تهديدات "داعش" و"النصرة" ضد الاسرائيل
الوقت- تنتاب إسرائيل خشية من تحول المخاطر "الهامشية" الناجمة، حتى الآن، عن الجماعات الإسلامية المتطرفة، مثل "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" ، ضدّه إلى تهديد مباشر، دونما إخفاء مكاسب توظيفها كورقة سياسية معتبرة في خدمة مشروعه بالأراضي المحتلة، بعيدًا عن ضغط المساءلة العربية والدولية.
ويدور في أوساط النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية جدل صاخب حول طبيعة وحجم التهديد المنبعث من تلك الجماعات، إزاء ضبابية الموقف الرسمي من كيفية التعاطي معها، ومحاولة توظيفها لصالح حسابات الائتلاف الحكومي. إلا أن ثمة توافقًا بينيًّا على منفعة اقتناص "مغانم" من أجواء المتغيرات التي أوجدتها الجماعات المتطرفة في المنطقة لصالح الاحتلال.
مخاطر محتملة:
اتخذت إسرائيل منذ تنامي صعود "جبهة النصرة" وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الأراضي السورية والعراقية، عدة إجراءات أمنية مشددة لصدّ أي تهديد مباشر ضدّه، وذلك عبر تعزيز تواجد قواته عند الحدود مع الجبهتين السورية والأردنية، وإصدار قانون يضع تنظيم "داعش" في خانة "المنظمات الإرهابية" ويحظر الانخراط فيه أو التعاطي معه تحت طائلة العقوبة، فضلا عن تحصين سفاراته وممثلياته الدبلوماسية في الخارج.
وبموازاة ذلك، يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للانخراط ضمن "التحالف الدولي" المناهض لتنظيم "داعش"، خاصة عبر التعاون الاستخباريّ المعلوماتي إلى حدّ الاستعداد لوضع قواعده أمام استخدام الطائرات الأمريكية في الحرب ضد التنظيم (هآرتس 17/9/2014)، وذلك إزاء ما يحقق له هذا الانضواء من فوائد عديدة، منها الاستعداد العسكري واللوجستي لمواجهة أي خطر محتمل.
ورغم أن إسرائيل لا تندرج في قائمة أولوية "تنظيم الدولة الإسلامية"، تبعًا لمعتقد "العدّو القريب أولى"، فإنه يخشى من تحول خطر "داعش" نحوه إذا ما قرر تغيير ترتيب أعدائه لسبب أو لآخر، فيما تشكل إمكانية تمدد "التنظيم" إلى حدّ إحكام سيطرته على مناطق أخرى، تحت مسمى "الدولة الإسلامية"، مصدر قلق بالغ عنده.
وقد تعزز الحراكُ الإسرائيلي المناهض للجماعات المتطرفة بزخم إعلامي داخلي، من خلال تقارير يومية تبث "الرعب" من التطرف الإسلامي، وخطورة التهديدات المحدقة بالكيان المحتل بسببه، فيما نشطت الدبلوماسية الإسرائيلية في ساحات دولية للتحذير من خطر الجماعات الإسلامية المتطرفة على المشهدين الإقليمي والدولي.
بيد أن أوساطًا عسكرية إسرائيلية انتقدت الاهتمام الرسمي غير العادي بتنظيم "داعش" على حساب الجماعات المتطرفة الأخرى، خاصة أن وجوده في سوريا مُرَكَّز في مناطق بعيدة عن الحدود مع الكيان الإسرائيلي، ولم يُشاهَد مقاتلوه في أي مكان قريب منه، بينما يتخذ الأردن إجراءات أمنية مشددة على حدوده مع الجبهتين السورية والعراقية بما يمنع تسلل مقاتلي التنظيم إلى ساحته، ومنها إلى الكيان الإسرائيلي.
غير أن تمدد "التنظيم" دفع "بجبهة النصرة" المرتبطة بالقاعدة، نحو التموضع في مناطق قريبة من الحدود مع سوريا، تزامنًا مع "اختراق المجموعات المتطرفة الموجودة في سيناء للحدود مع الكيان الإسرائيلي أكثر من مرة، بما يشكل خطرًا فادحًا ضدّه". بحسب تقرير صادر عن الاستخبارات الإسرائيلية (هآرتس، 20/9/2014).
