الوقت - قائد ايران, رجل المناقب الاستثنائية الذي قال فيه الخصم والصديق, صفات عديدة ليست أكثرها الحكمة والدراية والاطلاع, قلما توجه عبر رسائل مباشرة كالرسالة الأخيرة التي وجهها الى الشباب الغربي عموما.
أخيرا, كتب قلم مرشد ايران, حروف رسالته على ورق توجه بها هذه المرة الى الشباب الغربي.
رسالة أشارت الأرقام مؤخراً ان عدد قارئيها بلغ ما يقارب 45 مليونا ونصف المليون خلال فترة 48 ساعة من صدورها, يتوزعون حول العالم.
فما هي دلالات المضمون وما يحمله التوقيت الذي جاءت فيه الرسالة؟؟
في التوقيت:
لا يخفى على أحد أن موجة ضخمة من العمليات الارهابية تقودها التيارات التكفيرية حول العالم, تضرب بوجه خاص مناطق الشرق الاوسط ومؤخرا أوروبا, وتحمل في طياتها دلالات ومؤشرات خطيره جدا.
حملات اعلامية كبيرة جدا وناشطة تقوم فيها هذه التيارات تحمل في عمقها اسئلة واستفهامات حول من يقف خلفها حقيقة هل هي داعش فعلا, أم أن في القضية ما يكبر الوكيل ويذهب الى ابعد منه الى أصيل متستر أخبث من داعش الأداة!
العمل الاعلامي لداعش "التيار الاسلامي الحضاري الجديد" يفوق حتى حدود ما يجري على ارض الواقع, حيث يبذل التيار جهده وابداعه في ايصال صورة ذبح الاسير واعدامه ويقوم بواجب الدعوة والتبيلغ للاستقطاب, عبر مشاهد جذابة تترك في عقل المشاهد الف رغبة للتعرف على هذا الفكرالجهادي الاسلامي!!
يتناغم الاعلام الغربي الذي يدين حركات المقاومة وتيارات الاسلام الحضاري الاصيلة سنية كانت او شيعية, ويسوق في المقابل بتعمد ملحوظ لأفعال داعش والتكفير ويقرن هذه الاحداث بكلمة اسلام والجهاد والجهاديين.
وكأنه لم يعد في العالم من اسلام له تاريخ الا حين ولدت داعش. فلم يعد يحتل الشاشة والحدث الا مشاهد الرهائن والاعدامات وقطع الرؤوس من قبل "المسلمين الجهاديين".. في أسوء رسالة اعلامية لا تلتزم مبادئ عمل الاعلام والصحافة والمهنية أبدا, بل تدعي الموضوعية ظاهرا وتمارس التشويه والتآمر لنشر صورة عن اسلام ارهابي يتم التسويق له, يقدم للرأي العام الغربي بصورة الاسلام الحقيقي.
مضافا الى ذلك كله, القيام بل الاصرار على نشر رسوم مسيئة للرسول (ص) واعمال حرق للقرآن الكريم واعتداءات تمس صلب معتقدات المسلمين, يقابله التشدد في وجه ما يسمى "معاداة السامية". ليوحي هذا بأن هناك طرفا عابثا بخبث وتعمد, يجر المسلمين ويستفز عصبيتهم للخروج من صورة التعايش السلمي القديم مع المجتمع الغربي, والترويج بأن الغرب يسكت عن مظلوميات المسلمين ويهتك مقدساتهم مقابل احترام السامية واليهود!!
ويكمل المشهد الاعلامي, اعتداءات مشبوهة على المسلمين لاستنفارهم واثارة الحقد والتحامل في نفوسهم كما يحصل في السويد وفرنسا, للرد على حملات وفتوحات يقودها "المسلمون" عبر تفجيرات وعمليات مسلحة في اوروبا وبلدان يثير استهدافها الشك الكبير.
داعش التيار الواعد الاسلامي, عبرعمليات ارهابية تحت الطلب, استهدف مؤخرا بتركيز المجتمع الاوروبي. فلم يعجب التيار الاسلامي الجديد ارتفاع نسبة اعتناق الاسلام من قبل الاوروبيين لترتفع نسبة المسلمين في اوروبا منذ العام 2000 من 10 % الى 25 % من نسبة عموم الشعب الاوروبي, ولم يرق له اعتراف بعض الدول المستهدفة بالدولة الفلسطينية, حيث بات شعبها يميل الى اعتبار اسرائيل مصدر عنف وارهاب ظهرت مؤشرات من خلال التعاطف الملفت الذي ابدته شعوبها مع الشعب الفلسطيني في الحرب الاخيرة على غزة.
