الوقت- تتجد بين الفينة والأخرى فصول المواجهة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والكونغرس الجمهوري الجديد، ولعل "حلبة مصارعة" عبارة تختصر واقع إتخاذ القرار حالياً في واشنطن. آخر فصول هذه المواجهة بين طرفي النزاع وقعت عندما إستخدم الرئيس باراك أوباما أمس الثلاثاء، حق النقض "الفيتو" على القانون الذي صوت عليه الكونغرس بأغلبية جمهورية، والذي سمح بإنشاء أنبوب النفط "كيستون إكس إل" بين كندا وامريكا.
المبارزة الجديدة بين البيت الأبيض والكونغرس لم تكن الأولى، كما انه من المؤكد لن تكن الأخيرة فقد تتجدّد بعد الخطاب الذي سيلقيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مطلع الشهر المقبل في مجلس النواب الأمريكي، لكن الفيتو الجديد هو الأول من نوعه لأوباما منذ أن سيطر الجمهوريون على الكونغرس في يناير الماضي والثالث منذ وصوله إلى البيت الأبيض في العام 2009.
أراد الرئيس الامريكي بإستخدام حق النقض أن يحافظ على صلاحياته في القرار لأنه لم يعط رأيه في محتوى مشروع القانون المثير للجدل خصوصاً لأسباب بيئية، وهذا ما شرحه في الرسالة التي وجّهها إلى مجلس الشيوخ، حيث أشار أوباما إلى أن الكونغرس حاول من خلال هذا القانون الالتفاف على طريقة اتخاذ قرار قائمة منذ زمن طويل، واوضح المتحدث باسم اوباما جوش ارنست ان الرئيس الاميركي يمكن ان يوافق على المشروع على الرغم من هذه المواجهة، وقال ان "وزارة الخارجية تقوم بدراسة الآثار الايجابية والسلبية المحتملة لانبوب النفط هذا على بلدنا والرئيس منفتح".
وأضاف أرنست: لقد أكد اوباما باستمرار ان تأثير المشروع على البيئة سيكون مسألة أساسية في قراره النهائي، وخصوصا ما اذا كان سيسبب ارتفاعا كبيرا في ثاني اوكسيد الكربون في الجو.
في المقابل أثار تعطيل القرار غضب الجمهوريين الذين اعتبروا انه "سياسي محض"، كما شدّد خصوم اوباما المدعومون من قبل رئيس الحكومة الكندية المحافظ ستيفن هاربر منذ سنوات على امكانات خلق وظائف وتعزيز استقلال اميركا الشمالية في قطاع الطاقة بفضل هذا المشروع.
وردا على "فيتو" اوباما عبرت شركة ترانسكندا عن تصميمها على مواصلة دفع المشروع قدما. وقالت المجموعة ان "انابيب النفط تبقى وسيلة النقل الاكثر امانا والامثل على صعيد البيئة لنقل ملايين من براميل النفط التي يستهلكها الاميركيون يوميا".
من جهته، ردّ وزير الموارد الطبيعية الكندي غريغ ريكفورد: "سندافع بشدة عن هذا المشروع الذي يؤدي الى احداث وظائف"، معتبراً ان القضية باتت نقاشا "بين الرئيس والسكان الاميركيين الذين يدعمون المشروع".
وينص المشروع على بناء هذا الانبوب النفطي المصمم لنقل النفط الخام الذي يستخرج من البرتا (غرب كندا) الى نبراسكا وسط امريكا لينقل منها الى مصافي النفط في خليج المكسيك عبر الشبكة القائمة حالياً.
وقدمت شركة ترانسكندا في 2008 ثم في 2012 طلبا لبناء الانبوب "كيستون اكس ال" الذي يختصر في الواقع انبوب النفط كيستون وسيسمح بزيادة قدرات النقل بنسبة 40 في المئة.
وترى منظمات الدفاع عن البيئة وعدد من الاعضاء الديموقراطيين في الكونغرس ان هذا المشروع يتعارض مع جهود مكافحة التغيرات المناخية ويحذرون من مخاطر حوادث تسرب من الانبوب.
لم يرضخ الجمهوريون أمام فيتو أوباما، بل طالبوا بالتصويت مجدداً على القانون، لكنهم اذا ما أرادوا تعطيل فيتو رئيس البلاد، لا بد لهم في هذه الحالة من حصد أغلبية الثلثين، ما يتطلب دعم عدد كبير من الديمقراطيين، وهذا أمر مستبعد.
يذكر أن المواجهة الأخيرة بين أوباما والكونغرس هي الثانية من نوعها خلال أيام، فالفصل ما قبل الأخير من هذه المواجهة برز بعد قبول رئيس الكيان الإسرائيلي بنيامين نتينياهو الدعوة التي وجهها اليه رئيس مجلس النواب الاميركي للتحدث امام الكونغرس في الثالث من آذار/ مارس قبل أسبوعين فقط من الانتخابات الإسرائيلية عن البرنامج النووي الايراني، والتي من المرجح أن تكون عوناً للفصل القادم في المواجهة بين الطرفين في أمريكا خاصةً أن أيام قليلة باتت تفصلنا عن خطاب نتنياهو، والمواجهة الحالية لن تبرد إلى ذلك الحين. لا ريب في أن دعوة رئيس مجلس النواب الاميركي لنتنياهو الذي وصفه بالصديق العظيم لإلقاء خطاب في الكونغرس عن "البرنامج النووي والتهديدات التي يمثلها الاسلام المتشدد وايران على امننا واسلوب حياتنا"، تعتبر تحدّي غير مسبوق من قبل الكونغرس الجمهوري للرئيس أوباما لأنها جاءت بعد ساعات على خطاب اوباما الذي اكد فيه انه سيستخدم الفيتو ضد فرض الكونغرس عقوبات جديدة على ايران.
قد تشهد المرحلة الأميركية المقبلة صراعات حادّة، ولعلّ "المشاكسة" هي العنوان الأبرز الذي يختصرالعد العكسي الذي يسبق الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في عام 2016، بين الرئيس باراك أوباما والكونغرس الذي سيطر عليه أخيراً الجمهوريون كما أن نجاح أي طرف سيكون بمثابة الخسارة للطرف الأخر ففي السياسة الأمريكية الداخلية لا وجود لمنطق رابح-رابح، وإذا ما نجح الكونغرس الامريكي في إقرار المشروع عبر الحصول على ثلثي أصوات مجلس النواب رغم كونه مستبعد، فهذا يعني أن حظوظ الرئيس الأمريكي في رد القرارت التي سيصدرها الكونغرس بعد خطاب نتنياهو المرتقب مطلع الشهر القادم ستكون ضعيفة، وبالتالي تنتهي ولاية الرئيس الأمريكي فعلياً قبل إنتهائها قانونياً لأن أي قرار للأخير سيعطلها الجمهوريون.