وأفاد التقرير نفسه (18/9/2014) بأن "تنظيم "داعش" لا يضع إسرائيل ضمن أهدافه، ولا يهتم بها حاليًّا، فيما لا توجد أي إشارات مدللة على خطره القريب ضدّها"، متوقفًا عند تناقض مقولة أطراف حكومية بخطر تمدد التنظيم في الضفة الغربية، بينما يتم الإعلان يوميًّا عن إقامة مستوطنات جديدة في أراضيها، بما جرى ربطه ضمن سياق النقاش الداخلي الحاد حول زيادة ميزانية الدفاع الذي فجّر خلافًا بين نتنياهو ووزير المالية يائير لبيد مؤخرًا.
وترى أطراف في الحكومة الإسرائيلية أن خطر "داعش" يتجاوز التهديد العسكري المباشر ضد إسرائيل إلى حدّ إصابة مصالحه وأفراده في الخارج بالضرر، ويستدلون بهجوم أحد مقاتلي التنظيم، من أصول فرنسية، ضدّ المتحف اليهودي في بلجيكا، وكذلك حمل الصحفي الأمريكي ستيفن سوتلوف، الذي قطع رأسه على يد التنظيم، الجنسية الإسرائيلية، وذلك للتدليل على أن الإسرائيليين في ساحات تواجدهم ليسوا بعيدين عن الخطر.
وتتولد لدى الكيان الإسرائيلي خشية في ظل الحرب الدولية ضدّ "داعش"، من نسيان الخطر الممثل، بالنسبة إليه، في إيران، وإفضاء تقاطع المصالح بين واشنطن وطهران إلى تقارب بين الطرفين حول قضية الملف النووي الإيراني، وتخفيف الضغط عليها بسبب برنامجها النووي أملا في الحصول على مساعدتها في محاربة "التنظيم"، وهو الأمر الذي يحاول التنبيه إليه من خلال اجتماعاته مع المسئولين الأمريكيين.
مكاسب محتملة:
تواري إسرائيل خلف ستار تعظيم خطر الجماعات الإسلامية المتطرفة أهدافًا سياسية للاستفادة من أجواء المتغيرات الجارية في المنطقة.ويقع في المقام الأول لأهداف الاحتلال عنصر الاستفادة من انشغال دول المنطقة بمسار الحرب ضدّ الجماعات الإسلامية المتطرفة، وفي مقدمتها "داعش"، إلى ناحية تناسي نتائج عدوانه في غزة التي أفضت إلى انتصار المقاومة، وإعادة القضية الفلسطينية، بعد تراجع، إلى واجهة المشهدين الإقليمي والدولي، ما تبين في تصدرها وسائل الإعلام وتحريكها للجهود الدبلوماسية، وتحفيزها لتظاهرات التضامن الشعبية الحاشدة في مختلف دول العالم، بما فيها العواصم الغربية.
ويعوّل الاحتلال على مسألة "الانشغال" تلك، مع بقاء حالة التجاذب الإقليمي العربي التي برزت في مشهد مساعي التوصل إلى هدنة لوقف إطلاق النار في غزة؛ في حسر حراك عربي إسلامي مؤثر في دعم ونصرة الشعب الفلسطيني، وضعف الاهتمام بالمبادرة التي يعتزم الجانب الفلسطيني تقديمها إلى مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس المحتلة، طالما أنها مهددة "بالفيتو" الأمريكي، ما يمنحه الفرصة الكافية لتعميق الخلل القائم في الأراضي المحتلة لمصلحته، وسط انحياز أمريكي مفتوح له، ومواقف أوروبية متباينة من الصراع العربي–الإسرائيلي.
ولا تجد إسرائيل أيّ حرج في النهل من أفعال "داعش"، وأقرانه من الحركات المتطرفة المنسولة، مقولة أن "الإرهاب وليس الاحتلال الإسرائيلي أسّ عدم الاستقرار والأمن في المنطقة"، وفق نتنياهو، أو حتى الدفع بصيغة "محلِّلة" لمداميك الاحتلال، وكأنه غير موجود أصلا، وذلك تحوير جذري لتأصيله ككيان إحلاليّ استعماري استيطاني في فلسطين المحتلة.
ويسعى الاحتلال إلى استثمار الوضع المضطرب الذي أوجده "داعش" بالمنطقة في إعلاء صوت التحذير من خطره القادم إليه، كمسوغ أمام المجتمع الدولي للتمسك بشرط الحفاظ على السيطرة الأمنية في منطقة الأغوار، وبقاء جيش الاحتلال ضمن المنطقة الحدودية مع الأردن، مقابل رفض نشر قوات فلسطينية فيها، وذلك ضمن أي اتفاق تسوية يتم التوصل إليه مع الجانب الفلسطيني، بذريعة صعوبة الاتكال على الأجهزة الأمنية الفلسطينية لمقاومة "داعش" والحركات المتطرفة.
