الوقت-لم تكن «حرب التصفية» بين الجماعات المسلّحة وليدة الأمس، إذ دخل «أمراء الحرب» منذ بداية الأزمة السورية في خندق «الإحتراب الداخلي» بعد إدخالهم سوريا في أتون الحرب التي قضت على أكثر من 300 ألأف شخص.
زهران علوش، صاحب حلم «الخلافة الأموية» الذي دفن معه، كان أبرز أعمدة «التصفية» بين الجماعات المسلحّة حيث تؤكد العديد من مراكز التوثيق أن ما يسمى بـ«جيش الإسلام» كبّد الجماعات المسلحّة أو ما أسماهم «المفسدين في الأرض» خسائر أكثر مما كبّد الجيش السوري . القضاء على «علوش» جاء في خضم الحروب والتصفيات داخل بيت «الجماعات المسلّحة » حيث يرى العديد من المراقبين أن هذه الأحداث لا تقل خطورة عن ضربات الجيش السوري، بل هي كفيلة في حال إستمرارها بأكل الألوية للسرايا والفصائل للمجموعات.
قد لا يختلف إثنان على فاعلية الإستراتيجيات الجديدة التي يعتمدها الجيش السوري وحلفائه في ميادين القتال، والتي أدّت إلى إنتصارات «إستراتيجية» بدءاً من الجنوب الدرعاوي مروراً بالوسط الحمصي وصولاً إلى الشمال الحلبي. إلا أن الأشهر الثلاث الأخيرة كشف اللثام عن «حرب إلغاء» بين الجماعات المسلحّة على مختلف إنتماءاتها ومرجعياتها تسبّبت بالقضاء بإستهداف العديد من قيادات الصف الأول والثاني.
العمليات المذكورة «ازدهرت» بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية. فقبل أيام، إغتيل أبو رغد الباشق،القيادي البارز في «جبهة النصرة» في حوران قرب بلدة أم المياذن (ريف درعا الشرقي)، وذلك بالتزامن مع الإشتباكات الدائرة بين "لواء شهداء اليرموك" المرتبط بتنظيم داعش الإرهابي وفصائل «جيش الفتح». حوادث الإغتيال هذه ترافق أيضاً مع إنفلات أمني في معظم مناطق سيطرة الجماعات المسلحة ساهم في إنتشار ظاهرة السرقة وقطع الطريق التي لازمت العديد من الطرق الواصلة بين القرى والبلدات الخاضعة للمسلحين في ساعات الليل المتأخرة.
في ظل عدم سيطرة طرف واحد على درعا وريفها، إنقسام «الكعكة الدرعاوية» على العديد من الجماعات المسلحة؛ جبهة النصرة، «جيش الإسلام»، «لواء التوحيد»، «فرقة أسود السنّة» المحسوبة على «الجيش الحر» أدى إلى واقع مزري للسكان، تماماً كحال العلاقة بين هذه الجماعات التي أدت إلى أكثر من 100 حالة إغتيال منذ مطلع العام 2015، وفق «مكتب توثيق الشهداء في محافظة درعا». يكشف هذا العدد الضخم الذي يضم قيادات بارزة عن واقع العلاقة المزرية بين مختلف المجموعات المسلحة من ناحية، وأبناء المجموعة نفسها من ناحية آخرى، بإعتبار أن حوالي الربع من حوادث الإغتيال هذه كانت عبارة عن «أكل المجموعات للقادة».
بصرف النظر عن الأسباب الكامنة وراء «حرب الإلغاء» هذه، ودور أجهزة الإستخبارات التي تسعى للسيطرة على المجموعات المسلّحة، لاسيّما الكبيرة منها، تكشف هذه الأحداث عن الحقيقة الجوهرية للعديد من أدعياء «الحرية»، فاذا كانت التصفية والإغتيال مصير محتّم لأبناء «البيت الواحد»، فكيف الحال إذا بسطت هذه الجماعات سيطرتها التامة على مناطق واسعة، كما هو الحال مع تنظيم «داعش الإرهابي»؟
بالحديث عن داعش، لم يكن حال التنظيم الإرهابي الأبرز في شمال ووسط سوريا بعيداً عن هذه الجماعات في الجنوب. فقد قام مؤحراً بالعشرات من عمليات التصفية سواءً بسببة الخيانة أو السرقة، فضلاً عن المعاراك التي يخوضها مع العديد من الفصائل السورية المسلحة كجبهة النصرة و«قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة أمريكيا. في آب الماضي نفذ عنصر تابع لتنظيم داعش الإرهابي عملية إغتيال طالت الضابط المنشق عبدالله حسين الرفاعي. وقبل أيام، أقدم التنظيم على تصفية مسؤوله العسكري في قطاع مطار دير الزور المدعو محمد صادق، وإعتقل مسؤولاً آخر الملقب "ابو رافع" مع 4 من معاونيه بتهمة "الخيانة"، إلا أن مسؤول "الرقابة الصحية" للتنظيم في المنطقة الشرقية لدير الزور المدعو "عزام محمد حمد الهادي" تمكّن من الفرار إلى تركيا بعد سرقة مبلغ 500 ألف دولار امريكي.
الوسط السوري أيضاً شهد االعديد من الحالات المماثلة، فقد خسرت «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» كل من عبدالله بركات «القائد العسكري في الحركة» الذي قتل مع نائبه عمار خضور في تشرين الماضي، وقبل فترة ليست ببعيدة لقي«عضو مجلس شورى حركة أحرار الشام الإسلامية وقائدها في حمص»، أبو راتب الحمصي، بعد إطلاق رصاص عليه من قبل مجهولين في قرية الفرحانية في ريف حمص.
كذلك، شهدت مدينة تلبيسة سلسلة من الإغتيالات طالت أشخاص بارزة أمثال إبراهيم السعيد «عضو المحكمة العليا التابعة لهيئة علماء حمص، والمسؤول الشرعي في اللواء 313»، والضابط المنشق أحمد خشفة «نائب قائد اللواء 313»، والشيخ أكرم الحاج عيسى «عضو بهيئة علماء حمص ورئيس علماء مدينة تلبيسة».
هذه غيض من فيض الحرب «القذرة» التي تخوضها الجماعات المسلّحة في سوريا.«حرب إلغاء» تنذر بتآكل المجموعات الإرهابية وإنتهائها على يد بعضها البعض.