الوقت- في غضون عام واحد، ارتفع عدد الأوروبيين الذين تم تجنيدهم للقتال في سوريا والعراق من بضع مئات إلى قرابة ثلاثة آلاف، وفقا لأرقام منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دو كيرشوف. فما حال الأعداد في العالم العربي وشمال افريقيا وشرق اسيا, إن كان هذا تصاعد العددي في اوروبا!!
كيف يؤدي داعش هذا الدور الفعال بشكل سري رغم ترقب الاستخبارات العالمية؟
تحقيقات مع موقوفين ينتمون لداعش حول العالم, سبق أن قاموا بنشاطات تسويق واستقطاب وجمع أموال وتبرعات وجمع معلومات والتخطيط لمهمات أمنية للتنظيم والتجنيد, حيث أثبتت الافادات التي ادلوا بها أن أهم وسائط التواصل والتجنيد مع هؤلاء وأغلب عملياتهم التي قاموا بها أيضا تمت عبر الشبكة العنكبوتية في البداية, حيث اعترف الموقوفون بأن التنظيم استهدفهم وفق آلية متناسقة تمر بمراحل متتالية, يستفيق في آخرها المستهدف ليجد نفسه في فك التجنيد للمجموعات الأمنية التابعة للتنظيم والناشطة عبر الانترنت.
"الدعوة والتبليغ" ستار التجنيد والاستقطاب:
تتنوع وسائل الاتصال التي يستفيد منها التنظيم في "الدعوة والتبليغ" التي يتستر خلفها ليخفي عمليات التجنيد والاستقطاب وصناعة الثقافة التكفيرية في عقول المخاطبين ويعتمد داعش على الاعلام المرئي والمسموع, والانترنت كوسائل غير ميدانية لبث رسائله وثقافته.
أما الدعوة المباشرة الميدانية تتم عبر"المبلغين والصالحين والمرشدين" الذين ينتشرون بين الاوساط الشبابية في كل العالم, حيث يوجد مساجد ونشاطات دينية وثقافية, حيث يقومون بالتواصل مع المستهدفين بشكل مباشر واقامة نشاطات دينية وترفيهية وجذب الشباب لهذه النشاطات, وهذا يتيح لهم بدء العمل وفق برامج يعدونه مسبقا ويستفيد هؤلاء كثيرا من جميع المناسبات الجماهيرية والتجمعات واماكن التواصل والجامعات ومراكز العمل بهدف الاستقطاب كمرحلة أولية.
الشرائح المستهدفة من قبل التنظيم:
داعش التنظيم الذي يجاهر ببطولاته وعملياته التي تفوق بعروضها الواقع والحقيقة أحيانا كثيرة, يحاكي أربع فئات من المخاطبين: الموالي والمنتمي, المتعاطف, الحيادي, المعادي.
طرق تشخيص الهدف:
يستهدف التنظيم نوعين من الاهداف: الأول هدف غير محدد يتشكل من شباب وطاقات الطائفة السنية بالخصوص, ويكون موجها لتحقيق الزيادة العددية بعيدا عن النوعية وغالبا ساحات الاستهداف هي العالم العربي ودول شمال افريقيا وشرق اسيا ومناطق تواجد الطائفة السنية عموما.
أما الثاني فهو الهدف المحدد, حيث يتم تشخيص المستهدف عبر الوسائل الفيزيائية والتقنية من انترنت وحسابات خاصة ومعلومات تجمع حول الشخص, وكذلك عبر مجموعات من الدعاة والمبلغين وافراد الخلايا الامنية لداعش الذين يشخصون الهدف تمهيدا للعمل على تجنيده.
غالبا, هذا النوع من الاستهداف يطال اشخاص ذات صفات وقدرات خاصة, اعلاميين, ناشطين اجتماعيين, متعلمين في مجالات تستخدم في امور عسكرية وامنية, نافذين من اصحاب السلطة أو المال, اصحاب مهارات وقدرات استثنائية, أجانب من الذين تم هديهم للاسلام, حاملي الجنسيات المتعددة, المسافرين...
مراحل التجنيد:
1 ) تشخيص الهدف: عبر الانترنت والهاتف والوسائل التقنية أو العنصر البشري من المنظمين وعلاقاتهم أوالمخبرين وعناصر الخلايا الأمنية والدعاة والمبلغين الذين يعملون بأغلبهم مع جهاز داعش الامني.
2 ) الجمع المعلوماتي حول الهدف: اختراق الحسابات الشخصية ومعلومات من مواقع التواصل الاجتماعي, الهاتف, الاقارب والمعارف, الاستدراج...
3 ) النفوذ عبر وسائط (أقارب, معارف, انترنت, هاتف..) للوصول الى مساحة اتصال أولية مع الهدف.
4 ) التحاور بعد تهيئة أجواء اتصال وتطمينات, ومن ثم المشاركة في عرض المشكلات والهموم الاجتماعية التي يعاني منها الهدف عبر الاستفادة من علم النفس الذي يمكن من اكتشاف المشاكل النفسية للفرد عبر دراسة البيئة المحيطة والنشأة الخاصة به, في ظل وجود مناخ عالمي من الفراغ المعنوي والنفسي بموازاة المشاكل الاقتصادية والمعيشية.