ويستقيم ذلك مع مشروع الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة التي يريدها مقسّمة الأوصال بين "دولة" زهاء 631 ألف مستوطن اليوم، يسعى إلى زيادتهم إلى مليون مستعمر خلال الأعوام القليلة القادمة، ضمن نحو 62% من مساحتها في المناطق المسّماة "ج" الغنيّة بالإمكانيات الطبيعية والاقتصادية، إلى جانب حكم ذاتي فلسطيني، باسم "سلطة" أو حتى "دولة"، ضمن الأجزاء المقطعة المتبقية، معنيّ بالشئون الحياتية للسكان خلا السيادة والأمن الموكولين للاحتلال، مقابل غزة معزولة بدولة ونظام مستقلين، وذلك غداة قضم المساحة المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وإخراج القدس من مطلب التقسيم.
ويرمي الاحتلال من وراء تعظيم مخاطر "داعش" القادمة ضدّه، إلى محاولة تحقيق ما فشل في إنجازه من أهداف "خائبة" خلال عدوان غزة، وذلك عبر المساواة بين "تنظيم الدولة الإسلامية" وحركة "حماس" وإبراز القواسم المشتركة بينهما، سبيلا للقضاء على المقاومة، ونزع سلاحها، وتصفية البنية التحتية للحركة.ويعتقد الاحتلال أن بفعله هذا يجد البيئة الحاضنة لتبرير التمسك بمطلب نزع سلاح المقاومة خلال مفاوضاته غير المباشرة بوساطة مصرية، مع الجانب الفلسطيني، والمقرر استئناف جولتها الثانية في القاهرة بعد عيد الأضحى، كما قد يسمح له بطمس أي معارضة لضرب "حماس"، والذي يشكل، في الأساس، المضيّ في نمط عدوانه الثابت ضدّ الشعب الفلسطيني.
وتحت مطيّة "العدوّ المشترك"، يسعى نتنياهو من خلال دعمه للتحالف الدولي ضد "داعش"، إلى توظيفه في خدمة تعزيز وضعه السياسي الداخلي، وترميم عطب شعبيته التي تراجعت، وفق استطلاعات الرأي، نتيجة عدم حسمه المعركة في قطاع غزة لصالح الاحتلال، والتي أعطت مناخًا مواتيًا لمطالب المعارضة بانتخابات إسرائيلية مبكرة، سيجد فيها المعسكر اليميني المتطرف موقعًا مريحًا، ما لم تحدث أي تطورات غير محسوبة حتى الموعد المحدد في حال حدوثه.
كما يبتغي نتنياهو مع النخبة السياسية والعسكرية، تعزيز مكانة الكيان الإسرائيلي عند حلفائه في الغرب، لدى ظهوره مصطفًّا إلى جانبهم في حربهم المشتركة ضدّ التطرف والإرهاب، ما يؤدي أيضًا إلى صرف الانتباه عن جرائمه في غزة، وتجميل وجهه القبيح، وتغيير صورته التي تشوهت في مختلف دول العالم، لا سيما الأوروبية منها، بوصفه "مرتكب جرائم حرب ضدّ الإنسانية".
إلا أن ذلك أنتج جدالا داخليًّا ربط بين "التحالف الدولي" ضدّ "داعش" وإقامة الدولة الفلسطينية، إما لجهة رؤية البعض، مثل الكاتب الإسرائيلي موشيه معوز، بضرورة "التوصل إلى اتفاق سلام مع الجانب الفلسطيني من أجل تذليل عقبات قبول المشاركة الإسرائيلية في التحالف"، وإما لناحية التحذير من إقامة دولة فلسطينية مستقلة ستكون، بحسب وزير الاقتصاد نفتالي بينت، "جبهة متقدمة لتنظيم داعش".
وفي المحصلة؛ لا شك أن الجماعات الإسلامية المتطرفة تخلق عند الكيان الإسرائيلي مبعث قلق بقدر الاستفادة السياسية من تجلياتها في خدمة مشروعه بالأراضي المحتلة، ما سينعكس في قادم الأيام استيطانًا وتهويدًا، الأمر الذي يتطلب دعمًا عربيًّا وإسلاميًّا لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني، مثلما يستلزم تحقيق المصالحة الفلسطينية، ووضع استراتيجية وطنية موحدة لمجابهة عدوان الاحتلال.
