الوقت - دخلت تونس اليوم في حياة سياسية جديدة مخالفة لكل ماسبق تحكمها التوافقات والتوازنات الدقيقة التي رسمتها تشكيلة الحكومة الحالية. وفي ما بقي السؤال الأساسي المطروح هو معرفة من أرسى الصيغة النهائية للحكومة؟ إلا أن السؤال الأهم ما هو مستقبل البلاد في ظل الحكومة الجديدة التي ضمت حركة النهضة الى جانب حركة نداء تونس؟ وهو ما جاء نتيجة الإتفاق بين الإثنين.
خرجت تونس من مسار تشكيل الحكومة الذي كان عسيراً، فقد انتهى تشكيل الحكومة التونسية يوم الإثنين المنصرم، بإعلان رئيسها الحبيب الصيد تشكيلته الوزارية وهي التشكيلة الثانية في غضون عشرة أيام، والتي كانت أشبه بمزيج «متجانس» من الأحزاب السياسية كافة، مما يضمن لها نيل الثقة في البرلمان بأغلبية مريحةً .
وبدا أنّ الحكومة المكونة من 27 وزيراً و14 كاتب دولة، تم تفصيلها على مقاس مكوناتها، فحصلت حركة نداء تونس وحلفاؤه (آفاق تونس والاتحاد الوطني الحر) على حصة الأسد. وبينما حصلت حركة النهضة على عدد محدود من المقاعد، لكن حضورها الحكومي ونفوذها تعززا عبر تضمين التشكيلة الحكومية شخصيات مقربة منها، الأمر الذي عكس توازناً سياسياً كان نتيجة التوافق بين الحركتين النهضة ونداء تونس، وإن قيل أن لرئيس الحكومة الصيد دور كبير به. ولا بد من الإشارة الى أنه لم يكن بالإمكان التوصل إلى التشكيلة الحالية من دون توسيع عدد المقاعد فيها، مقارنة بالصيغة الأولى التي قدمها الصيد في 23 كانون الثاني الماضي والتي رفضتها مجمل الأحزاب السياسية. وهذا ما أشار له الصيد في تصريحٍ له يوم الإثنين حيث قال أن التعديلات تمثلت بالخصوص في توسيع تركيبة الحكومة إلى أحزاب أخرى، وتعزيز حضور الوجوه السياسية كافة .
إذاً إنها حكومة المصالحة الوطنية كما وصفت والتي لا بد أنها نتيجة الإتفاق بين الخصمين السياسين، فهي ضمت بين صفوفها نداء تونس والذي يمتلك 86 مقعداً برلمانياً من أصل 217، وخصمه السياسي اللدود حركة النهضة الذي يمتلك 69 مقعداً. وضمن هذه التشكيلة ترك "النداء" لنفسه إحدى عشرة وزارة (حصل على ست شخصيات تنتمي إلى الحزب وخمسة مقربين منه)، إضافة إلى خمسة كتاب دولة. وحصل "النداء" على وزارة الخارجية (الطيب البكوش) وحقيبة الصحة (سعيد العايدي) والسياحة (سلمى اللومي) ووزارة العلاقة بين الحكومة والبرلمان (لزهر العكرمي)، والشؤون الدينية (عثمان البطيخ) والتربية (لناجي جلول) في المقابل، أسند الحبيب الصيد إلى «النهضة» وزارة يتيمة وثلاث كتابات دولة، إذ تقلّد زياد العذاري منصب وزير التكوين والتشغيل، ونجم الدين الحمروني منصب كاتب دولة لدى وزير الصحة، وبثينة يغلان منصب كاتب الدولة للمالية، وأمال عزوز منصب كاتبة الدولة للاستثمار والتعاون الدولي .
وقد طالت الإتفاقية الوزارات السيادية أيضاً، فقد سميت على رأسها شخصيات قريبة من «النداء» رضيت عنها «حركة النهضة»، ولم تعترض. وعُيِّن فرحات الحرشاني وزيراً للدفاع، ومحمد صالح بن عيسى وزيراً للعدل وناجم الغرسلي وزيراً للداخلية .
أما «آفاق تونس»، فقد حصل على ثلاث وزارات: التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، المرأة وشؤون الأسرة، تكنولوجيا الاتصال، فيما حصل «الاتحاد الوطني الحر» على وزارة واحدة، مبدئياً. وبقيت «الجبهة الشعبية» التي حلت رابعة في الانتخابات الأخيرة، الغائب الأكبر عن الحكومة. وبحسب هذه التشكيلة، فإنه من المفترض أن تنال الحكومة الثقة (109 أصوات) بنحو مريح خلال الجسلة البرلمانية التي ستعقد اليوم الأربعاء، وذلك على اعتبار أن الأحزاب المشاركة، بشكل مباشر، تمتلك مجتمعة 179 مقعداً .
لقد جاء الاتفاق على حكومة الائتلاف كخطوة من شأنها أن تساعد على الحفاظ على استقرار الانتقال الديمقراطي الهادئ في تونس. ويعتبر التوافق بين الخصوم السياسيين في تونس سمة مميزة في المشهد السياسي لإنهاء عدة أزمات فتونس تحتاج لحكومة قوية لمواجهة تهديدات الجماعات "المتطرفة" التي زاد خطرها، إضافة إلى إجراء إصلاحات اقتصادية لإنعاش الاقتصاد المنهار .
يبدو من الأكيد أن الرئاسة التونسية استطاعت إخراج الحكومة بصيغتها الحالية وأنها تمسك بخيوط توازناتها وهي أيضاً استطاعت استثمار الإتفاق بين الخصمين السياسيين اللدودين حركة نداء تونس وحركة النهضة وذلك قد يعزز الإستقرار في البلاد. لكن السؤال الأبرز سيبقى حول ما إذا كان هذا اللإتفاق سيصمد في المستقبل؟ وكيف سيكون له تأثير على واقع العمل السياسي والحياة السياسية الجديدة والتي قد تكون مخالفةً لكل ما سبق؟ ..