5) عرض الحل والمساعدة الأولية وإن لم توجد مشاكل يتم العبور عبر التدخل الخارجي وخلق دافع للتجنيد مثل التحريض والانتقام والثأر والجهاد ...
6) تقديم المساعدة والتقرب اكثر لكسب الثقة أو عرض امكانية التعاون لتحقيق شيء يفيد الامة والثأر لها والانتقام من الظلم.
7) استمرارية الاتصال والتعرف عن قرب لامتحان صحة التقديرات الاولية حول شخصية الفرد وعادة يتم النفوذ عبر اتخاذ سواتر وهمية عبر شخصيات مصطنعة ليست حقيقية وتحت عناوين مشخصة وفق الحالة.
8) في حال عدم ضمان امكانية قبوله للتطوع يجري العمل على التوريط أو التهديد والابتزاز (تجنيد قسري).
9) في حال ضمان قبول تطوع الفرد يتم العمل على الترغيب والتمكين وامتحان صدقيته بشكل أولي.
10) استمرار التثقيف والتعبئة في كل المراحل لضمان نجاح عملية التلقين لتحصيل التطويع الفكري.
11) اشراك الفرد في مستويات اولية من القتال والتدريب واختبار قدراته لمعرفة التوجه العملي له.
12) الامتحان الثاني عبر عرض القيام بعملية انتحارية لاختبار الاستعداد أو اشراكه في قتال مباشر.
13) يليها مرحلة تثبيت العضوية والانتماء وربط العنصر بالمجموعة التي يجب أن يعمل معها والتعرف على الامير الواجب طاعته.
14) تحديد مهمات للفرد وفق ظروفه وملفه (في حال لم يتم تشخيص المهمة مسبقا وتجنيده لأدائها).
15) الانتقال الى مرحلة تشغيل الفرد والاستفادة منه.
إذن هي مراحل ثلاث: تشخيص, تواصل وتجنيد, توزيع المهام. وتكون الضحية قد وقعت في فك العمل الارهابي الذي لا يمكن العودة عنه ببساطة !! ليصبح الفرد وحشا بشريا يقتل ويقطع الرؤوس ويفجر وفق قناعة داخلية بانه يطهر الأرض من الدنس ويعيد تصويب أنظمة الحكم العالمية.
لماذا كل هذا النجاح لداعش ؟؟
إن محاكاة حاجات البشر النفسية, من الحاجة للامن وتحقيق الذات والمال والانتماء لجماعات قوية مؤثرة يشعر فيها الفرد عبر الانتماء اليها بالأمان والحماية والقوة ويحقق فيها نزعة داخلية تنتاب مرحلة الشباب بحمل السلاح والثورة على الواقع والتمتع بالقوة, كلها عوامل يستفيد منها داعش للتجنيد والاستقطاب.
فضلا عن عامل ذهبي متمثل بالمشاكل الاقتصادية وطبيعة الحكام الظالمة التي لا تلتفت الى حاجات هؤلاء الشباب, بسبب انشغالها برعاية وتنفيذ سياسات الخارج الذي يحمي الكرسي ويدعم بقاء هذه الانظمة.
تستفيد داعش من هذا الواقع الخصب, لتعرض عبر اعلامها ما يحاكي حاجات هؤلاء الشباب من القوة والسلاح والثورة والشعارات الجهادية التي تحرض وجدان المستهدفين, وتحرك غرائزهم الطائفية والشبابية , وترفع لهم شعارات التضحية والثورة والعدالة والاسلام والواجب والثواب والاستشهاد والقضايا السامية , وتعرض وصايا الشهداء وصور لقتلى واطفال مع خلفيات مؤثرة من صوت وكلمات منتخبة باحكام وصور, مع اخراج كل هذا عبر فيديوهات وأناشيد وكليبات بمستوى متطور جدا لافت يثير الشك !!
الانترنت الوسيلة الأكثر فعالية:
الانترنت الحامل الأمين لرسالة داعش, الذي يتم عبره بث الغرائز الطائفية واستثارة العصبية المذهبية واظهار داعش التيار الثائر الذي يمحي اثار التخاذل عن الدفاع عن الطائفة السنية المستهدفة من قبل الشيعة والأنظمة الدكتاتورية وامريكا , وتوقف المد الشيعي الذي يزداد ويجتاح الطائفة السنية ويشكل خطرا عليها.
كل هذا يتم من أجل التعبئة واستثارة الاستعدادات للانضمام والتفاعل مع التنظيم أكثر فأكثر.
فالشبكة العنكبوتية, تتيح رصد وتشخيص الافراد التي يريد التنظيم تجنيدها والتعرف عليها وجذبها, وكذلك يؤمن مساحة اتصال سرية بين المستهدف والخلايا الامنية لداعش, وكل هذا يطال الحياديين والمتعاطفين.
وهكذا يتم التعامل مع الاهداف وفق برانامج متدرج , فالمعادي يتم العمل معه لجره الى مرحلة المتعاطف ومن ثم الموالي والمنظم, والمتعاطف يتم العمل معه ليصبح منظما فاعلا.