الوقت- تنتاب إسرائيل خشية من تحول المخاطر "الهامشية" الناجمة، حتى الآن، عن الجماعات الإسلامية المتطرفة، مثل "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" ، ضدّه إلى تهديد مباشر، دونما إخفاء مكاسب توظيفها كورقة سياسية معتبرة في خدمة مشروعه بالأراضي المحتلة، بعيدًا عن ضغط المساءلة العربية والدولية.
ويدور في أوساط النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية جدل صاخب حول طبيعة وحجم التهديد المنبعث من تلك الجماعات، إزاء ضبابية الموقف الرسمي من كيفية التعاطي معها، ومحاولة توظيفها لصالح حسابات الائتلاف الحكومي. إلا أن ثمة توافقًا بينيًّا على منفعة اقتناص "مغانم" من أجواء المتغيرات التي أوجدتها الجماعات المتطرفة في المنطقة لصالح الاحتلال.
مخاطر محتملة:
اتخذت إسرائيل منذ تنامي صعود "جبهة النصرة" وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الأراضي السورية والعراقية، عدة إجراءات أمنية مشددة لصدّ أي تهديد مباشر ضدّه، وذلك عبر تعزيز تواجد قواته عند الحدود مع الجبهتين السورية والأردنية، وإصدار قانون يضع تنظيم "داعش" في خانة "المنظمات الإرهابية" ويحظر الانخراط فيه أو التعاطي معه تحت طائلة العقوبة، فضلا عن تحصين سفاراته وممثلياته الدبلوماسية في الخارج.
وبموازاة ذلك، يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للانخراط ضمن "التحالف الدولي" المناهض لتنظيم "داعش"، خاصة عبر التعاون الاستخباريّ المعلوماتي إلى حدّ الاستعداد لوضع قواعده أمام استخدام الطائرات الأمريكية في الحرب ضد التنظيم (هآرتس 17/9/2014)، وذلك إزاء ما يحقق له هذا الانضواء من فوائد عديدة، منها الاستعداد العسكري واللوجستي لمواجهة أي خطر محتمل.
ورغم أن إسرائيل لا تندرج في قائمة أولوية "تنظيم الدولة الإسلامية"، تبعًا لمعتقد "العدّو القريب أولى"، فإنه يخشى من تحول خطر "داعش" نحوه إذا ما قرر تغيير ترتيب أعدائه لسبب أو لآخر، فيما تشكل إمكانية تمدد "التنظيم" إلى حدّ إحكام سيطرته على مناطق أخرى، تحت مسمى "الدولة الإسلامية"، مصدر قلق بالغ عنده.
وقد تعزز الحراكُ الإسرائيلي المناهض للجماعات المتطرفة بزخم إعلامي داخلي، من خلال تقارير يومية تبث "الرعب" من التطرف الإسلامي، وخطورة التهديدات المحدقة بالكيان المحتل بسببه، فيما نشطت الدبلوماسية الإسرائيلية في ساحات دولية للتحذير من خطر الجماعات الإسلامية المتطرفة على المشهدين الإقليمي والدولي.
بيد أن أوساطًا عسكرية إسرائيلية انتقدت الاهتمام الرسمي غير العادي بتنظيم "داعش" على حساب الجماعات المتطرفة الأخرى، خاصة أن وجوده في سوريا مُرَكَّز في مناطق بعيدة عن الحدود مع الكيان الإسرائيلي، ولم يُشاهَد مقاتلوه في أي مكان قريب منه، بينما يتخذ الأردن إجراءات أمنية مشددة على حدوده مع الجبهتين السورية والعراقية بما يمنع تسلل مقاتلي التنظيم إلى ساحته، ومنها إلى الكيان الإسرائيلي.
غير أن تمدد "التنظيم" دفع "بجبهة النصرة" المرتبطة بالقاعدة، نحو التموضع في مناطق قريبة من الحدود مع سوريا، تزامنًا مع "اختراق المجموعات المتطرفة الموجودة في سيناء للحدود مع الكيان الإسرائيلي أكثر من مرة، بما يشكل خطرًا فادحًا ضدّه". بحسب تقرير صادر عن الاستخبارات الإسرائيلية (هآرتس، 20/9/2014).
