الوقت - اكتسح المرشح للانتخابات الأمريكية برني ساندرز نظيرته هيلاري كلينتون في تصويت الحزب الديمقراطي في ولاية وايومينغ، بعد احتساب آراء المقترعين في الحزب، وتقدم ساندرز على كلينتون بأكثر من 12 نقطة كاملة، إذ أن 56.1% من الديمقراطيين اختاروه ليكون ممثلا عن الحزب في للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، في المقابل حصلت هيلاري كلينتون على 43.9% من الأصوات، وبهذا يكون ساندرز قد تفوق في ولايات واشنطن، وألاسكا، وإيداهو، وأوتاه، وهاواي وويسكونسين.
لم يتحدث ساندرز عن سياسته الخارجية بشكلٍ مفصل، بل اكتفى باعطاء تفاصيل قليلة مركزًا جهده الأكبر على المشكلات الداخلية التي تعاني منها أمريكا، وهذا ما أعطاه شعبية مكنته من الفوز على منافسته هيلاري كلينتون، وتأتي المشكلات الاقتصادية على رأس المشكلات التي طرحها ساندرز في حملته الانتخابية إذ توعد بتقليص الفارق الاقتصادي بين طبقات المجتمع الأمريكي، وتضامن مع الطبقة الوسطى، وتعهد ساندرز برفع أجور العمال من 7,25 إلى 15 دولار في الساعة.
وضع ساندرز يده على الجرح، حيث أن مسألة التفاوت الطبقي من أهم معضلات المجتمع الأمريكي التي فشل أوباما ومن قبله بإيجاد حل لها طيلة السنوات الماضية، ففي عام 2010 بلغت نسبة العمال 62% من مجموع السكان أي أن غالبية الأمريكيين ينتمون للطبقة العاملة، كما أن العمال في أمريكا محرومون من العديد من الحقوق وقد أطاحت الأزمة الاقتصادية التي ضربت أمريكا عام 2008 بالعمال، إذ انخفضت أجورهم وفقدوا الأمن الوظيفي في ظل تسريح جماعي، وأصبحت العائلات العاملة مضطرة أن تعمل ساعات أكثر.
في العقود الأخيرة قامت النقابات العمالية بكبح مطالب العمال وحرمانهم من حقوقهم، وهذا ما برز واضحًا في توجه العمال إلى رفض تمثيلهم في النقابات، وتقلصت نسبة عدد العمال المنضمين الى النقابات لتصل إلى 12% من إجمالى القوة العاملة، بينما بلغت هذه النسبة 6.9% في القطاع الخاص، وهذه الأرقام تعبر عن يأس العمال من قيادات النقابات.
لم يكن توجه ساندرز إلى الطبقة العاملة المتوسطة السبب الوحيد في الإقبال الشعبي عليه، إذ قام أيضًا بتوعد الطبقة الثرية في البلاد معتبرًا أن هذه الطبقة اشترت الديمقراطية الأمريكية من خلال أموالها وتأثيرها على القيادات السياسية والانتخابات، ولهذا رفض ساندرز تلقي أي دعم لتمويل حركته الإعلامية، ويدعي ساندرز أن ترشحه يطرح عنوان العدالة الاقتصادية في أمريكا، ويقول في إحدى خطاباته الدعائية "الأغنياء يسيطرون على مفاصل الولايات المتحدة ويرسمون السياسة بما يوافق مصالحهم، تاركين الطبقة الوسطى تتآكل وتصبح أكثر فقراً، بينما تزداد أرباح الأغنياء، وقد حان الوقت لأن تخدم الحكومة كافة الشعب لا مجموعة صغيرة من النافذين".
ومن الوعود التي قدمها ساندرز والتي لاقت رواجًا كبيرًا في الأوساط الشعبية فكرة تحويل التعليم في الجامعات الحكومية إلى تعليم مجاني بالإضافة إلى تأمين رعاية صحية مجانية للمواطنين أسوة بالدول الصناعية الكبرى وخاصة الأوروبية منها، وعن الوسيلة إلى هذه الأهداف يرى المرشح الأمريكي أن الخدمات الصحية والتعليمية ستصبح مجانية من خلال رفع معدل الضرائب على الأغنياء الذين "لا يدفعون حصّتهم العادلة من الضرائب"، حسب قوله.
يمكن القول إن ساندرز سيقوم بخطوات اشتراكية في ظل النظام الرأس مالي، ومن المعروف أن الشعب الأمريكي يُبغض مصطلح الاشتراكية نتيجة الحملة الإعلامية التي شنتها أمريكا عليها، كما أن الاشتراكية مرتبطة بالدكتاتورية وتقييد الحريات عند الأمريكيين، ورغم هذا لاقت شعارات ساندرز استجابة كبيرة، الأمر الذي يشير إلى عمق الأزمة وتفاقم الحاجة إلى العدالة الاقتصادية داخل المجتمع الأمريكي.
فتح ساندرز جرح المجتمع الأمريكي، وأظهر من خلال الشعبية التي اكتسحها أن الشعب الأمريكي يعاني الكثير ولديه العديد من المشكلات التي لا تلاقي حلولا ولا حتى آذاناً صاغية، وقد بدى واضحًا أن أولوية الشعب الأمريكي هي تحسين ظروفه المعيشية وتقليص الفارق الطبقي بالإضافة إلى تقديم المزيد من الخدمات التي يحتاجها، ويمكن القول إن الشعب الأمريكي يبحث عمن يلتفت إلى الداخل وينتصر في المعركة ضد اللامساواة واللاعدالة.
التنبؤات تشير إلى أن حزمة الإصلاحات التي طرحها ساندرز ليست إلا شعارات انتخابية، ولا يمكن تطبيق هذه الوعود في مجمتع حكمته قوانين الرأسمالية طيلة عقود كثيرة، كما أنه لن يكون بمقدور ساندرز الاستغناء عن الطبقة الثرية، فهي أساس بنيان الاقتصاد الأمريكي الرأسمالي، كما أن لهذه الطبقة أيادٍ متوغلة في مختلف المؤسسات الأمريكية، من الجيش والكونغرس إلى أدنى المؤسسات وأكثرها هامشية، وهذا يجعل من خطة ساندرز أشبه بحرب بين الرأسماليين الكبار والدولة، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الأمر على اقتصاد الدولة ويسبب لها مشاكل وأزمات كثيرة تزيد الوضع الداخلي سوءًا.
لا يمكن إنكار أن المرشح برني ساندرز فتح صفحة جديدة في السياسة الأمريكية، فحتى لو خسر ساندرز في الانتخابات إلا أن المشاريع التي طرحها ستبقى مواضيع بحث ونقاش للحكومة الجديدة، ورغم أن التاريخ الأمريكي أرّخ عجز الرؤساء الأمريكيين عن تغيير سياسة البلاد، إلا أن الشعب الأمريكي لا زال يبحث عمن هو جدير بالثقة، ودومًا ما يأمل بأن يكون الرئيس القادم هو أفضل من السابق، فهل سينجح ساندرز فيما عجز عنه الكثيرون!؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.