة على حدود يونيو 1967، في تصويت رمزي غير ملزم.
وتبع ذلك تصويت النواب الفرنسيين في البرلمان بأغلبية، في 2 ديسمبر الجاري، لمصلحة مقترح يحث الحكومة على الاعتراف بفلسطين كدولة على حدود يونيو1967، في تصويت رمزي غير ملزم، ومن ثم صوّت مجلس العموم الأيرلندي، في 10 ديسمبر الماضي، لمصلحة الاعتراف بدولة فلسطين، وفق حدود عام 1967، وعاصمتها شرقي القدس المحتلة.
كما صوت البرلمان البرتغالي، بأغلبية كبيرة، في 12 ديسمبر الماضي، لمصلحة مشروع قانون غير ملزم، يدعو الحكومة إلى الاعتراف بدولة فلسطين، تماثلا مع اعتراف برلمان لوكسمبورج، في 17 من الشهر نفسه، بدولة فلسطين، وحث الحكومة على اتخاذ خطوة مشابهة.
الموقف السويدي تجاه القضية الفلسطينية كان مغايراً عن مختلف الدول الأوروبية، فقد إعترفت الحكومة السويدية رسميا بدولة فلسطين، لتصبح بذلك أول دولة في أوروبا الغربية تعترف بفلسطين والثامنة في الاتحاد الأوروبي والـ135 من أصل 193 في العالم، علما بأن الدول الأوروبية السبع الأخرى اعترفت بدولة فلسطين، قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وهي: التشيك، والمجر، وبولندا، وبلغاريا، ورومانيا، ومالطا، وقبرص.
الزخم والتأييد البرلماني في 5 دول، دفع كتلا سياسية في البرلمان الأوروبي، إلى طرح مقترحات تنص على دعوة دول الاتحاد الأوروبي، للاعتراف بفلسطين ، ففي 17 ديسمبر الماضي،صوّت البرلمان الأوروبي لمصلحة مشروع قرار يدعم الاعتراف بدولة فلسطين، بعد تأييد 498 برلمانيا، واعتراض 88، وامتناع 111 عن التصويت. وتضمن مشروع القرار، دعم الاعتراف بدولة فلسطين بشكل مبدئي، وموازاة هذا الاعتراف بتقدم محادثات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وفق أساس حل الدولتين.
نصر فلسطيني.. ومشروع قرار
تعدّ تلك المواقف الإيجابية الأوروبية المتلاحقة مكسبا دبلوماسيا فلسطينيا مضافًا إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نوفمبر 2012، منح فلسطين صفة "دولة مراقب" غير عضو في الأمم المتحدة، عقب تصويت 138 دولة لمصلحته، من بينها ثلاث من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي فرنسا، وروسيا، والصين، مقابل معارضة تسع دول، من بينها امريكا، وامتناع 41 دولة، من ضمنها بريطانيا، عن التصويت.
إلى ذلك، رحّبت القيادات الفلسطينية بالقرارات الأوروبية، حتى أنه بالتزامن مع إقرار المشروع الأوروبي، فتح الفلسطينيون جبهة جديدة في معركتهم من أجل نيل الاعتراف بدولتهم، حيث تقدّموا بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ 4 يونيو 1967، وفق سقف زمني لا يتجاوز نهاية عام 2017.
تعد قرارات "الاعتراف" بدولة فلسطين "انتكاسة كبيرة للخارجية الإسرائيلية، وتُشكل عنصرا ضاغطا على دول العالم لإتخاذ خطوات سياسية جادة مساندة للمسعى الفلسطيني الحثيث لإنجاز الدولة المستقلة، لا سيما أنه جاء معبرا عن القاعدة الشعبية الواسعة المنتصرة لعدالة القضية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، على أساس أن المجالس النيابية الأوروبية تضم نخبة منتخبة شعبيا، لذلك يكتسب الحراك الأوروبي بعدا حيويا يصب في مصلحة الثابت الوطني الفلسطيني للتحرير، وتقرير المصير، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وإقامة الدولة المستقلة، إذا ما تم تطويره وتحسينه، وحشد الطاقات السياسية والدبلوماسية العربية الفلسطينية ليشمل ساحات أوروبية أخرى.
في الخلاصة، التغيير الأوروبي لـ"البوصلة" تجاه الحق الفلسطيني، تقتضي تفعيل النشاط الدبلوماسي الإسلامي، العربي والفلسطيني لحشد التأييد الواسع للقضية الفلسطينية، ولكن هل ستنجح الجهود الأوروبية في ظل الإستماته الأمريكية دفاعاً عن الكيان الإسرائيلي؟ إلى متى ستبقى أمريكا تواجه الشرعية الدولية بإستخدامها "للفيتو" الذي ظهر 42 مرةً دفاعاً عن الكيان الإسرائيلي وجرائمه؟