وأفاد التقرير نفسه (18/9/2014) بأن "تنظيم "داعش" لا يضع إسرائيل ضمن أهدافه، ولا يهتم بها حاليًّا، فيما لا توجد أي إشارات مدللة على خطره القريب ضدّها"، متوقفًا عند تناقض مقولة أطراف حكومية بخطر تمدد التنظيم في الضفة الغربية، بينما يتم الإعلان يوميًّا عن إقامة مستوطنات جديدة في أراضيها، بما جرى ربطه ضمن سياق النقاش الداخلي الحاد حول زيادة ميزانية الدفاع الذي فجّر خلافًا بين نتنياهو ووزير المالية يائير لبيد مؤخرًا.
وترى أطراف في الحكومة الإسرائيلية أن خطر "داعش" يتجاوز التهديد العسكري المباشر ضد إسرائيل إلى حدّ إصابة مصالحه وأفراده في الخارج بالضرر، ويستدلون بهجوم أحد مقاتلي التنظيم، من أصول فرنسية، ضدّ المتحف اليهودي في بلجيكا، وكذلك حمل الصحفي الأمريكي ستيفن سوتلوف، الذي قطع رأسه على يد التنظيم، الجنسية الإسرائيلية، وذلك للتدليل على أن الإسرائيليين في ساحات تواجدهم ليسوا بعيدين عن الخطر.
وتتولد لدى الكيان الإسرائيلي خشية في ظل الحرب الدولية ضدّ "داعش"، من نسيان الخطر الممثل، بالنسبة إليه، في إيران، وإفضاء تقاطع المصالح بين واشنطن وطهران إلى تقارب بين الطرفين حول قضية الملف النووي الإيراني، وتخفيف الضغط عليها بسبب برنامجها النووي أملا في الحصول على مساعدتها في محاربة "التنظيم"، وهو الأمر الذي يحاول التنبيه إليه من خلال اجتماعاته مع المسئولين الأمريكيين.
مكاسب محتملة:
تواري إسرائيل خلف ستار تعظيم خطر الجماعات الإسلامية المتطرفة أهدافًا سياسية للاستفادة من أجواء المتغيرات الجارية في المنطقة.ويقع في المقام الأول لأهداف الاحتلال عنصر الاستفادة من انشغال دول المنطقة بمسار الحرب ضدّ الجماعات الإسلامية المتطرفة، وفي مقدمتها "داعش"، إلى ناحية تناسي نتائج عدوانه في غزة التي أفضت إلى انتصار المقاومة، وإعادة القضية الفلسطينية، بعد تراجع، إلى واجهة المشهدين الإقليمي والدولي، ما تبين في تصدرها وسائل الإعلام وتحريكها للجهود الدبلوماسية، وتحفيزها لتظاهرات التضامن الشعبية الحاشدة في مختلف دول العالم، بما فيها العواصم الغربية.
ويعوّل الاحتلال على مسألة "الانشغال" تلك، مع بقاء حالة التجاذب الإقليمي العربي التي برزت في مشهد مساعي التوصل إلى هدنة لوقف إطلاق النار في غزة؛ في حسر حراك عربي إسلامي مؤثر في دعم ونصرة الشعب الفلسطيني، وضعف الاهتمام بالمبادرة التي يعتزم الجانب الفلسطيني تقديمها إلى مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس المحتلة، طالما أنها مهددة "بالفيتو" الأمريكي، ما يمنحه الفرصة الكافية لتعميق الخلل القائم في الأراضي المحتلة لمصلحته، وسط انحياز أمريكي مفتوح له، ومواقف أوروبية متباينة من الصراع العربي–الإسرائيلي.
ولا تجد إسرائيل أيّ حرج في النهل من أفعال "داعش"، وأقرانه من الحركات المتطرفة المنسولة، مقولة أن "الإرهاب وليس الاحتلال الإسرائيلي أسّ عدم الاستقرار والأمن في المنطقة"، وفق نتنياهو، أو حتى الدفع بصيغة "محلِّلة" لمداميك الاحتلال، وكأنه غير موجود أصلا، وذلك تحوير جذري لتأصيله ككيان إحلاليّ استعماري استيطاني في فلسطين المحتلة.
ويسعى الاحتلال إلى استثمار الوضع المضطرب الذي أوجده "داعش" بالمنطقة في إعلاء صوت التحذير من خطره القادم إليه، كمسوغ أمام المجتمع الدولي للتمسك بشرط الحفاظ على السيطرة الأمنية في منطقة الأغوار، وبقاء جيش الاحتلال ضمن المنطقة الحدودية مع الأردن، مقابل رفض نشر قوات فلسطينية فيها، وذلك ضمن أي اتفاق تسوية يتم التوصل إليه مع الجانب الفلسطيني، بذريعة صعوبة الاتكال على الأجهزة الأمنية الفلسطينية لمقاومة "داعش" والحركات المتطرفة.
