الوقت- أثار كلام أمين عام جامعة الدول العربية الجديد احمد ابو الغيط حول عضوية سوريا في الجامعة المزيد من الخلافات التي أثقلت كاهل المؤسسة العربية الأولى، وجعلت منها مرتعاً شكلياً للبحث في القضايا العربية دون أي دور يذكر على أرض الواقع.
في التوقيت، جاء كلام أبو الغيط، الذي قال فيه بأنه "لا يمكن لسوريا اعادة عضويتها في الجامعة العربية الا بتوافق بين الحكومة والمعارضة، لأن الوضع السوري بالغ التعقيد وشائك ولهذا لا يمكن ان تشارك في القمة العربية المقبلة في نواكشوط"، بالتزامن مع بروز حلحلة إقليمية تجاه صدرت عن أكثر من طرف بدءاً من أمريكا، وليس إنتهاءاً بتركيا التي أعلن رئيس وزرائها بن علي يلدريم نيّته تطبيع العلاقات مع سوريا.
لم تنتظر الخارجية السورية طويلاً لترد على " ابو الغيط" في تصريح "ناري" جاء فيه: إن سوريا "لم تتقدم بأي طلب لاسترداد مقعدها في الجامعة العربية التي دفعت باتجاه ضرب ليبيا وتتحمل المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع فيها، وعملت بفعل بعض الدول المهيمنة فيها على اتخاذ مواقف مشبوهة إزاء سوريا ودفعت باتجاه تعميق الأزمة فيها وإعاقة إيجاد حل لها". لم تكتف الخارجية السورية بذلك، بل فرضت شروطها للعودة إلى هذه الجامعة، موضحةً أن دمشق لا تنوي العودة إلى الجامعة العربية طالما بقيت الجامعة "رهينة لهيمنة دول معروفة بتآمرها على سوريا وتتحمل المسؤولية عن حالة التشرذم والضعف والانقسام في الصف العربي، الأمر الذي يجعلها ابعد ما تكون، بل وعلى تناقض تام مع مقاصد اهداف ميثاقها".
في الدلالات يحمل كلام الأمين العام الجديد للجماعة العربية رسائل عدّة وعلى أكثر من صعيد، أبرزها:
أولاً: يحمل كلام "أبو الغيط" حاليا حضور سوريا في القمة العربية" التي ستعقد في العاصمة الموريتانية نواكشوط يومي 25 - 26 من الشهر الجاري وجهين لا ثالث لهما. الأول نوعاً من الصبيانية والغباء السياسي بإعتبار أن موضوع حضور سوريا لم يكن مطروحاً أو قيد الدرس أساساً، إلا أن هذا الوجه يبدو بعيداً عن "أبو الغيط" بإعتباره يمتلك باعاً طويلاً في السياسة وخبرة تزيد على 40 سنة في العمل البدلوماسي، أخرها منصب وزير الخارجية المصرية بين عامي 2004 و2011. وأما الوجه الأخر، يتلخّص في كون تصريحات "أبو الغيط" بمثابة ثمن فاتورة موافقة بعض الدول العربية على تعيينه في المنصب الجديد، وبذكل يكون "أبو الغيط" قدّ ردّ "جميل" هذا الدول سريعاً.
ثانياً: إن كلام الأمين العام الجديد للجامعة العربية عن سوريا الدولة المؤسسة في الجامعة العربية، وتبنيه رؤية دولاً "لم تصل إلى القصر سوى أمس العصر"، يتقاطع بشكل كبير مع ما يريده الكيان الإسرائيل، فحتی أمريكا أبدت ليونة لم نعهدها في السابق، وكذلك تركيا. هل هذا ما يفسرّ زيارة سامح شكري إلى "تل أبيب"؟ ألم يدعُ الرئيس المصري في وقت سابقة لحماية المؤسسات في سوريا؟ هل ستكون الأمم المتحدة أكثر حرصاً على سوريا من الجامعة العربية؟
ثالثاً: قد نتفهّم كلام "أبو الغيط"، إن أردنا أن نحسن الظنّ، إلا أن الجامعة العربية من خلال هذه الخطوات تزيد من عمق الجرح السوري، رغم ان كلامه لم يعد محل إهتمام الكثيرين في الشارع العربي بسبب تخاذل الجامعة عن القضايا التي تهمّهم، لا بل تجيير هذه المرسسة العربية لصالح بعض الدول التي تكن العداء لسوريا والعراق والعديد من دولها. في الواقع، إن الجامعة العربية باتت مرتعاً مشابهاً لمجلس الأمن، مع وقف التنفيذ بإعتبار أن غياب سوريا، وإنشغال مصر في الداخل، ما عدا الازمة الليبية، وكذلك العراق في مواجهة داعش، عوامل عدّة ساهمت في الحد من دور الجامعة ودولها الفاعلة طوال تاريخها ، لا بل جعلتها "مجلس تعاون خليجي" ثاني، لا أكثر ولا أقل.
رابعاً: هل حرصت الجامعة العربية على مقاعد عشرات الألاف من الطلاب في ليبيا وسوريا، كما حرصت على مقعد دمشق في الجامعة؟ ألم تنجر الجامعة العربية وراء قرارت بعض دولها غير آبهة بمصالح دولها الأخرى، فضلاً عن مصالح الشعوب؟ ماذا قدّمت هذه الجامعة للقضية الفلسطينية؟ وهل ستسحب الجامعة عضوية فلسطين، وتهدّدها بعدم إعادتها إلا بتوافق مع الكيان الإسرائيلي؟
في الخلاصة، إن كلام الأمين العام لجامع الدول العربية حول سوريا يكشف مدى هزلية هذه "المؤسسة الخاصّة" في ظل الانقسامات والاوضاع العربية المزرية، ويعد رسماً للتسجيل لا أكثر الأمر الذي دفع بسوريا للخروج من هذه الجامعة ريثما تستعيد عروبتها، أن تعود لمبادئها.