الوقت- جاء خطاب "السيسي"، والذي أطلق فيه استراتيجية مصر للتنمية المستدامة "رؤية مصر 2030"، مناقضاً لمفهوم الإستراتيجية والتخطيط بعيد المدى بحسب ما ذكر كثيرٌ من المحللين. في حين غلب على الخطاب الطابع العفوي والإنفعالي، والذي أطلق فيه الرئيس المصري سلسلةً من المواقف، والتي كان منها حديثه عن أن سبب إسقاط الطائرة الروسية خلال تشرين الأول المنصرم، كان عملاً إرهابياً. وهو ما فسَّره البعض، إعترافاً خطيراً، فيما اعتبره آخرون تبدُّلاً في الخطاب المصري. فماذا في دلالات كلام الرئيس "السيسي" حول اسقاط الطائرة الروسية؟
بالعودة الى زمان سقوط الطائرة الروسية، اتفقت السلطات المصرية والروسية حينها، في توصيف الحادث، وأن ما حصل للطائرة كان مأساوياً. إلا أن تفاصيل المحادثة التي تمت بين الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" والرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، أظهرت اختلافاً واضحاً، في وصف ما حدث وفق المعلومات الرسمية لكلٍ من الرئاسة المصرية و"الكرملين" حول تفاصيل المحادثة. حينها نقل "الكرملين" في بيانٍ نشره، الى أن الرئيسين تطرقا خلال المحادثة الهاتفية، الى توحيد الجهود الأمنية والإستخباراتية الروسية المصرية في العمل عن كثب لتتبع أثر المجرمين المسؤولين عن الهجوم الإرهابي الذي تسبب في تحطم الطائرة الروسیة. فبينما أكد بيان "الكرملين" أن ما حدث للطائرة الروسية "هجوم إرهابي"، وصف بيان الرئاسة المصرية ما حدث له بأنه "حادث سقوط". حينها حاولت السلطات المصرية، رفض فكرة العمل الإرهابي، فيما يأتي حديث الرئيس المصري اليوم، ليؤكد ما هو عكس ذلك. فقد صرَّح "السيسي"، بأن الطائرة الروسية التي سقطت في سيناء، قد أُسقطت بفعل عمل تخريبي. فماذا يعني تأكيد رئيس الدولة المصرية علانية بذلك؟
"اللي وقع لنا الطيارة يقصد إيه؟ بس إنه يضرب السياحة؟ لا.. ويضرب العلاقات مع روسيا"، هكذا علق الرئيس "عبد الفتاح السيسي" على إسقاط طائرة الركاب الروسية، ليكون ذلك بمثابة أول اعتراف رسمي مصري، بالإرهاب كسببٍ لإسقاط الطائرة. وهنا فإن كلامه حول الطائرة الروسية، كرئيس دولة، له الكثير من الدلالات، والتي لا بد أن يكون لها العديد من الآثار. وهنا نُشير للتالي:
- إن الإعتراف بالحادث يعني الإعتراف بالمسؤولية غير المباشرة، عن نتائج الحادث، وهو ما سيدفع مصر لتحمل مسؤولية التعويضات المالية، وهي تعاني من أزمة اقتصادية بالغة، الأمر الذي دفع عدد من الخبراء المصريين، لدعوة الحكومة إلى اللجوء إلى المفاوضات لتقليل حجم التعويضات. وهنا فإن هذا الأمر يعني تشكيل لجنةٍ بين البلدين، في حال قرَّرت روسيا المطالبة بالتعويضات، وهو ما يحدده أهالي الضحايا ويتعلق بالشق المدني للعلاقات بين البلدين.
- وهنا فإن مصر كانت متعاونة فيما يتعلق بالتحقيقات. الأمر الذي قد يُساهم في الوصول الى صيغة مشتركة بين الدولتين فيما يخص مسألة التعويضات. في حين، يُعتبر الإعتراف بالعمل الإرهابي، أمراً قد ينجم عنه العديد من الآثار. فالحديث عن وجود عمل إرهابي، يعني وجود قصور في الإجراءات الأمنية في المطارات المصرية. وهو الأمر الذي يأخذ المشكلة الى مكانٍ يتعدى شقها المدني، المتعلق بالتعويضات المالية.
- فقد فسَّر عددٌ من المراقبين تصريحات "السيسي"، بسعيه لتخطي ما خلَّفه سقوط الطائرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، إذ أن مصر تأثرت إقتصادياً بفعل ذلك. لكن هذه المساعي بحسب المراقبين، لم تُفلح. فالتصريحات التي أطلقها "السيسي"، ستفتح الباب أمام تساؤلات، تخص الأمن المصري الهش. في حين قد تفتح باباً جديداً من العلاقات المصرية الروسية، بحيث أن "السيسي" جعل مصر مسؤولة عن الإخفاق الأمني فيما يتصل بالطائرة الروسية. وهو ما قد يجعل المعنيين في موسكو، يتساءلون عن أسباب التقصير الأمني الذي حصل، وكل ما يترتب عليه.
- وهنا وبحسب نتائج هذه التساؤلات الروسية، تأتي ردات الفعل. فروسيا ليست دولةً تسكت عن حقها أو حق مواطنيها وبالتالي فهي ما تزال تتابع موضوع سقوط الطائرة. وهي حتماً ستأخذ تصريحات الرئيس المصري، لتكون ركيزةً لما قد يترتب عنها، من مطالبةٍ بكيفية رجوع الطرف المصري للإقتناع بفرضية الإرهاب، بعد أن كان مُصراً على استبعادها. وهو ما سيطرح علامات استفهامٍ حول ما إذا كان يمتلك معطياتٍ أمنية جديدة.
إذن، لم تكن تصريحات "السيسي" في إطلاقه "رؤية مصر 2030"، على قدر ما تمناه العديد من النخب والفعاليات الداخلية في مصر. فإن خطاب الرئيس المصري وبحسب المختصين، لم يرتق لمستوى وصفه بالإستراتيجيا أو المُخطط طويل المدى، بل إنه فتح العديد من الملفات التي ستَضُرُّ بمصلحة مصر بشكل أكبر. فعلى الصعيد الداخلي، رسَّخ الرئيس المصري واقع افتقاد السلطات المصرية لثقة الشعب بها. أما على الصعيد الخارجي، فقد أكد الرئيس المصري بأن مصر لا تمتلك رؤية واضحة للمستقبل، وتقع تحت خطر كبيرٍ على الأصعدة كافة، لا سيما الأمنية والإقتصادية. فيما جاء تصريحه حول الطائرة الروسية، ليدفع بالأمور نحو مزيدٍ من التعقيد فيما يخص هذا الملف.