أما الفئة المعادية, فإن بث القدرات المضخمة لداعش وصور القتل والذبح والتهديد والوعيد والشعارات المدوية والافلام البطولية الهوليوودية, تهدف الى ردع اي شخص من التفكير بقتال داعش ومواجهتها, أو بث الخوف في صفوف المقاتلين الذين يواجهون داعش عبر بث صور قطع رؤوس واعدامات تطبع في ذهن المشاهد وبالتالي تنعكس في مخيلته أثناء القتال وتهز من اقدامه وترعبه لتحثه على عدم المواجهة والفرار خوفا وذعرا من مصيره.
دراسات ومقالات حديثة حول نشاط داعش:
متخصصون في العمل الأمني أكدوا أن نشاطات التنظيم الأمنية تقارب كثيرا أسلوب عمل جهاز الموساد الاسرائيلي. فقد توصل الباحثون الى وجود روابط حقيقية بين أصابع الموساد والنشاط الامني لداعش عبر التدريب والتأسيس وكيفية التجنيد والإختفاء والاستتار, ويضاف الى هذا وجود ضباط أمنيين من بقايا النظام البعثي السابق الذين تربطهم علاقة وطيدة بوكالة الاستخبارات المركزية الامريكية سي أي إي , والاستخبارات البريطانية التي تعاونوا معها إبان الفترة الذهبية بينها وبين نظام صدام حسين , وكذلك في مرحلة احتلال العراق التي قام فيها هؤلاء بالتعامل مع هذه الاجهزة لاسقاط النظام بالصورة الدرامية التي تواهى فيها.
شبكة CNN نقلت أن أبحاثا جديدة أكدت أن داعش تسعى للترويج لنفسها كمنظمة "كول" أو "دارجة بين الشباب" كآخر شكل من اشكال الغزو التي توصلت اليها المنظمة في الدعاية و الإعلان عن نفسها لتستطيع العبور الى الاشخاص الذين لا يتمتعون بمستوى من التدين الاصولي وتقرب من الفئات المعتدلة والغير متدينة تمهيدا للاستقطاب والتجنيد, وقد ظهرت هذه الوسائل الترويجية عبر انتشار ألعاب للأطفال والفتية وسلاح وأفلام وثياب تروج لشعارات التنظيم وأعلامه وثقافته.
في معرض اخر , دراسات أخرى طالت عينات من الأفراد الذين تم اعتقالهم في ارض المعركة أو تم ايقافهم قبل القيام بعمليات انتحارية , تم التوصل الى نتائج دقيقة حول وجود علاقة بين أغلب هؤلاء ومشاكل نفسية يعانون منها , حيث يلعب الفقر والتنشئة منذ الصغر والبيئة والظروف الحياتية والثقافة الاجتماعية, دورا كبيرا في جعل هؤلاء اهدافا سهلة لداعش, أو يذهبون بأنفسهم نحو القتال والتعامل مع التنظيم, حيث أن نسبة قليلة جدا من الأشخاص الذين تمتعوا بطفولة هادئة آمنة وتلقوا الرعاية العائلية الصحيحة واستمروا في رشدهم ضمن حياة خالية من الصدمات والضغوط هم من اتباع هذا التنظيم. وهذا يشير فعلا الى ان ارتفاع نسبة الفقر والضغوط الحياتية وتفشي الجهل التربوي وانعدام الوعي والثقافة داخل المجتمعات, تؤدي الى ارتفاع نسب الاكتئاب واليأس والامراض النفسية التي تنتهزها داعش وتستغلها للعمل على التجنيد والاستقطاب.
كل هذا, جعل من داعش, ومن يدعمها ويغطيها ويدربها, اخطبوطا يبتلع الشباب السني خصوصا, والحديثي الاسلام من الذين اعتنقوا الدين حديثا, ويحولهم الى وقود يحرق بهم الاراضي التي يريد غزوها وتحقيق اطماع واهداف فيها, فأعداد كبيرة جدا من المقاتلين تخسرهم داعش شهريا في مساحات صراعها الواسعة, وتدفنهم كأكياس رمل, حيث يتناسى التنظيم أن لهؤلاء عائلات سيترك في المستقبل القريب غيابهم عنها مشكلات اقتصادية ونفسية ومعنوية كبيرة جدا في محيطهم, ولهذا فإن الطائفة السنية تتعرض لحملة من التصفية الكبيرة لابنائها الذين يراد لهم ان يموتوا في مواجهةالانظمة التي تعادي اسرائيل تحت وقع التشويه والتحريض المذهبي. فمن يوقف هذا البحر الدامي الذي يقتل الالاف من الشباب الذين يتم التلاعب بعواطفهم من قبل أناس نبذتهم الدنيا ونبذت أفكارهم الفاسدة, بقايا الانظمة الدموية وصنيعي الاستخبارات العالمية, الذين لا يوفرون وسيلة اتصال ودعاية الا واستغلوها للوصول الى قلوب وعقول المستهدفين من شباب الطائفة السنية ومقدراتها.