ولم يكتف الاسلام الجديد الذي يتم تسويقه ليغطي صورة اسلام نوراني ناصع متين بفكره ومنطقه, يهابه من يمسك بمفاصل الحكم والفكر في الغرب, لأنهم يدركون عمق واصالة هذا الفكر الاسلامي الذي سيملأ فراغ ساحاتهم ان ترك له ان يتمدد بصورته الراقية .. فأرادوا ان يلاقوا عليه وفق سياسة عبر عنها رئيس جهاز الاستخبارت الامريكية سابقا “جيمس وولسي في عام 2006 حين قال: "سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا .." فكان ما يناسبهم .. داعش على شاشات اعلام الغرب!!
وتأتي الاحداث صدفة فيها كل الشك, فتقوم داعش باقران عملياتها التي تريد فيها الثأر للدين بعمليات موازية على اليهود لكن في فرنسا ليس فلسطين!! ليواكب زعماء اسرائيل الحملة والاحداث بكل استعداد ونشاط ويعلنون ان اسرائيل دولة امنة لليهود لتشجيع الهجرة الى اسرائيل من اوروبا واستقطابهم واظهار الوحش المسلم الذي يجمع في تهديداته الشعب الاوروبي واليهودي ضحايا الارهاب الاسلامي !!
وكأنه يراد لاوروبا أن تجاري تطرف اليهود في اسرائيل لتصبح ظاهرة التطرف ليست مختصة داخل المجتمع الاسرائيلي, فيكسب هذا اسرائيل امكانية استمرارية الدعم والتعاطف الاوروبي عبر بروز احزاب اليمين للتعاون مع اسرائيل امنيا وعسکريا لمواجة التطرف الاسلامي وارهاب المسلمين ويفتح الباب على صراعات دينية مقبلة في اوروبا ستعرض الاسلام والمسلمين للخطر وتهدد وجودهم ومصالحهم, وسط العرض الاسرائيلي الامني "الشريف" لدعم اوروبا ومساعدتها على مواجهة خطر المسلمين ......!!!
كل هذا ضمن التوقيت, لرسالة يجب أن تقرأ, مفادها توعية المجتمع الشبابي الغربي المستهدف الذي يراد له ان يشكل صورة معادية عن الاسلام, صورة لا تفرق بين مسلم وتكفيري, بين متنور ومناضل عن حق وقاطع رؤوس وانتحاري, في تضليل تلعب فيه داعش الخادم المخلص والمؤدي الأمين لدور العميل الاستراتيجي بامتياز ..
في المضمون:
مضمون الرسالة, لم يأت ليدافع أو يعرض احداثا ويعلق على سياقها وخلفياتها, بل أتت رسالة مباشرة تلقي الحجة وتفتح افقا نيرا بعيدا عن التشويه والتأثير, للشباب الغربي, تسمح لهم وتحثهم على فهم حقيقة الاسلام الذي يصور لهم بشكل مشوه, ويوجههم للتعرف على الاسلام من تلقاء انفسهم عبر منابع معرفية متاحة لهم بعيدا عما تحدده رسائل الاعلام المشوهة وتغطيتها المجتزأة, ويدعوهم لمحاكمة ما يجري حول العالم بعد التعرف على الدين الاسلامي بمفاهيمه الحقيقية, فحينها يمكنهم تحديد ابعاد وخلفيات المشهد بدقة ووضوح ..
هي دعوة موفقة من قائد الثورة التي فاقت حدود كل الثقافات وحاكت حدود الجهاد لدفع المظالم وتحصيل الحقوق بكل دقة وصدق, فبات قتالها مدرسة وباتت ثقافتها مكمن جذب وجمع بين السنة والشيعة وبين الاسلام والأديان الاخرى التي تعيش في داخل حدود ايران برقي وأمان.
فبات فكرها يرعب ساسة الغرب المنتفعين الذين يعتاشون ويحكمون بالفتن ولا يشعرون بأمانهم الا حين يكون العالم غارقا في اقتتال يشغله عن ممارساتهم واوساخهم التي يريدون من خلاله أن يتحكموا بالبشر والحجر ويبررون فيها منطقا يحملونه ان كل منفعة هي حق لهم وأن الغاية تبرر الوسيلة فلا يرتدعون ...
فأتت الرسالة ليست ابدا كما فهمها البعض بأنها دعوة لدخول الاسلام الصحيح وتعميم صورة التشيع, بل لتوقظ من يسعى الى الحقيقة بصدق, وتلقي الحجة عليه, وتفتح له طاقة من المعارف يستطيع فيها ان يحكم على ما يجري دون تشويش وتضليل من احد, فكانت محاولة صادقة لقطع الطريق أمام تضليل ومؤامرة كبيرة جدا يراد عبرها من الشباب الغربي أن يلعب دورا ويتموضع في مكان ليس له ويرتدي لباسا يخيطه لهم أمراء الحرب والارهاب التكفيريين والاسرائيليين!!!