الوقت - لا زالت الحرب الدائرة في الشرق الأوسط ترخي بظلالها الأليمة على العالم كافة، وخاصة أوروبا التي تواجهها موجة من النزوح الجماعي (اذا صح التعبير) من قبل سكان مناطق النزاع. وكل ذلك بحثا عن ملجأ آمن لمن فقدوا أبسط حقوق العيش المحترم في بلدان يمزّقها الارهاب الذي هو صنيعة دول العالم الأول بما في ذلك دول أوروبية.
نعم تتعرض الدول الأوروبية لموجة من الهجرة غير الشرعية وغير المسبوقة نتيجة حرب أسهمت نفس هذه الدول في الاعداد لها. حرب أحرقت الأخضر واليابس في بلدان فيها من المقدرات والمقومات ما يكفي لتنعم وأهلها بأفضل حياة. وتمتد هذه الحرب منذ سنوات ومن الواضح أن الأمور تتجه لتأزيم وتعقيد أكبر بسبب سياسة بعض الدول الأقليمية والعالمية التي لا زالت تصب الزيت على نار الفتن والإرهاب. وكيف لا تفعل؟ وقد عقدت كل آمالها على الجماعات الارهابية لتحقيق أهدافها الخبيثة، فجعلت من أراضيها شريان الحياة والممر لتلك الجماعات لجلب الارهاب من كافة أرجاء المعمورة حيث لم يبق من جنسية في العالم لم تقاتل في سوريا والعراق وهنا تنظيم داعش الإرهابي ليس مستثنى بل هو رأس الحربة التي يعتمد عليها هؤلاء في نشر اجرامهم الحاقد.
إزاء كل ذلك يزداد الضغط الأوروبي لمكافحة ظاهرة الهجرة إلى القارة العجوز. فكان القرار التركي بفرض تأشيرة دخول على السوريين ضمن صفقة غير معلنة بين الحكومة التركية والاتحاد الأوروبي حيث يساعد الأخير في الحد من تدفق اللاجئين مقابل مبالغ مالية سخية وعد الأوروبيون بدفعها. وأتى هذا القرار ليؤكد أن سياسة الحكومة التركية وأوروبا على حد سواء هي قتل وحصار الشعب السوري والتغني بحقوق الانسان إنما مجرد كلام إعلامي موجه للداخل الأوروبي لا أكثر ولا أقل.
وضمن نفس السياق بدأت أوروبا بوضع قوانين جديدة خاصة باللاجئين ومن هذه الدول ألمانيا حيث رفعت مدة البقاء في مخيمات اللجوء إلى العام دون مغادرتها مما يعني اطالة مدة العيش باهانة طمعا بالحياة الكريمة التي ينشدها اللاجئون. ومن ناحية أخرى فقد شددت القوانين الجزائية الخاصة بشبكات تهريب البشر في محاولة لردع هذه الشبكات من تسهيل وصول اللاجئين إليها مقابل أموال طائلة. كلها خطوات تزيد الأمور تعقيدا وتنظر إلى الهاربين من نار الحروب كسلع فاسدة يجب منعها من دخول أراضيها.
ومن الملاحظات التي لا بد من الوقوف عندها مسألة الاضاءة الاعلامية المتكررة والحثيثة على موضوع انتقال أفراد من حاملي الجنسيات الغربية إلى الدول الساخنة وخاصة سوريا والعراق من أجل الانضمام الى التنظيمات الارهابية بما في ذلك تنظيم داعش وتشير أرقام إلى انضمام ما يزيد عن 800 ألماني إلى داعش خلال الأشهر المنصرمة. وذلك أدى ويؤدي إلى حالة من النقمة الشعبية والشعور بالكراهية اتجاه اللاجئين من جهة والجاليات الاسلامية من جهة أخرى من قبل الشعوب الأوروبية التي لا تتمتع بالوعي السياسي الكافي لمعرفة حقيقة الأمور. وقد برزت هذه المسألة بوضوح من خلال أكثر من هجوم نفذه متطرفون أوروبيون على اللاجئين والمعاملة التي أقل ما يمكن وصفها بغير الانسانية اتجاه اللاجئين والتي يعانون منها في المجتمع الأوروبي. حتى أن الكثير من اللاجئين فضل العودة إلى بلاده والعيش تحت الخوف والدمار على العيش بذل في بلاد لا ترغب بوجودهم.
ختاما لا بد من التأكيد على أن ما تقوم به الدول الكبرى من محاولات لاغلاق حدودها أمام اللاجئين لن تبوء سوى بالفشل وهذا الأمر لا يعالج المشكلة القائمة وانما يفاقمها. والمطلوب من هذه الدول التي تدعي الديمقراطية واحترام حقوق الانسان معالجة أصل الموضوع وهو الارهاب المستشري في بلادنا والذي تغذيه دول وجهات معروفة ومحددة بالتفصيل لأهداف معروفة أيضا. وهذه الدول والجهات لها من الروابط والعلاقات والمصالح مع أوروبا وأمريكا ما يكفي لتخضع لارادة هذه الدول. فلتضغط أوروبا على تلك الدول والجهات لقطع شريان الحياة عن داعش المتمثل بالنفط المسروق من سوريا والعراق والذي يباع عبر تركيا إلى شركات دولية وأوروبية. ولتوقف الدول الأوروبية الإرهابيين الذين تقول بأنهم ينتقلون بشكل مستمر من أوروبا إلى مناطق النزاع للانضمام إلى التنظيمات الارهابية. فلا يكفي أن نعطي احصاءات حول أعدادهم بل المطلوب منعهم من التوجه إلى هناك. ولتغلق أوروبا وخاصة بريطانيا المدارس الدينية التي تروج للمذاهب التكفيرية التي هي أصل البلاء وتكف عن اعتبار هذه المدارس تندرج تحت حرية الرأي والفكر فالكل أصبح يعلم أن هذه المدارس انما وجدت لوسم الاسلام بسمة الارهاب الذي يليق بحكومات الدول المتقدمة أكثر من أي أحد آخر.