الوقت - "إن عمليات فرنسا هي رسالة لكل دولة من دول التحالف التي شاركت بقصف وقتل العشرات من تنظيم داعش في الموصل، بدأنا انطلاقنا بعمليتنا التي نتبناها من فرنسا اليوم وغدا لبريطانيا وأمريكا وغيرها وسيكون ردنا الحاسم ليعتبر هؤلاء في التحالف أن داعش هي التي ستحرر كل بلاد الفساد والكفر ”. هكذا وصف مسؤول “أئمة وخطباء” تنظيم “داعش” بأحد مساجد الموصل الإرهابي أبو سعد الأنصاري خلال خطبة صلاة الجمعة التفجير الأخير في فرنسا، مما يطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل الأمن الأوروبي، وما الاجتماع العاجل الذي دعت إليه فرنسا غداً الأحد، إلى جانب وزراء الداخلية في الدول الأوروبية والولايات المتحدة ومنسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي والمفوض الأوروبي للشؤون الداخلية، عن هذا ببعيد.
تشير عملية شارلي ايبدو الى أن موجة الارهاب ارتدت على داعميها، فاليوم إنقلبت الصورة رأسا على عقب فبعد تسهيل حكومات الدول الأوروبية سفر مقاتلين من حملة جنسياتها إلى سورية للقتال ضد الشعبين السوري والعراقي، ثار الكثير من القلق والخوف صفوف هذه الحكومات من عمليات إرهابية قد ينفذها هؤلاء بعد عودتهم إلى بلادهم، لعلهم نسوا القاعدة الجنائية التي تقول "المجرم لا بد أن يعود لمكان الجريمة، لارتكاب جريمة ثانية " .
داعش والدعم الأوروبي
لم يقتصر تأثير تنظيم داعش الارهابي على المنطقة العربية فحسب، بل امتد تأثير التنظيم إلى كثير من الدول الأوروبية والغربية ليحصد التنظيم هوس وإعجاب وتأييد ودعم آلاف من الأوروبيين والغربيين الرجال الذين هاجروا من بلادهم إلى العراق وسوريا للمشاركة في القتال المسلح مع التنظيم الارهابي.
بعدما غزت الأسواق الأوروبية والغربية ملابس ومتعلقات شخصية تحمل صور قادة تنظيم داعش والمقاتلين التابعين له وشعار التنظيم نفسه، انتشرت ظاهرة تنظيم المظاهرات الحاشدة الداعمة والمؤيدة للتنظيم في عدد كبير من العواصم الأوروبية، أبرزها كانت المظاهرات في لندن وبرلين وروما وستوكهولم وجنيف، حيث طالب المشاركون في هذه المظاهرات حكومات بلادهم بالسماح لهم بالسفر إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم داعش والجهاد في صفوفه، حاملين رايات وأعلام التنظيم السوداء خلال هذه المظاهرات .
الحكومات الأوروبية التي رأت في سفر المقاتلين "مصلحة آنية فضلاً عن التسليح الأوروبي للتيارات التكفيرية، غاب عنها التجارب الماضية التي تؤكد أن المقاتلين العائدين اليها من أفغانستان والعراق، شكلوا خطراً على أمن بلادهم وتورطوا في العديد من قضايا الارهاب.
أصدقاء الأمس أعداء اليوم
الوئام بين الطرفين لم يدم طويلاً، فبعدما سطع نجم التنطيم الارهابي منتصف العام 2013، وارتكب جرائم ضد الانسانية، فضلاً عن نشره خارطة جديدة تعبر عن طموح التنظيم في احتلاله لعدد من الدول العربية مثل مصر ودول المغرب العربي ثم غزو دول في أوروبا مثل دول البلقان وبلغاريا ورومانيا والنمسا، وخصوصًا إسبانيا التي كانت تخص المسلمين في الماضي عندما كانت الأندلس، برزت لدى الحكومات الأوروبية مخاوف عدة أبرزها عودة المقاتلين الى بلادهم، مما جعل القارة العجوز بين مطرقة المواجهة وسندان الصمت، فهل تواجه داعش عبر التحالف الدولي وبالتالي يرتفع نصيبها من الهجمات الارهابية، أم تقف مكتوفة الأيدي أمام تنظيم يهدد العمق الأوروبي؟
تتمثل مخاوف الحكومات الأوروبية من الانخراط في حملة "القضاء" على "داعش"، على حد تعبير الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في عودة "المجاهدين" الأوروبيين إلى دولهم الأصلية وانتشار الإرهاب والتطرف فيها، وهو الخطر الأكبر الذي تواجهه أوروبا اليوم .
