الوقت - تشهد فرنسا حراكاً نوعياً، يختلف في طبيعته عما اعتادت عليه أوروبا. في حين يجري التساؤل عن مصير العلاقة بين الحكومة والنقابات في فرنسا. فماذا في أسبوع الإضرابات بين الحكومة والمحتجين على قانون العمل؟
أكثر من مائتي ألف شخص تظاهروا في مختلف أنحاء فرنسا احتجاجا على مشروع تعديل قانون العمل. هذه المظاهرات تعدّ الحادية عشرة في غضون أربعة أشهر. وعدا عن التظاهرات، شملت الإضرابات قطاعات النقل والكهرباء ومصافي النفط وجمع النفايات، مما أساء إلى صورة فرنسا في غمرة مباريات كأس أوروبا لكرة القدم التي تستمر حتى العاشر من تموز. فيما النقابات العمالية ماضية في تحديها للحكومة.
وفي هذا السياق قال الأمين العام للكونفدرالية العامة للعمل: "نحن واثقون، تماما نفس الثقة التي كنا عليها منذ أربعة أشهر، لسنا في موقف ضعف وأكرر، لدينا دعم الأغلبية على جميع المستويات وعلى الحكومة تحمل مسؤولياتها، تحدثنا كثيرا منذ يوم الأحد نحن بصدد الاستماع إلى الشعب، هل تعلمون؟ حسنا نملك هذه الفرصة على أي حال الحكومة ورئيس الجمهورية، لديهم فرصة القيام بذلك هنا في فرنسا أيضا".
الحكومة الفرنسية التي شهدت اعتراضات داخلية استخدمت بنداً دستوريا لتمرير التعديل، الذي لا يحظى بشعبية في مجلس النواب من القراءة الأولى بدون تصويت، ما أثار أسوأ موجة احتجاجات اجتماعية تواجه الحكومة الاشتراكية في البلاد. لكن الحكومة تؤكد قبل سنة من الانتخابات الرئاسية بأنها تريد من خلال تعديل قانون العمل محاربة البطالة وتسهيل التوظيف، في حين يقول معارضوه إنه يهدد الأمن الوظيفي. وبهدف تفادي التجاوزات، التي شهدتها مسيرات سابقة، نشرت السلطات أكثر من ألفين وخمسمائة شرطي ودركي لضمان أمن هذه المسيرة، وحددت نقاط تفتيش قبيل انطلاقها لمنع حيازة مقذوفات أو اخفائها. كما تمّ تحديد طريق للمسيرة بطول حوالي ثلاثة كيلومترات شرق باريس.
أبدت الحكومة الفرنسية بعض الإنفتاح في جوانب محددة تتمسك برفضها التفاوض على نص التعديل، فيما توعدت النقابات بمواصلة الإحتجاجات خلال تموز وحتى أيلول ان لم تتجاوب الحكومة. فيما تحدث الأمين العام للكونفدرالية العامة للعمل "فيليب مارتينيز"، والتي تتصدر الحركة الإحتجاجية تحدث عن يومٍ آخر من التحرك، قد تتخلله عودة التظاهرات.
وبالفعل ومنذ الثلاثاء، شهدت فرنسا جولة جديدة من المواجهات بين الحكومة الإشتراكية والنقابات العمالية الرافضة لإصلاح قانون العمل. ففي حين تواصل النقابات حشدها في الشارع الفرنسي عبر الإحتجاجات التي دخلت شهرها الرابع، لجأ رئيس الوزراء مانويل فالس إلى تمرير القانون بالقوة دون اللجوء للتصويت عليه خلال القراءة الثانية أمام الجمعية الوطنية.
