الوقت- بعد استهدافهم بإجراءات تعسفية قامت السلطاتالسعودية بترحيل المئات من العمال اليمنيين الى بلادهم. وقالت مصادر اعلامية مؤكدة إن نحو (260) شخص وصلوا الى مطار صنعاء الدولي نهاية الأسبوع الماضي بعد ترحيهلم من السعودية.
وعبر المرحلون عن معاناتهم داخل السعودية وطالبوا الحكومة اليمنية بالقيام بواجبها والتدخل لوقف هذه الممارسات اللاانسانية التي تمثل انتهاكا للاتفاقيات المبرمة بين البلدين الجارين، ومنها اتفاقية الطائف التي تنص على توفير العمالة لليمنيين خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة جداً التي تمر بها بلادهم، ما قد يتسبب في خلق مزيد من الأزمات السياسية والاجتماعية والإنسانية ومضاعفة أعداد البطالة، وهذا بدوره قد يخلق بيئة ملائمة للجماعات المتطرفة لاستقطاب المرحلين الواقعين تحت ضغط الحاجة بعد أن وقفت السلطات اليمنية موقف المتفرج تجاه مشكلتهم، وهذا الأمر سيؤثر بالتالي في تهديد أمن واستقرار البلاد والمنطقة بأسرها.
وتحدث المرحلون عن المعاناة والتعذيب وامتهان الكرامة التي طالتهم في السعودية، حتى وان كانوا من المقيمين بشكل قانوني . وقال عدد من هؤلاء المرحلين: " هناك عمال يمنيين مساجين في السعودية ومنهم من يتعرض للجلد والتعذيب، والسفارة اليمنية في الرياض لا تحرك ساكناً". وقال آخرون "إن اليمنيين يتم معاملتهم في السجون السعودية كالحيوانات ويتعرضون لكلام مسيء، وهناك ترحيل عشوائي ومعاناة ".
كما عبر المرحلون عن استيائهم وغضبهم لهذه الممارسات وطالبوا الحكومة اليمنية بتحمل مسؤولياتها في الدفاع عن حقوقهم واصفين ترحيلهم من قبل السعودية بأنه إنتهاك لحق الجار. . .
وتتهم منظمة هيومن رايتس ووتش السلطات السعودية بتصوير العمال الاجانب لديها على أنهم مجرمون لتبرير حملتها ضدهم، مطالبة بفتح تحقيق بالاعتداءات ومحاكمة المسؤولين، فيما تظهر فيديوهات مسجلة المعاملة السيئة لقوات الامن السعودية للعمال الاجانب الذين لا يبقيهم في المملكة الا شظف العيش والبحث عما يسد رمقهم ورمق عوائلهم لاسيما وأن الكثير منهم يعيلون أعداداً كبيرة من الأسر ما ينذر بتوسع رقعة الفقر وحدّته إن لم يحصل هؤلاء على فرص عمل لإعالتهم وأسرهم .
وتشير هيومن رايتس في تقاريرها الى ان السعودية تحتجز آلاف العمال الأجانب في مراكز اقيمت كيفما اتفق، دون طعام او عناية طبية، ما قد يؤدي الى كارثة انسانية، مطالبة باطلاق سراحهم فوراً.
وتؤكد المنظمة أن الكثير من العمال الأجانب في السعودية يتعرضون لمضايقات وتحرشات واستغلال، وهو ما ينحدر بهم في بعض الأحيان إلى مستوى يشبه العبودية .
ويرجح مراقبون ارتفاع عدد العمال المرحلين من السعودية جراء الممارسات اللإنسانية التي تنتهجها وزارة الداخلية في هذا البلد.
وفي اوقات سابقة رحلت سلطات الرياض آلاف العمال الأجانب من أراضيها أكثرهم من الهنود والباكستانيين والمصريين والإثيوبيين والتشاديين والصوماليين.
و غادر حوالى مليون عامل اجنبي السعودية العام الماضي غالبيتهم العظمى كانت تعمل في وظائف برواتب متدنية للغاية لا يقبلها السعوديون على الرغم من انهم دفعوا مبالغ طائلة لشراء فيزا الدخول والإقامة في المملكة.
