الوقت – رغم مرور قرابة اسبوعين على الانقلاب الفاشل في تركيا مازالت تطورات الساحة التركية على رأس اهتمامات الاوساط السياسية والاعلامية ولذلك يبدو ان لهذا الحدث تبعات وتداعيات تؤثر على كل تحليل يقدم في هذا السياق، وهناك امور وقضايا تخص هذه القضية ينبغي الوقوف عندها وان أهم هذه الشؤون هي كالتالي:
اولا: ان للانقلاب في داخل تركيا طرفين اساسيين وقويين ورغم انهما لم يفلحا في المخطط الانقلابي الذي نفذاه لكنهما باقيان في المجتمع التركي وان اردوغان وحزبه وعلى الرغم من انتصارهم على هذين الطرفين الاساسيين لايمكنهم تجاهل حضورهما القوي في المجتمع التركي، ان اول هذين الطرفين هو الجيش التركي المؤلف من 300 الف عسكري والمنخرط ضمن الحلف الاطلسي كرابع اكبر جيش في الحلف، فهذا الجيش سيبقى مؤسسة قوية.
ان الجيش التركي سيضعف بعد الانقلاب الى حد ما وسيحدث بعض التغييرات في مناصبه على يد اردوغان وسيكسب الجيش التركي وجها جديدا لكن من المؤكد ان اردوغان ليس قادرا في النهاية على احداث تغيير جذري في جيش مؤلف من 300 الف عنصر ويمكن القول ان هذا الجيش الجريح والغاضب من الاذلال الذي لحق به بعد الانقلاب سيستعيد عافيته وان انتشاره الواسع من المدن الى كافة حدود البلاد يمنحه قدرة كبيرة على التحرك، ومن جهة اخرى فإن صلة هذا الجيش بالحلف الاطلسي وقاعدة انجرليك الجوية تجعله يحافظ على المسافة بينه وبين الحكومة واردوغان كما في السابق.
اما الطرف الثاني الاساسي فهو تيار فتح الله غولن، إن غولن ورغم تمثيله لنهج اسلامي على النمط الغربي لا يمتلك مكانة بين اوساط المتدينين والثوريين في تركيا لكن نظرا الى كثرة ونشاط وفاعلية المؤسسات التعليمية والصحية والخدمية التي يمتلكها فإنه سيبقى في المجتمع التركي رغم الفشل في الانقلاب وطرد مؤيديه من القضاء التركي وباقي المؤسسات.
ان غولن يعتبر عرافا لاسلام غير ملتزم بالنصوص الاسلامية واحكام الشريعة وهذا النهج والتفكير تشجعه السي اي ايه في العالم الاسلامي وان وسعة انتشار مؤسسات غولن في تركيا كان سببها الدعم الغربي وخاصة الامريكي ولذلك فإن انصار غولن سيبقون في الساحة السياسية والاجتماعية التركية وهذا يعني ان استمرار قوة الجيش وغولن سيتسبب بمتاعب لاردوغان.
ثانيا: ان الغرب ولأسباب عديدة لا يستسيغ اردوغان وسياساته، فالغرب وخاصة امريكا لايتحملون من جهة وجود دولة اسلامية قوية وشعب يمثله شخص واحد رغم الخدمات التي قدمها اردوغان خلال الـ 14 سنة الماضية للغرب والكيان الاسرائيلي، ان الغرب لايريد ان يرى شخصا يتمتع ببعض الكاريزما والسلطة ويعتبره خطرا على مخططاته، ومن جهة اخرى يلوم الغرب تركيا ويعتبرها سببا هاما من اسباب فشل الحظر الاقتصادي المفروض على ايران والحقيقة ان تركيا لم تجارِ الغرب ضد ايران حينما كان الحظر الغربي يشتد على ايران شيئا فشيئا وسبب ذلك لم يكن حب تركيا الاردوغانية لايران بل الحاجة الاقتصادية واستغلال الفرصة المتاحة، فتركيا تجاهلت بقدر المستطاع نظام الحظر الغربي المفروض على ايران وحققت ارباحا طائلة.
