الوقت - في ظل التحولات العالمية، يجري في منطقة بحر الصين تحولٌ يقف عنده المراقبون. وهو التغيُّر الواضح في مسار العلاقات بين الصين والفليبين، في عهد الرئيس الفليبيني الجديد "رودريغو دوتيرتي"، والذي جاءت تصريحاته منذ ظهوره على الساحة السياسية وقيادته حملته الإنتخابية، معادية للسياسة الأمريكية. فيما كانت مشكلته الأخيرة مع واشنطن سبباً في إلغاء لقائه الذي كان متوقعاً مع الرئيس الأمريكي في لاوس على هامش قمة آسيان. فما هي المشكلة المستجدة بين الفليبين وأمريكا؟ وكيف تبدو الأمور لصالح الصين خصوصاً في ظل قدرتها على استمالة الدول المحيطة بها كافة؟
المشكلة الأولى بعد انتخابه مع أمريكا
صرّح رئيس الفلبين "رودريغو دوتيرتي" في خطابه الأخير بكلامٍ لاذع دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإلغاء لقائه به، والذي كان مُقرراً الثلاثاء المنصرم على هامش قمة "آسيان" في لاوس. وهو ما جعل الكثيرين يقفون عند المسار الذي بات واضحاً في سياسة الرئيس الفليبيني والذي لن يُرضي واشنطن بحسب ما هو ظاهر حتى الآن. فالجرأة التي سادت كلامه ووصفه للرئيس الأمريكي بأنه غير مؤهَّل لإعطاء دروس في حقوق الإنسان ناعتاً إياه "بإبن العاهرة"، اعتبرها البعض تمرداً على واشنطن والتي بقيت لفترة طويلة حليفة للفلبين، تُحرِّضها على الصين وتدفعها نحو المحاكم الدولية للمطالبة بحقوقها في الحدود البحرية. فيما أعلن أوباما عبر المتحدث بإسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، أنه غير مستعد للقاء نظيره الفلبيني بعد هذه الشتائم.
الرئيس الجديد والتوجه الجديد
في التاسع من أيار من العام الحالي، فاز الرئيس الفلبيني الحالي "رودريغو دوتيرتي" في الإنتخابات. ليعلنه البرلمان الفليبيني رئيساً بعد أيام. في وقتٍ شكَّل انتخابه حدثاً مهماً في منطقة جنوب الشرق الآسيوي. خصوصاً بعد أن صرَّح الرئيس الحالي بمواقف ترفض الهيمنة الأمريكية، وصولاً الى كلامه الأخير بحق الرئيس الأمريكي. حيث بات تحت العين الأمريكية والصينية معاً، والتي ستسعى كلٌ منها حتماً لإستمالته. في حين ينظر المراقبون الى أن تغيُّر موقف الفلبين قد يدفع الدول الأخرى في منظمة "آسيان" الى مواقف أقرب من الصين وأبعد عن أمريكا. مما يعني بالنتيجة ضربة للسياسة والمصالح الأمريكية في منطقة بحر الصين الجنوبي.
الصين وقدرتها على الإستمالة
تُعتبر الصين قادرة على إستمالة الفلبين وغيرها من الدول كفيتنام وماليزيا وبروناي، على الرغم من التوتر السائد تاريخياً بينهم. خصوصاً أن قوة الصين وتعاظمها، يسمحان لهذه الأطراف باحترامها. لذلك كانت الصين ومنذ البداية، مؤمنة بضرورة تقوية العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول، للوصول الى حلٍ حول كافة القضايا الخلافية. وهو ما سعت واشنطن لمنعه، عبر فرض التحكيم الدولي في قضايا النزاع بين الصين وجيرانها. وذلك لمنع الصين من تحقيق التفوق الإقليمي وبالتالي إبقائها رهن مشكلات محيطة بها. وهو ما جعل الفليبين في العهد القديم، تتماشى مع السياسة الأمريكية، لترفع قضية ضد الصين بمخالفتها قانون البحار.