وقالت منظمة العمل الدولية في وقت سابق إن اليمن طلب منها مساعدة اكثر من 200 الف عامل يمني رحلوا من السعودية خلال الأشهر الماضية. وحذرت المنظمة من أن المزيد من العمال اليمنيين قد يغادرون السعودية في الأشهر القادمة. وأشارت إلى أن الكثير من هؤلاء عاشوا في السعودية لعقدين أو ثلاثة عقود .
وقوبلت الإجراءات التي يقوم بهارجال الامن السعوديون بحق العمال الأجانب ومن بينها تمزيق الاقامات وفيزا الدخول بطريقة مستفزة؛ بغضب كبير من قبل هؤلاء الذين تحدثوا الى وسائل الاعلام بعد ترحيلهم، واصفين هذه الممارسات بأنها وصمة عار في جبين السعودية لن تزول أبدا .
وقال مدونون عبر الانترنت ان العمال الاجانب ولاسيما اليمنيين هم من أسهم في استقرار الوضع الاقتصادي في المملكة منذ حكم عبد العزيز وسعود بن عبدالعزيز، واصفين القرار السعودي بترحيلهم بالتعسفي.
وساهمت الأيدي العاملة اليمنية، في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، في حركة العمران والبناء والتشييد في السعودية. وكان اليمنيون جزءاً من النشاط التجاري المحرك لأسواقها المحلية في تلك الفترة.
وإثر حملة الترحيل التي تشنها السلطات السعودية ضد العمال الأجانب أصيبت قطاعات تجارية هامة في البلد بالشلل حسبما أكد رجال أعمال سعوديين.
وخلال السنوات الأخيرة عملت الحكومة السعودية على تطبيق ما يسمى بسياسة "سعودة" القوى العاملة، وذلك بتحديد سقف العمالة الوافدة الى المملكة. وفرضت غرامات على الشركات التي تعين عدداً من الوافدين أكبر من السعوديين .
ولكن في الحقيقة هناك دوافع سياسية وراء هذا الأمر مرتبطة بالعلاقات اليمنية السعودية. حيث يتحدث كثير من المراقبين عن وجود أزمة صامتة بين البلدين، في ظل خلافات حول عدد من الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية. رغم محاولات السلطات اليمنية مداراة الجانب السعودي، والغض عما يتعرض له العمال اليمنيون في المملكة .
وفي مقدمة القضايا الخلافية بين البلدين يبرز ملفا التنقيب عن النفط في محافظة الجوف الحدودية، والسياج الذي بنته السعودية على طول الحدود بين البلدين للحيلولة دون دخول اليمنيين إلى المملكة. وهذا ما يعتبره البعض من أهم أسباب تشديد الحملات التي تمارسها السلطات السعودية ضد اليمنيين، مقارنة بغيرهم من العمالة الأجنبية .
وثمة إجماع بين المراقبين والمحللين السياسيين على سلبية موقف الحكومة اليمنية، وعجزها وفشلها في معالجة قضية العمال المرحلين من قبل السعودية الذين أصيبوا بالإحباط بسبب عدم اتخاذ أي تدابير للدفاع عن مظلوميتهم. بل إتهم بعضهم مسؤولين في الحكومتين اليمنية والسعودية بمحاولة استغلال هذه المأساة الانسانية والتلاعب بمصير المرحلين لتحقيق أهداف شخصية سياسية وإقتصادية، مطالبين بإيقاف هذه المهزلة وتحويل هؤلاء المسؤولين للمحاكمة بتهمة الفساد وتمرير صفقات مشبوهة على حساب المرحلين .
ولكن هذه الدعوات تبقى في الحقيقة غير كافية، فهي ليست سوى مناشدات إعلامية، أما الخطوات الإجرائية فهي ترقيعية وغير مجدية، وتدل على غياب إستراتيجية متكاملة لمواجهة الأزمة .