الوقت- مع تصاعد العدوان الاسرائلي المتعدد الاشكال على الضفة الغربية والذي شمل قتل وتصفية المناضلين وحملات الاعتقال والاقتحام والتفتيش الاستفزازي الواسع لمنازل الفلسطينيين اندلعت مؤخراً مواجهات عنيفة بين الشبان الفلسطينيين والقوات الاسرائيلية التي نشرت قواتها بكثافة في جميع مدن الضفة لاسيما في الطرق الرئيسية ونقاط التماس وعند محطات توقف الحافلات فيما لا تزال الشرطة في حالة تأهب. وأغلقت قوات الاحتلال كافة المداخل وشرعت بعمليات تدقيق هويات ركاب السيارات وعرقلة حركة الدخول والخروج في جميع مناطق الضفة.
ومع استمرار الحملة الامنية التي تمارسها اسرائيل والتي شملت ايضا اعتقال ممثلي الشعب الفلسطيني تغيرت هبّة الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية وفقا لتغير اساليب المقاومة وانتقلت الى مرحلة المواجهة المباشرة، ولم تعد تكتفِ بالتظاهرات والهتاف والتنديد للتأكيد على ان العمليات القمعية والاغتيالات التي يمارسها الاحتلال بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية لن تثني المقاومة عن القيام بدورها في حماية الشعب والدفاع عن حقوقه المغتصبة في الارض والوطن ومن بينها حق العودة الذي هو فرع لأصل تحرير الأرض.
وقد ادرك الشعب الفلسطيني تماما بانه امام عدو عنصري اجرامي لا يمكن له ان يتعايش معه ولا يمكن ان تكون قضيته متروكة لمزاج الاحتلال وعليه ان يقدم الشهداء تلو الشهداء ليبقى مشروع المقاومة فاعلا ومؤثراً حتى اجبار المحتل على الرحيل.
فمشهد الانتفاضة الفلسطينية تم استعادته في الضفة الغربية تضامنا مع قطاع غزة، وبرزت في الآونة الاخيرة عمليات طعن ودهس الجنود الاسرائيليين والمستوطنين وكثّف الشبان الفلسطينيون من إلقاء الزجاجات الحارقة على أهداف الاحتلال الى درجة اجبرت الكنيست الاسرائيلي على اقرار مشروع قانون يقضي بتشديد العقوبات على من يلقي الحجارة والمواد الحارقة على السيارات والاهداف الاسرائيلية.
ولم تعد العنصرية التي تمارسها اسرائيل ضد الفلسطينيين تقتصر على جانب واحد فقط، بل تعدته لتشمل كل تفاصيل حياتهم وهذا الامر ظهر جلياً بعد إقرار الحكومة الاسرائيلية مشروع قانون القومية اليهودية، باعتبار اسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، بكل ما يعنيه ذلك من ممارسة المزيد من العنصرية والتطرف والتهميش بحق الفلسطينيين, ولم تكتفِ الحكومة الاسرائيلية بذلك بل تقدمت الى الكنيست باقتراح قانون يقضي بسحب الإقامة الدائمة من الفلسطينيين المتعاطفين مع المقاومة ما يعني إطلاق يد الاجهزة الامنية في اتخاذ قرارات وفق أسلوب "العقوبات الجماعية".
وفي هذه الأيام، لا ينقطع الحديث عن إمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة في الاراضي الفلسطينية المحتلة، لا سيما في ظل استفحال خطر الاستيطان، وتزايد الانتهاكات الإسرائيلية، والفشل المتكرر لمفاوضات التسوية بين السلطة والاحتلال خصوصاً بعد ان وصل الوضع في الضفة الغربية إلى حد قريب من الغليان بفضل انتشار ثقافة المقاومة وضرورة التخلص من الاحتلال ومن آثاره المدمرة والتي أخذت تسير بمنحنى تصاعدي منذ حرب حجارة السجيل عام 2012م وحتى الآن.
وتؤكد جميع الشواهد والقرائن على ان الطريق لتحرير فلسطين منحصر في توحيد الصف واعتماد المقاومة بإعتبارها السلاح الأمضى لإرعاب "إسرائيل" وإيقافها عند حدها خصوصا بعد أن بانَ ضعف هذا الكيان وتراجعه أمام المقاومين الذين بات بإمكانهم تهديد وجوده بشكل لم يسبق له مثيل.
ويعتقد المراقبون ان المفاوضات بين السلطة الفلسطينية واسرائيل ليست سوى خديعة ومحاولة لكسب الوقت لارتكاب المزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين وتوسيع نطاق الاستيطان، مشددين على انه لا يمكن الوصول إلى حل سلمي من خلال هذه المفاوضات الوهمية.
كما يعتقد المراقبون ان محاولة إحلال موضوع المفاوضات دون ضمانات دولية بدل إنهاء الاحتلال يراد منها ابقاء المشروع الفلسطيني في دوامة السجالات السياسية في مجلس الأمن الدولي بسبب قرارات النقض (الفيتو) التي تلجأ لها واشنطن التي لا تتعامل إلاّ بلغة المصالح التی تضر بالجانب الفلسطیني، وتعرض مستقبله للخطر والضیاع .
ويتنبأ محللون باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، لكن كثيرين يعتقدون أن ما تعيشه الضفة الغربية من احتلال واستيطان متواصل لم يتوقف يوما، سيبقي المنطقة في انتفاضة مستمرة، وتشير الدلائل إلى أن إسرائيل إذا نفذت تهديداتها بالاجتياح العسكري للضفة الغربية، ستضطر إلى نشر قواتها داخل مدن وقرى الضفة على مدار الساعة وستواجه مزيدا من التصعيد.
والانتفاضة الفلسطينية المدوية كانت لها آثار عملية اجبرت الغرب على تغير لهجته تجاه القضية الفلسطينية وبدأ بالحديث عن حل للدولتين بعد ان كان يتجاهل الشعب الفلسطيني من الاساس.
وقد ادركت اسرائيل مبكراً اهمية الضفة الغربية في دعم مقاومة الشعب الفلسطيني لذلك قامت باقرار قوانين خاصة للسيطرة عليها وعرقلة اي جهد يصب في مصلحة هذا الشعب والاشراف على تحركات المقاومة للحيلولة دون قيامهم باي عملية جهادية ودون وصول السلاح لهم ، كما قامت ببناء جدار الفصل العنصري الذي يهدف في الاساس الى تجريد الضفة من المقاومة.
وثمة ما يشبه الإجماع الفلسطيني على انسداد أفق التفاوض وتآكل “حل الدولتين” وإخفاق الوسيط الأمريكي الحصري في الوصول إلى حل تفاوضي بعد عشرين عاماً من العبث والمماطلة الإقليمية والدولية المحيطة بالقضية الفلسطينية وضرورة التركيزعلى خيارالمقاومة في الضفة وکسر قبضة السلطة الفلسطينية وأجهزة أمنها التي لا تخجل من التجاهر بالتنسيق الأمني مع الكيان الاسرائيلي.
فالضفة الغربية جزء لا يتجزأ من الجسد الفلسطيني، وتمثل مقاومتها عمقاً استراتيجيا لزعزعة " الامن " الاسرائيلي كونها على تماس مباشرمع المستوطنين الغاصبين وكل هذه المواصفات حفزت تل ابيب على اتخاذ اجراءات خاصة لقمع المقاومة هناك.
