الوقت - دفع الكشف عن وثائق التورط في أحداث 11 من سبتمبر عام 2001، السعودية لتهدد أمريكا بسحب "رشوة" قدمت لأمريكا إزاء التعتيم على هذه الجريمة ووثائقها. والحقيقة أن أحداث 11 من سبتمبر في نيويورك والتي إستهدفت برجي التجارة العالميين، أثارت موجة الإستياء والكراهية من منفذيها الإرهابيين، في أنحاء العالم وخاصة أمريكا، وأصدرت لجنة التحقيق حول هذه الأحداث تقريرا شاملا عام 2004 لكنها فرضت سرية تامة على 28 صفحة منها وكان يشير تصرف الرئيس الأمريكي وقتها "جورج بوش" مع الملك السعودي والذي وصل إلى حد القطيعة في الإتصالات بينهما فضلا عن إصرار النخب والمسؤولين الأمريكيين على مهاجمة الرياض أو تفكيك ملكها، كان يدل بوضوح على أن السعودية تقف وراء هذه الجريمة ولم يكن حمل 19 شخصا ممن نفذوا الهجمات الجنسية السعودية والتمويل ودعم الدبلوماسيين السعوديين للإرهابيين إلا دليل واضح على المشاركة السعودية في تلك الأحداث.
لكن السعودية فتحت صفحة جديدة في علاقاتها مع أمريكا عبر زيارة قام بها الملك السعودي إلى واشنطن والعجب كل العجب أن هذا التطور حدث في ظل المزاعم الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب في أنحاء العالم والتي راحت ضحيتها مئات الآلاف والجرحى في أفغانستان والعراق وتم إنتهاك القوانين المدنية والقانون الإنساني.
ودخل القادة الأمريكيون في صفقة مربحة وكبيرة مع السعوديين بينما كان العالم يدفع ثمن السياسات الأمريكية العنيفة وتدفقت مئات المليارات من إحتياطيات السعودية والقطر والإمارات نحو المصارف الأمريكية وتم تجميدها.
وأكد "هنري كيسينجر" آنذاك أن الأموال الهائلة للبلدان المصدرة للنفط والتي يمكن أن تكون خطرا على الآخرين بسبب السياسات الصبيانية من جانب مسؤولي هذه الدول، يجب إستثمارها في سبيل دعم السياسات الأمريكية علما أن هذا التطور حدث متزامنا مع ظهور بوادر الأزمة المالية في أمريكا وأنعشت الدولارات السعودية بقيمة 750 مليار دولار المصارف الأمريكية وإقتصادها وخففت من وطأة الأزمة المالية والإقتصادية في هذا البلد.
وقام الأمريكيون بعد تلقي الرشوة الكبيرة هذه والتي كانت تعتبر ثمنا للصمت إزاء حقيقة تورط السعودية في أحداث 11 من سبتمبر، بالدفاع عن الرياض ولم يزل يواصلون هذه السياسة إزاء الحكم الإستبدادي لهؤلاء الطغاة والقادة الآخرين من أمثالهم في البلدان الخليجية.
ولم يكن من المقرر الكشف عن هذا الإتفاق السري، لكن دفعت محاولات عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي لإصدار القسم السري لتقرير لجنة التحقيق عن أحداث 11 من سبتمبر عام 2011، وزير الخارجية السعودي أن يهدد أثناء زيارة قام بها إلى أمريكا بسحب الإستثمارات الحيوية من الإقتصاد الأمريكي حال إلصاق التهم إلى بلاده في قضية أحداث 11 سبتمبر. ليس مهماً أن السعودية تستطيع تنفيذ تهديداتها أم أنها تمتلك آلياتها الإدارية والمالية، بل الشيء المهم في هذا المجال هو الخطر الذي يهدد مصداقية أمريكا وإمكانية الكشف عن خداعها وأنه كيف يمكن لبلد يزعم الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية ومكافحة الإرهاب وتبييض الأموال وآلاف الأوصاف الكاذبة الأخرى أن يضع كل شيء في قائمة صفقاته ويكذب على العالم.
وبينما دفع العالم بأسره ثمن العنف المصنوع، وضعت أمريكا، بدءا من حكومة بوش ومرورا بالبيت الأبيض الذي كان يحكمه آنذاك الجمهوريون وإنتهاءا إلى يومنا هذا حيث يسيطر الديموقراطيون على مقاليد الحكم فيه، أيديها في أيدي ملوك السعودية الذين احسنت صحيفة "تايمز نيوز" في التعبير عنهم بـ"الحثالة الملوكية" وفرضت التعتيم علي جريمة القرن إزاء حصولها على ثمن الصمت بقيمة مئات المليارات وعاقبوا في المقابل البلدان الأخرى.
ويشير هذا التقرير بغض النظر عن نشره أو التكتم عليه، أن الجهاز القضائي في أمريكا سياسي بإمتياز وكم يحصل على الرشاوى ويشارك في ملفات الفساد؛ حيث يقوم بتبرئة السعودية ويحكم على إيران بدفع غرامة 11 مليارا في محاولة منه لمصادرة أموال إيران المجمدة.
وتشير هذه القضية إلى أن صفقة دفع ثمن الصمت تشمل فضلا عن هذه الرشوة الضخمة، قيام الأيادي الإرهابية السعودية بخدمة السياسات الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط وإبادتها فضلا عن غربي آسيا وشمال إفريقيا طيلة السنوات الخمس الماضية.
ومن جهة أخرى، يدل الأمر على أن المزاعم الأمريكية في مجال دعم الديموقراطية وحقوق الإنسان ليست إلا أكذوبة كبيرة وأن المنظمات الدولية أصبحت أداة بيد واشنطن وسياساتها التي تستخدمها غطاءا على الإجراءات المعادية للبشر.
ولايختلف الأمر بالنسبة لحزبي الديموقراطي والجمهوري؛ حيث يقوم كلاهما بمناورات إنتخابية فاسدة مماثلة ويصمتان على الجريمة الكبرى إزاء حصول كل منهما على مصالحه في هذه الصفقة السرية.
وربما يكون فساد الأجهزة السياسية والحزبية في أمريكا وإجراءاتها المعادية للبشرية والخادعة، قضية تتعلق بالشؤون الداخلية الأمريكية، لكنها تشير في نفس الوقت إلى الجهل العميق والخيانة الكبيرة لمن يضع البيت الأبيض وأمريكا والغرب قبلة لآمالهم وراهنوا عليهم في الشؤون الدينية والدنيوية.