ان الاقتصاد التركي كان افضل حالا من دول مثل ايطاليا واليونان واسبانيا اثناء الازمة الاقتصادية التي عانت منها الدول الغربية لخمس الى ست سنوات واجتازت تركيا تلك الازمة بأقل الخسائر الممكنة رغم الصلة القوية بين الاقتصاد التركي والاقتصاد الاوروبي لأن اردوغان كان ينتهج سياسة تصفير المشاكل مع دول الجوار بين عامي 2004 و2011 وحقق ارباحا كبيرة في التعامل مع روسيا وايران وحلفائهما في المنطقة فحصة روسيا من سوق السياحة التركي بلغت 37 بالمئة وانعش النفط والغاز الايراني نصف الاقتصاد التركي على الاقل ولذلك فإن الامريكيين والاوروبيين لم يتحملوا هذه السياسات التركية واعتبروا اردوغان عنصرا غير مرغوب فيه ولهذا يبدو ان الغرب سوف لن يترك سياسة التخلص من اردوغان وحزب العدالة والتنمية رغم فشل الانقلاب العسكري الاخير في تركيا اذا استطاع ذلك ومن هذا المنطلق يمكننا ان نفسر تودد اردوغان الى الغرب في الايام الاخيرة وتحدث رئيس الوزراء التركي من جديد عن ضرورة رحيل الرئيس السوري بعد ان كان اردوغان يتحدث قبل ايام من وقوع الانقلاب عن ترميم العلاقات مع سوريا وان اطلاق سراح قسم من العسكريين المعتقلين وتوقف ماكينة الانتقادات الاردوغانية للغرب يأتي ضمن هذا السياق ايضا رغم انه لم يلاق ترحيبا غربيا وادى الى رفع مستوى المطالبات الغربية والاوروبية من تركيا.
ورغم هذا كله يمكن القول ان مكانة اردوغان قد تعززت الى حد ما مع اضعاف منافسيه الداخليين لكن في الوقت نفسه فإن الايادي التي وقفت خلف الانقلاب الفاشل لازالت تركز على الاطاحة باردوغان.
ثالثا: ان التغييرات الحاصلة في تركيا والتي يتحكم بها اردوغان سوف لن تبق في قبضته لوقت طويل فاردوغان اصبح يعاني من التكبر في هذه الايام الى درجة انه حينما سمع بوجود دور مؤثر لعبدالله غول واحمد داود اوغلو في افشال الانقلاب لم يتحمل هذا الكلام وقال "ان الله وحده هو الذي كان له دور في افشال الانقلاب"، وهذا يعني ان سياسة الانطواء على الذات التي اتبعها اردوغان والتي ادت الى وجود معارضة كبيرة له حتى من داخل حزب العدالة والتنمية فإنها ستشتد بعد الانقلاب وهذا سيخلق لاردوغان مشاكل جديدة اضافة الى المشاكل القديمة.
ان اردوغان لا يستطيع بهذا الجيش الجريح ان يواجه الانفصاليين الاتراك في تركيا بشكل مؤثر وان المشكلة الكردية ستتفاقم، كما ان دور اردوغان المثير للحسد في الساحة السياسية سيضغط على الاحزاب المنافسة والمعارضة وسينزل هؤلاء الى الساحة في وجه اردوغان، كما اننا يمكننا ان نسمع الان بخطوات واسعة تريد الاحزاب المعارضة القيام بها ضد اردوغان.
ورغم ان الاجواء الداخلية امام اردوغان ستكون افضل من الماضي لكن الاجواء الامنية وحالة الاحزاب ستعقد الاوضاع بالنسبة لاردوغان الى حد كبير.
رابعا: اذا كان اردوغان عاقلا فإنه وفي مواجهة الضغوط الغربية والامريكية والتهديدات الامنية يجب ان يميل نحو ايران بشكل حقيقي ويقوي صلته بدولة مستقرة من اجل اخراج بلاده من حالة عدم الاستقرار لكن نظرا الى طريقة تفكير اردوغان ونهجه الاخواني فمن المتوقع ان لايتحرك اردوغان بعقلانية كافية، ورغم هذا سيحافظ اردوغان على علاقاته مع ايران ليس من اجل ايجاد علاقة استراتيجية بل من اجل استخدام بطاقة ايران لمواجهة الضغوط الغربية والاوروبية.