الوقت- تعتبر باكستان بلدا عجيبا وغير عادي اذا نظرنا اليها من أية زاوية ، فهذا البلد ومنذ عام 1947 غارق في اراقة الدماء والعنف وانعدام الامن والحروب القبلية والتدخلات الخارجية والحروب الطائفية والحرب والتدخل في شؤون الدول الأخرى ودعم العنف عسكريا وامنيا والانقلابات وغيرها.
ولا ادري اذا كان محمد علي جناح يعلم بأنه يؤسس لمثل هذه الدولة هل كان يؤسسها ام لا ؟ وقبل سنوات طرح مثل هذا السؤال على رئيس أكاديمية اقبال في لاهور وقد استشاط غضبا وهذا ما كنت اتوقعه ، لكنه اشار الى نقطة وهي ان دور المسلمين في استقلال الهند وتعاونهم مع غاندي في طرد البريطانيين لايمكن ان تكون له مكافئة سوى الاستقلال وتكوين دولة مستقلة.
وهكذا تكونت باكستان بسبب مسؤولية اخلاقية ، لكن هذا البلد تميز وعرف خلال 67 عاما الماضية في العالم بانتاج العنف في الداخل وتصديره الى الخارج وقد عانى الافغانيون كثيرا من هذا الأمر ، وذات مرة قال لي دبلوماسي افغاني سابق يقيم في لندن ان ظاهر شاه الذي ضاق ذرعا بالتدخلات الباكستانية وزعزعة امن افغانستان خاصة في مناطقها الجنوبية قال له في احدى المرات "ان الله وحده يعرف كيد الباكستانيين وادعوا الله ان يجازيهم" .
وفي عملية ارهابية جديدة وغير مسبوقة قتل 141 من تلاميذ وكوادر احدى المدارس في باكستان على يد طالبان باكستان وقد اكتفت الحكومة وكذلك الجيش بالقول بانهم سيتخذون اجراءات ضد طالبان ! ، ان الأمر محير وقد حملت باكستان جيرانها مسؤولية هذا الهجوم وارسل رئيس الوزراء الباكستاني رئيس هيئة اركان الجيش الجنرال راحل شريف ورئيس استخبارات الجيش السيئة الصيت الجنرال اختر الى افغانستان ليذكروهم بضرورة التصدي لطالبان .
ويقول دبلوماسي هندي يقيم في اسلام آباد ان ايفاد المسؤولين الكبار في الجيش الى كابول يعتبر هروبا نحو الامام وخطوة مثيرة للسخرية وان الباكستانيين كانوا يريدون القيام بخطوة مماثلة بعد هجوم بومباي في 2008 والذي خلف 170 قتيلا لكننا عرفنا غايتهم ومنعناهم من القيام بالدعاية.
ويعتقد قسم من الخبراء السياسيين في المنطقة ان باكستان محترفة في تحميل الدول الجارة لها مسؤولية انعدام الأمن وهذا ما يؤيد رأي ذلك الدبلوماسي الهندي وقد رأينا تعامل الجانب الباكستاني مع الهجمات الارهابية التي تشن من الاراضي الباكستانية على الاراضي الايرانية والتي اسفرت خلال 3 سنوات الماضية عن قتل وخطف عدد من حراس الحدود الايرانيين حيث قالت باكستان ان على ايران ان تحافظ على امن حدودها وهذا على الرغم من اعلان الجانب الايراني ان هناك تقارير مؤكدة عن تواجد الجماعات الارهابية في مدينة كويتا الباكستانية.
ولا يتطلب الاجابة على سؤال حول الجهة المسؤولة عن انتاج وتصدير العنف في الحكومة الباكستانية الى كثير من الذكاء حيث يقول الدبلوماسيون المقيمون في هذه المنطقة والمسؤولون الافغانيون ان باكستان تزعزع الامن في المنطقة وخاصة في افغانستان لتحافظ على مكانتها ، فهل الحكومة المركزية في اسلام آباد هي المسؤولة عن كل هذا ؟ ربما ، ولكن ليس بمقدار مسؤولية الجيش الباكستاني الذي يعتبر المؤسس لجماعة طالبان وان اكبر ضحية لهذه السياسة الباكستانية هي افغانستان.
ان الحكومة في باكستان تتألف عبر التوافق بين اركان الجيش وقسم الاستخبارات في الجيش الباكستاني وتعتبر الحكومة الحلقة الأضعف في سلسلة الحكم في هذا البلد ، واضافة الى هذا هناك تأثير وسيطرة الدول العربية في الخليج الفارسي خاصة السعودية والامارات على الجيش الباكستاني والاجهزة الامنية الباكستانية.
ان حالة عدم الثقة بالجيش الباكستاني وصلت الى حد تمتنع فيه وزارة الدفاع الامريكية عن ابلاغ الجيش الباكستاني بأية عملية تقوم بها القوات الامريكية في باكستان وذلك بسبب نفوذ الجماعات المتطرفة والجهات الداعمة لطالبان في الجيش الباكستاني والمثال على ذلك هي العملية التي ادت الى قتل اسامة بن لادن في عام 2011 في ابوت آباد الباكستانية.
والسؤال المطروح هنا هو كيف يمكن التعامل مع هذا النظام الذي يعتبر خطيرا ويخلق الأزمات ؟ ان هذا النظام الاستخباراتي المعقد لديه 4 خصائص وهي القوة الكبيرة وعدم السيطرة على هذه القوة والتعقيد الأمني الذي يثير الرعب وسيطرة الدول العربية على الجيش الباكستاني وهذا يجعل من الصعب مواجهة هذا النظام أو التوصل الى اتفاق معه ، وبالتالي لايمكن ايجاد جواب للسؤال الذي طرحناه.