وهناك مخاوف أيضًا من انتشار أنماط إرهابية شبيهة لـ"داعش" في هذه الدول، بحيث يتعدى الأمر ممارسة أعمال العنف العشوائية، فعلى سبيل المثال، انتشر فيديو لمجموعة إرهابية ألمانية تهدد بشن تفجيرات في دول أوروبية عديدة، كما ظهر ما يسمى بشرطة "الشريعة" في ألمانيا، والتي باتت تجذب الشباب.
وتكمن المشكلة الرئيسية في أن عدد "المجاهدين" الأوروبيين في حال عودتهم لدولهم الأصلية، لن يساعد فقط على نشر أفكارهم الجهادية، بل يمكن أن يؤدي إلى تسريع ظهور خلايا إرهابية في مختلف الدول الأوروبية، ويختلف "داعش" عن باقي التنظيمات الإرهابية، في أن لديه استراتيجية عسكرية مكونة من أموال وأسلحة وقوة بشرية، وقدرة على جذب المقاتلين الأجانب، سواء من غرب أوروبا أو من منطقة الشرق الأوسط أو من المغرب العربي .
في هذا السياق قال وزير الداخلية الإسباني، خورخي فرنانديث دياث، أمس الجمعة،"إن حوالي 600 شخص عادوا الى أوروبا بعد مشاركتهم في القتال في مناطق النزاع مثل سوريا والعراق".
وأوضح “فرنانديث دياث”، في تصريح للقناة التلفزيونية المحلية (تيليسينكو)، أن من بين ثلاثة آلاف شخص التحقوا بمناطق النزاع، بما في ذلك العراق وسوريا للانضمام إلى صفوف الجماعات الإرهابية، عاد نحو 600 إلى أوروبا .
وحذر فرنانديث دياث، في هذا الصدد، من الخطر الذي يشكله “المئات من العائدين ” الذين يتواجدون الآن في أوروبا، والذين يمكن أن “يقوموا بأعمال في جميع الأوقات كفاعلين منعزلين أو كأعضاء في جماعات أو خلايا منظمة”. ووفقا للمسؤول الإسباني فإن 80 في بالمائة من الأوروبيين، الذين انضموا إلى صفوف الجماعات الإرهابية، حاربوا الى جانب تنظيم “الدولة الإسلامية”، بينما اختار 20 في المائة منهم مختلف الفروع المحلية لتنظيم “القاعدة ”.
مؤتمر مكافحة الارهاب..غداً
ما حصل في فرنسا يذكرنا بتحذيرات سابقة للرئيس السوري بشار الاسد حيث قال: اذا قام الاوروبيون بارسال اسلحة، فان العمق الاوروبي سيصبح أرضا للارهاب وستدفع اوروبا ثمن ذلك، لأن الارهابيين سيعودون مع خبرة قتالية وايديولوجية متطرفة"، لذلك ورداً على الهجوم الأخير تحتضن العاصمة الفرنسية يوم غد الأحد، مؤتمرا دوليا حول محاربة الإرهاب، يحضره وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ويهدف المؤتمر وفق وزير الداخلية الفرنسي إلى إبراز التضامن مع فرنسا ورفض الإرهاب، وبحث سبل التصدي لهذه الظاهرة في إطار أوروبي جماعي.
في الخلاصة، أساء الغرب التقدير عندما سمح للشباب الاوروبي بالانخراط في صفوف التنظيمات الارهابية والقتال في سوريا والعراق، وارتكب خطاء فادحاً عندما زود "داعش" وأخواتها بالأموال والسلاح، ولعل مؤتمر الغد يكون مثمراً اذا ما وضع الأوربيون مشرع اسقاط الرئيس الأسد جانباً وطرحوا مشروع تعاون مع الجيش السوري والحكومة العراقية للقضاء على التنظيم الارهابي، ففرنسا أول الغيث والآتي أعظم.