الوقت- تشهد الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام، حراكاً شعبياً محموماً للمطالبة بالعدالة ونبذ العنصرية، حيث أججت قضايا مقتل عدة اشخاص "سود" برصاص شرطيين "بيض"، غضباً شعبياً خاصة عند فئة الشباب الذين خرجوا في تظاهرات عمت المدن الأمريكية خاصة نيويورك وواشنطن، مطالبين بإحقاق العدالة وإنهاء التمييز العنصري بين البيض والسود، ورعاية الحقوق المدنية للمواطن الأمريكي.
ماذا يجري في أمريكا؟
تظاهر آلاف الأشخاص السبت 13 ديسمبر/كانون الأول في واشنطن من أجل تحقيق العدالة في قضايا مقتل أشخاص سود برصاص الشرطة.
وانطلقت في واشنطن مسيرة من البيت الأبيض باتجاه مبنى الكابيتول هيل، احتجاجا على قتل الشرطة لمواطنين سود عزل في عدد من الحوادث في الولايات المتحدة.
واطلق على التظاهرة اسم "العدالة للجميع". وكان المتظاهرون وغالبيتهم من الشبان يرددون "لا عدالة، لا سلام".
وكتب على اليافطات التي رفعها المتظاهرون "العنصرية مرض والثورة هي الحل" او "أوقفوا رجال الشرطة القتلة" و "حياة السود لها قيمة".
كما تم تنظيم مسيرة أخرى في مدينة نيويورك مطالبة الكونجرس بحماية المواطنين الأمريكيين من تجاوزات الشرطة. وقال منظمو المسيرة أنها ستكون من أضخم الإحتجاجات على الأساليب المتبعة من الشرطة وقتل رجال سود في نيويورك وكليفلاند وفيرجسون وميزوري. وأضاف المنظمون "لا يكفي إجراء محادثات نحن بحاجة إلى تشريعات".
كما عبر المشاركون في التظاهرات عن تخوفهم على مصير أبنائهم، وطالبوا بعدم تكرار المشهد حتى لا يُقتل أبنائهم على يد شخص من المفترض أن يقوم بحمايتهم. وذهب آخرون الى وصف النظام الذي برأ قتلة السود بالنظام غير الدستوري، واعتبروا أن ذلك يظهر الولايات المتحدة كدولة تقوم على التطهير العرقي والعبودية.
وجرت تظاهرات أخرى في بوسطن وفيلادلفيا ودنفر وسياتل وشيكاغو وسولت ليك سيتي دون. وفي أوكلاند بولاية كاليفورنيا غرب الولايات المتحدة قام حوالي ألفي شخص بقطع طريق سريع حيث اعتقلت الشرطة العديد منهم.
أما في لوس انجلوس فقامت الشرطة بمنع المتظاهرين من سلوك الطرقات العامة فيما تظاهر نحو مئتي شخص في الأحياء الجنوبية حيث غالبية السكان من أصول أفريقية.
وعززت الشرطة الأمريكية من إجراءاتها الأمنية لمواجهة هذه الاحتجاجات واعتقلت العشرات من المحتجين. وكانت تقارير إعلامية أفادت بأن الشرطة الأمريكية اعتقلت أكثر من 400 متظاهر في الأيام الثلاثة الماضية خلال تلك الاحتجاجات ووجهت لأغلبهم تهمة الإخلال بالنظام العام.
وتأتي هذه التظاهرات ضمن سلسلة من الاعمال الاحتجاجية التي شهدتها الولايات المتحدة منذ منتصف تموز الماضي، تعكس مدى الغضب الشعبي من الممارسات العنصرية للشرطة الأمريكية.
الخلفيات:
تفجر الغضب الشعبي في أمريكا على خلفية عدة أحداث عنصرية قُتل فيها أشخاص من أصول أفريقية على أيدي الشرطة، كانت أولاها خلال شهر يوليو/تموز في مدينة فيرغسون بولاية ميسوري، عندما قتل الشاب مايكل براون على يد الشرطي ولسون الذي عمدت السلطات الأمريكية إلى التكتم عن هويته بادئ الأمر ثم عدم توجيه تهم إليه ما فجّر موجة احتجاجات واسعة شملت أغلب المدن الأمريكية الكبرى قبل أسبوعين.
كذلك فعلت هيئة محلفين أخرى في نيويورك عندما قررت عدم توجيه الاتهام لشرطي أبيض مسؤول عن مقتل الرجل "الأسود" إريك غارنر خنقا أثناء محاولة اعتقاله في نيويورك في ثاني قرار لصالح قوات الأمن في غضون أسبوعين بعد قضية فيرغسون. حيث كان شعار "لا استطيع التنفس" الذي ردده المحتجون خلال التظاهرات، مستلهماً من هذه الحادثة.
وفي مساء الخميس 4 ديسمبر/كانون الأول، أعلنت شرطة مدينة فينيكس الأمريكية في بيان لها عن وفاة رجل يدعى رومين بريزبون (34 عاما) اشتبه بحيازته على سلاح أثناء محاولة اعتقاله من قبل شرطي اشتبه بأن الرجل الأسود يتاجر بالمخدرات.
التداعيات:
أحداث متسارعة تشهدها الولايات المتحدة، وإن اختلفت أسبابها فهي تدور حول نفس المحور الذي تدعي هيئات حقوق الإنسان الأمريكية في الداخل والخارج الدفاع عنه، ألا وهو أبسط الحقوق، "العيش الكريم" و"حرية التعبير".
إنه الرجل الثالث من أصول إفريقية الذي يقتل برصاص شرطي "أبيض"، ليس في مكان ما، بل في بلد يدعي انه ينشر الحرية والديمقراطية في العالم. الأمر الذي فجّر جدلا قديما عن أجهزة إنفاذ القانون في الولايات المتحدة واتهامها على نطاق واسع باستهداف الأمريكيين الأفارقة والأقليات الأخرى دون وجه حق.
لم يتقبل الأمريكيون على اختلاف ألوانهم وانتمائهم العرقي، هذا التمييز، حيث خرج الآلاف إلى الشوارع في مظاهرات غالبيتها سلمية احتجاجاً على الوضع الراهن. كما أنهم لم يتقبلوا في الماضي سياسات وول ستريت المالية، وعبروا عنها باطلاق مظاهرات "احتلوا وول ستريت". الأمر الذي يسلط الضوء على سياسات الحكومة الأمريكية المخالفة لإرداة شعبها، ونفاذ صبر الشعب الأمريكي تجاهها.
مظاهرات الاحتجاج انطلقت، فهل تكون بداية لـ"ربيع أمريكي" على غرار ما سمي بالربيع العربي، وهل سيثمر هذا الربيع أو يزهر على الأقل؟.