الوقت- عن عمر يناهز الـ74 عاماً، وبعد صراع طويل مع المراض، رحل الأسطورة محمد علي كلاي، الملاكم الوحيد الذي فاز ببطولة العالم للوزن الثقيل ثلاث، واستمر على عرش لعبة الملاكمة لما يقرب من عشرين عاما، حقق خلالها الفوز في 56 مباراة، من بينها 37 مباراة بالضربة القاضية.
كلاي أدخل مستشفى فينيكس يوم الخميس بشكل مفاجئ في ولاية أيرزونا بعد معاناة في الجهاز التنفسي، وذكر أن الأطباء رجحوا أن مرض الشلل الرعاشي (داء باركنسون) الذي أصيب به عام 1984- هو السبب، وأنهم بدلوا مجهودا كبيرا لكنهم فشلوا وأسلم الروح لبارئها.
الملاكم الأسطورة
ولد كاسيوس كلاي جونيور في مدينة لويزفيل بولاية كنتاكي، وبدأ مشواره في عالم الملاكمة عندما كان بعمر الثانية عشر وبعد ست سنوات فقط، حاز على الميدالية الذهبية خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 1960
اقتحم عالم الاحتراف عندما كان في سن الثامنة عشر وفي عمر الثانية والعشرين أذهل الشاب عالم الملاكمة، بفوزه الأسطوري على سوني ليستون، حيث أصبح بطل الوزن الثقيل.
ورغم أن الستينات كان سنوات مجد علي، لكن عهد الحقوق المدنية أصبح أيضا فترة مثيرة للجدل في حياته.
وسحب اللقب من كلاي في قمة مجده عندما رفض الخدمة العسكرية في حرب فيتنام.
ليتمَ تجريده من بطولة العالم في الملاكمة، ولكن بعد ثلاث سنوات ونصف ألغت المحكمة العليا قرار إدانته.
توافد الناس على مشاهدة المباريات التي يخوضها، وامتلأت قاعة ماديسون سكوير غاردن عن آخرها للمرة الأولى منذ عشر سنوات عندما التقى دوغ جيمس في مارس/آذار 1963، لكن يبدو أن كثيرين كانوا يتمنون رؤيته وهو يتجرع مرارة الهزيمة.
وفي عام 1963 بالعاصمة البريطانية لندن، تمكن الملاكم البريطاني هنري كوبر من طرح علي أرضا في الجولة الرابعة، لكنه خسر في الجولة الخامسة بالضربة القاضية، وفي التوقيت الذي توقعه كلاي أيضا.
وفي فبراير/شباط 1964، كان علي، الذي كان لا يزال يحمل اسم كاسيوس، مستعدا للحصول على اللقب العالمي، بعدما هزم سوني ليستون، الذي وصفه كلاي بأنه "دب قبيح ومتقدم في السن"، في نهاية الجولة السادسة.
لم يكن علي يتنبأ بهزيمة خصومه فحسب، لكنه كان يتنبأ أيضا بتوقيت هزيمتهم، فكان يقول إنه سيهزمهم في جولة بعينها، وغالبا ما كانت تتحقق هذه التوقعات.
وخلال السنوات الثلاث التالية، دافع علي عن لقبه ضد تسعة منافسين، بما في ذلك فلويد باترسون وهنري كوبر. وفي هذه الأثناء، كان الملاكم العالمي قد أصبح أكثر إتزانا وهدوءا خارج الحلبة وأصبح أقل ميلا للتفاخر بعظمته.
"محمد علي"
وانضم علي إلى طائفة المسلمين السود، وأطلق على نفسه اسم محمد علي. وكان رفضه الانضمام للجيش إيذانا بنهاية المرحلة الأولى من حياته الاحترافية، حيث جردته رابطة الملاكمة العالمية من اللقب العالمي ومنحته لجو فريزر.
وفي النصف الثاني من عام 1970 رفع الإيقاف عن علي وسمح له بمواجهة جيري كواري ثم أوسكار بونافينا. وبالرغم من غيابه الطويل عن حلبة الملاكمة، فاز كلاي في المباراتين، ورأي كثيرون أن كلاي يملك فرصة جيدة لاستعادة اللقب العالمي من فريزر. ولكن عندما التقيا في شهر مارس/آذار 1971، فاز فريزر بفارق النقاط بعدما طرحه أرضا في الجولة الأخيرة.
وفي يوليو/تموز، هزم كلاي جيمي إليس بالضربة القاضية. وخلال الأشهر الـ 18 التالية، هزم فلويد باترسون وجو بغنر وآخرين. لكن في أبريل/نيسان 1973، هزمه كين نورتون بفارق النقاط. وكسر فك كلاي أثناء المباراة، وقضى عدة أيام في المستشفى.".
في عام 1974، هَزَم الملاكم القوى فورمان، ليستعيد بذلك عرش الملاكمة في أمريكا والعالم بأسره.
وفي عام 1981 كانت مواجهة كلاي الأخيرة، مع الملاكم تريفور بربيك حيث خسر لقبه أمامه وقرر أن يعتزل اللعب بعدها.