ويستقيم ذلك مع مشروع الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة التي يريدها مقسّمة الأوصال بين "دولة" زهاء 631 ألف مستوطن اليوم، يسعى إلى زيادتهم إلى مليون مستعمر خلال الأعوام القليلة القادمة، ضمن نحو 62% من مساحتها في المناطق المسّماة "ج" الغنيّة بالإمكانيات الطبيعية والاقتصادية، إلى جانب حكم ذاتي فلسطيني، باسم "سلطة" أو حتى "دولة"، ضمن الأجزاء المقطعة المتبقية، معنيّ بالشئون الحياتية للسكان خلا السيادة والأمن الموكولين للاحتلال، مقابل غزة معزولة بدولة ونظام مستقلين، وذلك غداة قضم المساحة المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وإخراج القدس من مطلب التقسيم.
ويرمي الاحتلال من وراء تعظيم مخاطر "داعش" القادمة ضدّه، إلى محاولة تحقيق ما فشل في إنجازه من أهداف "خائبة" خلال عدوان غزة، وذلك عبر المساواة بين "تنظيم الدولة الإسلامية" وحركة "حماس" وإبراز القواسم المشتركة بينهما، سبيلا للقضاء على المقاومة، ونزع سلاحها، وتصفية البنية التحتية للحركة.ويعتقد الاحتلال أن بفعله هذا يجد البيئة الحاضنة لتبرير التمسك بمطلب نزع سلاح المقاومة خلال مفاوضاته غير المباشرة بوساطة مصرية، مع الجانب الفلسطيني، والمقرر استئناف جولتها الثانية في القاهرة بعد عيد الأضحى، كما قد يسمح له بطمس أي معارضة لضرب "حماس"، والذي يشكل، في الأساس، المضيّ في نمط عدوانه الثابت ضدّ الشعب الفلسطيني.
وتحت مطيّة "العدوّ المشترك"، يسعى نتنياهو من خلال دعمه للتحالف الدولي ضد "داعش"، إلى توظيفه في خدمة تعزيز وضعه السياسي الداخلي، وترميم عطب شعبيته التي تراجعت، وفق استطلاعات الرأي، نتيجة عدم حسمه المعركة في قطاع غزة لصالح الاحتلال، والتي أعطت مناخًا مواتيًا لمطالب المعارضة بانتخابات إسرائيلية مبكرة، سيجد فيها المعسكر اليميني المتطرف موقعًا مريحًا، ما لم تحدث أي تطورات غير محسوبة حتى الموعد المحدد في حال حدوثه.
كما يبتغي نتنياهو مع النخبة السياسية والعسكرية، تعزيز مكانة الكيان الإسرائيلي عند حلفائه في الغرب، لدى ظهوره مصطفًّا إلى جانبهم في حربهم المشتركة ضدّ التطرف والإرهاب، ما يؤدي أيضًا إلى صرف الانتباه عن جرائمه في غزة، وتجميل وجهه القبيح، وتغيير صورته التي تشوهت في مختلف دول العالم، لا سيما الأوروبية منها، بوصفه "مرتكب جرائم حرب ضدّ الإنسانية".
إلا أن ذلك أنتج جدالا داخليًّا ربط بين "التحالف الدولي" ضدّ "داعش" وإقامة الدولة الفلسطينية، إما لجهة رؤية البعض، مثل الكاتب الإسرائيلي موشيه معوز، بضرورة "التوصل إلى اتفاق سلام مع الجانب الفلسطيني من أجل تذليل عقبات قبول المشاركة الإسرائيلية في التحالف"، وإما لناحية التحذير من إقامة دولة فلسطينية مستقلة ستكون، بحسب وزير الاقتصاد نفتالي بينت، "جبهة متقدمة لتنظيم داعش".
وفي المحصلة؛ لا شك أن الجماعات الإسلامية المتطرفة تخلق عند الكيان الإسرائيلي مبعث قلق بقدر الاستفادة السياسية من تجلياتها في خدمة مشروعه بالأراضي المحتلة، ما سينعكس في قادم الأيام استيطانًا وتهويدًا، الأمر الذي يتطلب دعمًا عربيًّا وإسلاميًّا لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني، مثلما يستلزم تحقيق المصالحة الفلسطينية، ووضع استراتيجية وطنية موحدة لمجابهة عدوان الاحتلال.