الوقت- تبدل المشهد الإقليمي و تسارع الحركة الدبلوماسية للسعودية التي طالما كانت ثقيلة الالتفاف و الحركة في الملفات الاقليمية عامة، اضافة لتسارع الأحداث في المنطقة و الحديث عن اقتراب زمن التسويات و الحلول الدائمة للمرحلة المقبلة، و آخر التطورات في العلاقة المصرية السعودية، كل هذه المواضيع و غيرها كانت محور حوارنا مع رئيس مركز الشرق الجديد للدراسات الإستراتيجية الاستاذ "غالب قنديل" و الذي جاء فيه:
الوقت: العاهل الاردني تحدّث الى اعضاء الكونغرس الامريكي قبل شهرين عن حرب عالمية ثالثة في طريقها الى المنطقة، ففسر البعض أن الحراك السعودي الأخير هو تحضيراً لهكذا حرب خصوصاُ أن هناك توتر في المنطقة و تنامي للقدرة و النفوذ الايراني و هو ما يعتبره السعودي تهديداً، ما رأيكم؟
قنديل: "هذا مجرد هراء، الكل في المنطقة يعرف أن الحرب العالمية الثالثة لن تقع بسبب الرعب النووي في العالم و هذا أمر محسوم، و الكل يعلم أن تبعات مثل هذه المغامرة ستكون مدمرة لجميع الأطراف، إن كان المقصود شن الحرب على روسيا و الصين و ايران، فهذا معناه مغامرة محكومة بكارثة كبرى كنتيجة محققة لها، و الحرب على ايران هو خيار اختبرته أمريكا قبل الذهاب الى الاتفاق الذي سلمت به دول الغرب مجتمعة و ليس أمريكا وحدها أي بحقوق ايران النووية السلمية، و ما يقلق السعوديين هو هذا التسليم بالحقوق الايرانية و الدور الايراني المتعاظم، لذا فمحاولة دفع أمريكا للحرب كانت مضمون جهد سعودي صهيوني مشترك، و قرر "باراك أوباما" في 2013 العودة عن تهديده بضرب سوريا و الذهاب الى التفاوض مع ايران حول حقوقها النووية، و هذا يجسد عصارة الحسابات التي أجرتها المؤسسة الأمريكية بجناحيها السياسي و العسكري و خلصت فيها الى ضرورة التكيّف مع الوقائع الجديدة بدل من مغامرة عسكرية مجنونة."
الوقت: أما في الشأن المصري هل تعتقدون أن المال هو سبب كل هذه الانحناءة المصرية أمام السعودية؟ أم أن هناك أسباب أخرى؟ و هل يستغل السعودي الانكسار و العجز المصري الاقتصادي؟ و أين المصريون كشعب من ذلك؟
قنديل: "نعم بدون شك إن القيادة المصرية منذ انتخاب الرئيس "السيسي" كرئيساً اتبع سياسة مسايرة للولايات المتحدة وللقيادة السعودية، و هي تُبرر في الكواليس مواقفها بالاضطرار المالي و الاقتصادي لطلب المعونات و المساعدات، طبعاً هناك أزمة حقيقة في مصر على الصعيد الاقتصادي و هناك حالة خراب على صعيد انتاج الثروة داخل مصر، و هذا هو من أسباب معضلات كبرى تعصف بالمجتمع المصري أبرزها البطالة على نطاق واسع و أمور المداخيل و العجز الذي تواجهه السلطة، و لكن المسألة ناتجة عن طبيعة خيار السلطة فالقيادة المصرية لم تطرح أي توجه لتجديد موارد السلطة و احداث أي تغيير في السياسات الاقتصادية و التمرد على مشيئة البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و مبدأ التسول المالي من الخارج، لأن هذا المبدأ له حدود، اليوم الاتفاقات التي عقدت بين السعودية و مصر هي أتت بكمية كبيرة من القروض و الديون التي أتت على الاقتصاد المصري كعبء ثقيل بالمليارات، و هذا ما سبب تأزم أكبر في الوضع الاقتصادي، و أدخل الاقتصاد المصري في لعبة لحس المبرد، أنا أعتقد أن القيادة المصرية لم تمتلك ما يكفي من الشجاعة لمواجهة التحدي و تطوير شراكات جديدة مع قوى الشرق الجديدة من روسيا و ايران، التي يمكن أن تمثل الحاضن الحقيقي لأي نهضة اقتصادية مصرية ولأي دور مصري متقدم في المنطقة مع ما يتناسب مع الحجم النوعي لمصر."
الوقت: هل حصول السعودية على الجزر المصرية هو بداية تبرير لعلاقة سعودية-صهيونية علنية باعتبار أن الجزر تقع ضمن المنطقة الجغرافية التي تشملها معاهدة كامب ديفيد بين مصر و الكيان الصهيوني؟
قنديل: "صرح الاسرائيليون علناً ان السعودية وافقت خطياً على الشروط المتضمنة في اتفاقية كامب ديفيد و التي تضمن مصالح اسرائيل الأمنية بالنسبة للجزيرتين، و بالتالي الأمر واضح لا يحتاج للكثير من التدقيق و التمحيص للاستدلال عليه، و العلاقة الاسرائيلة السعودية تقدمت كثيراً في السنوات الأخيرة، حتى لو لم تنتقل الى العلن."
الوقت: اذا هل يكون الحصول على الجزر هو لتبرير اعلان العلاقات باعتبار أن المجتمع الدولي سيجبر السعودية على الالتزام ببنود معاهدة كامب ديفيد؟
قنديل: "هذا ممكن و لكن من الواضح ان القيادة السعودية تعرف جيداً ما سيكلفها الافصاح عن علاقة مع اسرائيل، و نقل التمثيل السري الى مستويات معلنة و الى صعيد جديد من التعامل الاقتصادي و السياسي و الأمني، بين الكيان الصهيوني و السعودية، لذا هي تخشى الاعلان و تلجأ الى الدبلوماسية السرّية و الى العلاقات المخابراتية المكتومة التي تحدث بسرّية، هل يجرأون على الانتقال من كل ذلك الى منظومة علاقات علنية و مباشرة؟ هذا جائز و محتمل و لكن كلفته ستكون كبيرة و الدليل هو التحوط السعودي لابقاء تلك العلاقات قيد الكتمان."
الوقت: بالنسبة للسوال الأخیر، استاذ غالب هل كانت التحالفات التي تحاول السعودية القيام بها في المنطقة هي محاولة لاستبدال القومية العربية بقومية سنية في مقابل محور شيعي؟
قنديل: "أنا أعتقد ان هذا لا أساس واقعي له، لأن ما شهدناه من رفض شعبي لوصف حزب الله بالارهاب في مجلس الجامعة و مجلس التعاون الخليجي في العديد من الدول العربية يؤكد ان نبض العروبة لا يمكن وقفه او اخفاؤه من المشهد العربي، و يؤكد أن المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني و العدو التكفيري و الدور الطليعي الذي يقوم به حزب الله سيبقى رافعة للشعور القومي من المحيط الى الخليج، و لم تفلح المحاولات الرجعية بمصادرة هذه الهوية و الغائها و بناء هويات افتراضية مذهبية مكانها، و اكدت الأحداث الأخيرة أن النبض العربي قائم و مستمر و هو في طريق التراكم و النهوض مجدداً رغم كل ما جرى في السنوات الماضية."