هذا الأمر لم يمنع الرئيس الفلبيني الجديد من محاولة طرح أوراقه لدى الصين. فهو على صعيد السياسة الخارجية خرج بتصريحات ناقدة للسلوك الأمريكي في المنطقة وبالتحديد ما يخص الفلبين. على الرغم من اعتباره الجزر المتنازع عليها مع الصين حقاً للفلبين. لكن الغرب ينظر لمواقفه بأنها أقرب الى الصين منها الى أمريكا، ما يجعل المستقبل معه سلبياً بالنسبة للسياسة الأمريكية بحسب ما يُشير خبراء، خصوصاً في ظل قدرة الصين على استمالته.
لماذا تتجه الأمور في صالح الصين؟
السؤال الأهم والأبرز يتعلق بالظروف التي يبدو أنها لصالح الصين أكثر من أمريكا. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: تعتبر المحكمة التي أصدرت القرار المتعلق بالفلبين، محكمة لا يمكنها أن تُلزم الدول بقراراتها. في حين جاء موقف الرئيس الفلبيني الجديد والذي عبَّر عنه وزير خارجيته، بالذهاب نحو التفاوض مع الصين حول الموضوع، انتصاراً للدبلوماسية الصينية والتي كانت تسعى لذلك، قبل سلوك الفلبين منحى المحاكمة.
ثانياً: أعلنت الفلبين أنها تسعى لدعم استقرار الإقليم، وذلك لأهداف إقتصادية تتعلق بتعزيز النمو. الأمر الذي يحتاج الى حالة من الإستقرار الداخلي لا تنفصل عن الإستقرار الإقليمي. وهو ما يتناسب مع المساعي الصينية ويحتاج للتقارب مع بكين. بينما يضرب هذا التوجه السياسة الأمريكية الهادفة الى تقوية النزاعات في بحر الصين الجنوبي. وهو ما يعني أيضاً انتصاراً للصين.
ثالثاً: بدا واضحاً خصوصاً بعد قمة آسيان أن دول المنظمة ومنها الفلبين، تسعى لتطوير علاقتها مع الصين، خصوصاً بعد أن شهد اقتصاد هذه الدول تحسناً كبيراً وصولاً لحلولها في المرتبة الرابعة عالمياً. مما دفع هذه الدول لإنتهاج سياسة التقارب مع الصين، والإستفادة من قدراتها على الصعد كافة لا سيما الإقتصادية، دون إعلانهم العداء لسياسة واشنطن. وهو ما دفع الرئيس الفلبيني للتصريح باستعداده للتفاهم مع الصين في قضية بحر الصين الجنوبي إن أنشأت شبكة خطوط سكك حديدية تربط المناطق الفلبينية الرئيسة وساهمت في رفع مستوى البنية التحتية للبلاد.
إذن، يبدو واضحاً أن العديد من العوامل، تجعل الصين وجهة جيرانها من الدول. فهي الأقوى بينهم على الصعد العسكرية والإقتصادية والسياسية. وهنا فإن التخوف من تعاظم الدور الصيني على حسابهم، لا يعني عداء الصين والمضي في سياسات أمريكا. خصوصاً أن هذه الدول وتحديداً الفلبين، تجد نفسها ضعيفة من الناحية العسكرية، وبعيدة عن القدرة في مواجهة العملاق الصيني. في حين يُعتبر سلوك الصين الدبلوماسي وقبوله الطرف الآخر، نقطة قوة قد تجمع هذه الدول. الأمر الذي يُهدد المشروع الأمريكي في تلك المنطقة. لنقول إن أمريكا باتت تواجه مشكلة أكبر من مشاكل الجغرافيا السياسية. مشكلة تتعلق بحقيقة أن الصين باتت تُمثِّل للدول المحيطة بها، حاجة مُلحة. فقُرب الجغرافيا وتشابه الثقافات، قد يتفوق على مصالح هذه الدول مع واشنطن. خصوصاً بعد أن بدأت الفليبين انعطافتها، بشتم الرئيس الأمريكي!