الوقت- تدهور الحالة الصحیة للملك عبد الله الذي یعیش منذ عام 2012 حتى الآن في حالة طوارئ صحیة، أدی دوماً إلی إثارة قضیة الخلافة والآفاق المتعلقة بها سواء علی المستوی المحلي للمملكة العربية السعودية أو علی المستویین الإقليمي والدولي. وثمة أسئلة تطرح نفسها في هذا السیاق: في أي مسار ستستمر عملیة الخلافة؟ وما هي الوجهة التي ستسلکها مسیرة الإصلاحات الداخلية والتحديات الموجودة بعد الملك عبد الله؟ ثم ما هي التغییرات المحتملة التي ستشهدها السياسة الخارجية السعودية؟ والأجوبة المحتملة على هذه الأسئلة يمكن أن تجعل آفاق الخلافة في المملكة العربية السعودية أكثر ملموساً .
إن سنة الانتقال الأفقي للسلطة (من أخ لأخيه) في المملكة العربية السعودية خلافاً لغيرها من الأنظمة الملكیة والتي یتم فیها نقل السلطة بشکل عمودي (من الأب إلى الابن)، قد أدت بمختلف الأمراء أن یعتبر کل واحد منهم نفسه أحق من غیره في نیل مقام ولي العهد والملك. ورغم أن آليات مثل ميثاق عبدالعزيز وهيئة البيعة قد عالجتا هذه المشکلة إلی حد کبیر، إلا أن هذه القضیة لا تزال تختزن في نفسها المنافسة المحتملة .
وفي الوقت الحاضر یمکن لتعیین منصب "ولي ولیعهد" تحديد خط مستقبل الخلافة إلی حد كبير. وعلى افتراض أنه إذا أصبح سلمان (ولي العهد الحالي) ملكاً، والمقرن (ولي ولي العهد الحالي) ولياً للعهد، ففي حینها إن اختیار شخص لمنصب "ولي ولیعهد" له بالغ الأهمیة. وإذا قرر سلمان أن یختار شخصاً من بقیة إخوته مثل أحمد وعبدالرحمن وعبیدالله لهذا المنصب بدل اختیار أحفاد مثل محمد بن نایف ومتعب بن عبدالله، فإن اختلافات كبيرة ستحدث في هذا المسار .
ولهذه القضیة أهمیة على الصعيدين المحلي والإصلاحات الداخلية أیضاً. فبما أن الملك عبد الله كان في السلطة منذ عام 1995، فقد نفّذ إجراءات إصلاحیة في الداخل وأظهر نفسه قائداً یقیم التوازن بین الاتجاهات المتضاربة لليبراليين والتقليديين . فهل لدی سلمان وحلفائه المحتملين هذه القدرة أیضاً أم لا؟ إنه سؤال هام في مسیر الإصلاحات في المملكة العربية السعودية .
ومن جملة القضايا الداخلية الأكثر أهمية في المملكة العربية السعودية هي الاتجاهات الإصلاحیة المتنامية بين النساء والشبان، قضیة الأقلية الشيعية واتجاهات الأصوليين التقليديین-الليبراليین والإسلاميين الإخوانین، وکیفیة المواجهة الصعبة المحتملة معها ستكون مؤشراً جيداً علی جزء کبیر من مسیر الإصلاحات الصعب .
والسؤال الثالث والأخير هو السياسة الخارجية السعودية وإمكانية تغييرها أو استمرارها، حیث یبدو أن عقلية صناع القرار الجدد والتطورات التي تجري في المحیط الإقلیمي، قضیتان في غایة الأهمیة في أي نوع من التغيير أو الاستمرار. ومن غير المرجح أن تتصرف السياسة الخارجية السعودية بشكل مختلف عن الخطوط التي کانت علیها من قبل، وتقرّر السیر في میدان آخر. وفي الواقع إن حدوث التطورات المحيطة هو الذي یمکن أن یستتبع تغييرات في بعض المجالات . کما أن العقلية التفاعلية أو التصادمیة لخلفاء عبدالله، والتغييرات المحتملة في بعض المدراء على المستوى الكلي والوسطي في الوزارة الخارجية والأجهزة الاستخباراتیة والأمنیة، ستشکل نقطة هامة جداً لتصوّر القادة السعوديين لطبيعة التغيير في هذا المجال .
وفي استنتاج عام یجب القول إنه على الرغم من أن المملكة العربية السعودية بعد الملك عبد الله، توجّه العقلیات نحو التغيير في الأبعاد المحلية والإقليمية، إلا أن أي تغيير في هذا السبيل، یعتمد بشکل أساسي على عقلیة صناع القرار الجدد وحدوث التحولات الداخلیة والإقليمية، الأمر الذي سیوفّر إمکانیة فهم عمليات التغيير والاستمرار.