الوقت - العلاقات الأمريكية الروسية جيدة هذه الأيام على ما يبدو، ولأنها كذلك انفرجت بعض الأزمات وفي مقدمتها سوريا، حيث ذهبت الحكومة والمعارضة الى التفاوض، وأيضاً ظهرت مؤشرات تسوية في اليمن، وظهرت نذر دولية في الحرب على داعش، وفي ليبيا قد توافق عليها موسكو هذه المرة، واذا استمرت العلاقات الجيدة قد تحل أزمات أخرى وربما يبدأ الأوروبيون برفع العقوبات عن روسيا التي فرضوها بسبب الأزمة في أوكرانيا. ولكن هل ظاهر الأمور بين موسكو وواشنطن يشير فعلاً الى حقيقتها؟
نعلم أن الرئيس فلادمير بوتين حين بدأ بتسلم مفاتيح القرار في بلاده، رفع شعارين كبيرين، أولهما أن عصر أحادية القرار الأمريكي قد انتهى، فلا بدّ لواشنطن أن تتعامل مع روسيا وغيرها كشركاء وليس كأتباع، وثانيهما لابدّ باعادة العمل بالقوانين والأخلاق الدولية وعدم اختراق سيادة الدول، وكررها بوتين أكثر من مرّة حينما كذب الأطلسي على روسيا في ليبيا وكذب عليها أيضا في يوغوسلافيا السابقة حينما اجتاح ودمر وقتل تحت شعار الانسانية.
لذلك فان بوتين الذي أعاد الكرامة الدولية لبلاده بامتياز وضع مع الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا مجموعة البريكس، ثم قوى دعائم منظمة شانغهاي ونسج علاقات دولية عربية مهمة في مقدمها مصر وسوريا والمغرب والعراق، ووصل به الأمر الى المطالبة بتغيير مجلس الأمن والبنك الدولي وايجاد عملة بديلة عن الدولار. فما هي نقاط التنافس والصراع في العالم بين روسيا واشنطن والأطلسي؟ ولماذا قامت روسيا ببناء قواعد في سوريا؟ هل قرر الروسي والأمريكي إنهاء الحرب في سوريا؟ ولماذا سوريا مهمة لروسيا؟
يبدو أن المناخ في المنطقة قد تغير، خصوصاً بعد المشاركة العسكرية الروسية في المنطقة والجدية في التعامل في الأمور من قبلها خصوصا في حربها على داعش وربما الأحداث الدموية التي تشهدها البلاد الاوروبية أيضا، دفعت الدول الغربية وأمريكا الى تعديل نظرتها وبداية اعلانها بصوابية الأجندة الروسية في المنطقة. فاعلان جون كري في موسكو حول المعارك التي تديرها الحكومة السورية على داعش بأنها لا تخرق وقف اطلاق النار وهي حرب ايجابية واعلان موقف الرئيس فلادمير بوتين أن الذي تحقق من تقدم هو بسبب موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما. هذه التصريحات تعكس التفاهم الحقيقي بين روسيا وأمريكا تجاه الأزمة السورية ويبدو أن الطرفين يركزان حالياً على تفعيل وقف اطلاق النار بين الأطراف المتنازعة، أيضا على تفعيل الحوار بين الحكومة والمعارضة تحت الرعاية الدولية من أجل حل النزاعات الدائرة في المنطقة والتي نتج عنها داعش وأخواته.
المطلعون على العلاقات الروسية السورية، يرون أنه لاعتبارات كثيرة سوريا مهمة لروسيا وهي على الشكل التالي:
أولاً- لقد جاءت الأزمة السورية في وقت كان يسعى الروس الى انعاش اعادة الاعتبار الى الأمم المتحدة، وبتدخلها في سوريا استطاعت اعادة الاعتبار للأمم المتحدة بمنع مجموعة من الدول من اسقاط النظام القائم في سوريا.
ثانيا- لقد أثبت الروس من خلال المشاركة في الحرب على الارهاب في سوريا أن العالم متعدد الأقطاب.
ثالثاً- لقد استطاع الروس الرد على الدرع الصاروخية التي تنشرها أمريكا حول روسيا ببناء قاعدتين بحرية وجوية في سوريا وفرض توازنات جديدة في المنطقة.
رابعاً- لقد استطاعت سوريا رد الاعتبار الى الروس وذلك باعادتهم الى لعب دور أساسي مهم قد فقدته منذ الحرب العالمية الثانية.
خامساً- استطاعت روسيا أن تقضي على عدد كبير من المتشددين الروس الشيشان الذين كان يمکن أن يعودوا الى الأراضي الروسية فيما لو انتهت الحرب في سوريا.
سادساً- استطاعت روسيا من خلال سوريا تحجيم الدور التركي بعدما كان له دور مهم في دعم الارهابيين وخصوصا الشيشان الروس ذوي العرق التركي.
اذاً الخلافات بين أمريكا وروسيا في المنطقة ستبقى قائمة مهما تبدل المناخ. حيث يراهن الأمريكيون اليوم على عدم نجاح الخطة الروسية وغرقها في الوحول السورية. ويتصورون أن التاريخ سوف يعيد نفسه، فلن يكون هناك انكفاء تام، وسيستمر الوضع على حاله. وفي النهاية سنشاهد تغيرات حاسمة ستحصل في وقت لاحق ستعمل على تغيير مستقبل المنطقة وسيتبعها تغير في مناطق النفوذ وتغير جذري في قواعد الاشتباك في المنطقة.