فقد أقرت الثلاثاء، الحكومة الفرنسية قانون العمل المثير للجدل، دون اللجوء إلى تصويت البرلمان عليه رغم تواصل الاحتجاجات العمالية ضده. حيث أعلن رئيس الحكومة مانويل فالس أن حكومته استخدمت إجراءاً دستورياً يُتيح لها فرض القانون من دون تصويت برلماني، وبرر اللجوء إلى هذا الإجراء بأنه "مراعاة للمصلحة العامة للشعب الفرنسي وليس من باب "التعنت"، بحسب تعبيره. وفي حال لم يتم خلال 24 ساعة تقديم مذكرة لحجب الثقة عن حكومة فالس، فسيكون هذا بمثابة إقرار للقانون. وأعلن كريستيان جاكوب رئيس المجموعة البرلمانية للمعارضة اليمينية بقيادة حزب "الجمهوريين" الذي يتزعمه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أن المعارضة لن تتقدم بمذكرة لحجب الثقة في الجمعية الوطنية (مجلس النواب)، في حين يواجه نواب اليسار المعارضون لمشروع القانون صعوبةً في جمع تواقيع 58 نائباً لتقديم مذكرة بهذا الشأن. وبعد تمريره من قبل الحكومة عن طريق إجراء دستوري، سيتم عرض المشروع مجدداً على مجلس الشيوخ قبل اعتماده نهائياً بحلول 22 تموز الجاري من قبل الجمعية الوطنية بعد أن يلجأ فالس مجدداً للإجراء الدستوري نفسه.
يُذكر أن هذا المشروع الذي عرض قبل أربعة أشهر ضمن إصلاحات اقتصادية يستهدف "تحريرا" أكبر لسوق العمل، حيث يتيح لأرباب العمل سهولة أكبر في التوظيف والتسريح، وتأمل الحكومة الفرنسية أن يساعد هذا القانون في تشغيل أعداد كبيرة من العاطلين، وخفض معدل البطالة الحالي الذي يحوم حول 10%. وكان قد فجر المشروع وإصلاحات اقتصادية أخرى، صراعاً بين الحكومة الاشتراكية والنقابات اليسارية التي نفذت جملة من الإضرابات الماضية، والحالية، والتي تزامن بعضها مع انطلاق بطولة أوروبا الحالية للأمم التي تنظمها فرنسا، وتسببت في شلل جزئي ببعض المدن، كما قلصت الإصلاحات المعروضة أكثر من شعبية الرئيس فرانسوا هولاند قبل أقل من عام من انتخابات الرئاسة.
وهنا وفي وقتٍ لا تنوي السلطة التنفيذية التي لا تتمتع بأي شعبية، التراجع بشأن النقاط الأساسية في النص، أعلن "كريستيان بول" عن "تسوية باتت في متناول اليد" لكنه اعاد الكرة إلى ملعب الحكومة. ويستهدف الاحتجاج على القانون خصوصاً مادةً تسمح بان يكون للشركات حق ابرام عقود مختلفة مع المتعاقدين. وتؤيد النقابات الإصلاحية هذه النقاط وترى أنها تشكل فرصة لإعطاء مكان أكبر للمفاوضات، خلافاً للنقابات المحتجة وخصوصاً الكونفدرالية العامة للعمل والقوى العاملة اللتين تشكلان وتبنيان ثقافتهما على فكرة صراع الطبقات. وقالت نقابة "الكونفدرالية الفرنسية الديموقراطية للعمل" التي تدعم المشروع أن الحكومة تتحمل مسؤولية كبيرة في نظرة الفرنسيين حول هذا المشروع. وأكد رئيس النقابة لوران بيرجيه في مقابلة مع صحيفة ليبراسيون "عندما يطلق الصاروخ بشكل خاطئ، لا يمكن تقويم مساره بعد ذلك".
إذن يبدو أن فرنسا بلد الديمقراطية، أضحت أمام تحدٍ جديد من البوابة العمالية. فالحراك العمالي لم يعد يقتصر على قطاعٍ معين، بل يطال أغلب القطاعات. في وقت، تشهد فيه أوروبا إعادة نظرٍ في السياسات التي يعتمدها الإتحاد الأوروبي. فهل بدأ زمن التمرد الشعبي والعمالي في فرنسا؟