أصيب بمرض الشلل الرعاشي عام 1984 بعد اعتزاله الملاكمة بنحو ثلاث سنوات، لكنه لم يفقد بريقه بين جماهيره من الأجيال المتعاقبة وشارك في الأعمال الإنسانية، وحصل على ميدالية الحرية تكريما له على ما قدمه من مساعدات إنسانية خيرية، كما حصل على جائزة القيادة العالمية من جمعية تدعم نشاط الأمم المتحدة لدوره القيادي في دعم القضايا الإنسانية.
في عام 1996، أشعل كلاي الشعلة الاولمبية في دورة الألعاب الصيفية في اتلانتا، وكانت تلك واحدة من أكثر اللحظات المؤثرة في تاريخ الرياضة.
وفي عام 2005، حصل أسطورة الملاكمة على ميدالية الحرية، أرفع جائزة مدنية في أمريكا.
وخلال سنواته الأخيرة، قام علي بتأليف كتاب، أطلق على الانترنت، كما ناشد حتى المسؤولين في ايران بالإفراج عن اثنين من السياح الأمريكيين.
الرجل الحكيم
لم يكن كلاي ملاكما عالميا فقط، بل كان حكيما ولديه رؤية وقناعات لاقت إعجاب شعوب العالم على اختلاف توجهاتهم وجنسياتهم.
فقد دافع عن قضايا المسلمين السود وأشهر إسلامه وغير اسمه إلى محمد علي، وبات بمثابة الزعيم الروحي لملايين السود ورمزا للأمل والعزة والتحدي.
ويسجل التاريخ 7 تصريحات بارزة، بل 7 أقوال مأثورة عن الأسطورة الراحل محمد علي كلاي وهي كالتالي:
أولاً: "لا يصبح الشخص بطلاً في صالة ألعاب رياضية، يصبح بطلاً بما يشعر به رغبة، حلم، رؤية، يجب أن يمتلك الموهبة".
ثانياً: "لقد كرهت كل دقيقة من التدريب، ولكن قلت: لا تستسلم، تعاني الآن وتعيش بقية حياتك كبطل".
ثالثاً: "أنا مسلم ولا يوجد شيء يمت للإسلام في قتل أناس أبرياء في باريس أو أي مكان آخر في العالم، المسلمون الحقيقيون يعرفون أن العنف الوحشي لمن يطلق عليهم (المتطرفون الإسلاميون) يتعارض مع صميم مبادئ ديننا".
رابعاً: "هذه الحرب ضد تعاليم القرآن وإننا - كمسلمين - ليس من المفترض أن نخوض حروباً إلا إذا كانت في سبيل الله ورسوله"، وأطلق كلاي هذا التصريح بعدما رفض الالتحاق بالجيش الأميركي الذي كان يستعد للدخول في حرب مع فيتنام.
خامساً: "الصداقة هي أصعب شيء يمكن شرحه في العالم، فهي ليست شيئا تتعلمه في المدرسة، لكن إن لم تتعلم معنى الصداقة، فأنت في الحقيقة لم تتعلم أي شيء".
سادساً: "السقوط داخل الحلبة كالسقوط خارجها، لا عيب في أن تسقط أرضاً، بل العيب في أن تبقى على الأرض".
سابعاً: "تخاض الحروب من الدول لتغيير الخرائط، ولكن حروب الفقر تخاض لوضع خريطة التغيير".
ماذا قال العالم حول رحيل محمد علي؟
جاءت ردود الفعل على وفاة الملاكم الأمريكي الشهير محمد علي كلاي فورية بعد الإعلان عن وفاته،. جاءت من رياضيين وسياسيين. وهذه أبرزها:
مايك تايسون: "ذهب البطل إلى ربه. لقد كان شخصا رائعا لفترة طويلة. العظيم محمد علي فلترقد في سلام".
رئيس الوزراء الأسباني ماريانو راخوي أوضح: "سيظل اسم محمد علي خالدا كأسطورة وبطل في الملاكمة وملحمة نجاح. ارقد في سلام يا كلاي".
رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق قال في تغريدة " خسر العام أكثر من مجرد أسطورة في الملاكمة. لقد خسرنا أعظم شخص على مر التاريخ ".
أدم سيلفر رئيس رابطة دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين كتب يقول: "تجاوز محمد علي حدود الرياضة وذلك بفضل شخصيته العملاقة والتزامه بالدفاع عن الحقوق المدنية والدعوة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية."
كما كتب داعية الحقوق المدينة القس أل شاربتون المقيم في نيويورك عبر تويتر "محمد علي كان دائما وسيظل الأعظم. بطل حقيقي داخل الحلبة وخارجها."
من الملاكمين كتب بطل الملاكمة السابق روي جونز عبر تويتر "هناك حزن كبير في قلبي لكني راض ومرتاح لأن الملاكم الأعظم يرقد في سلام في المكان الأعظم."
ولم ينتظر منافسه وصديقه الملاكم الشهير جورج فورمان طويلا، فكتب: "محمد علي كان واحدا من أعظم الأشخاص الذين التقيت بهم طوال حياتي. وبالتأكيد كان واحدا من أفضل الناس في عصره. من غير المنصف اعتباره ملاكما فقط".
ومازالت ردود الفعل حول العالم تعزي برحيل رياضي القرن، البطل الأعظم في رياضة الملاكمة، محمد علي كلاي.