الوقت - طوت حرکة الاخوان المسلمین فی مصر مراحل عدیدة منذ تأسیسها عام 1928، وکان لمؤسسها حسن البنا تجارب کثیرة فی مجال التبلیغ والوعظ الاسلامی قبل تأسیس الحرکة . وقد عمل البنا فی هذا المجال فی اطار الجماعات الصوفیة وجماعة الشبّان المسلمین والتی کانت من اهم خصائصها ایضا الترکیز علی الوعظ والتبلیغ الاسلامی وعدم التدخل فی السیاسة . وبعد سنة واحدة فقط من تأسیس حرکة الشبّان المسلمین انفصل البنا عن هذه الحرکة وأسس جماعة الاخوان المسلمین بسبب رغبته بالمشارکة فی النشاطات السیاسیة والاجتماعیة الأمر الذی کانت تعارضه حرکة الشبّان .
وکان الهدف النهائی والمعلن للاخوان المسلمین فی مصر یکمن فی احیاء الشریعة الاسلامیة وبناء مجتمع سیاسی قائم علی اساس الاسلام لمواجهة الهجمة الثقافیة والسیاسیة الغربیة، ولهذا اکدت الحرکة فی بدایة تأسیسها علی ضرورة الوحدة بین الدول العربیة ووحدة العالم الاسلامی برمته فیما بعد .
وعلی الرغم من الظروف المتقلبة التی عاشتها الحرکة الا انها اثبتت دینامیکیتها وقدرتها علی المحافظة علی نفسها حیث اکدت فی نظامها الداخلی الذی اقرته واعلنته عام 1945 علی اهمیة النهوض بواقعها والسیر نحو تحقیق اهدافها بشکل تدریجی " خطوة خطوة " .
وقبل انتهاء الحرب العالمیة الثانیة اختطت الحرکة لنفسها نهجا علی اساس عدم التدخل فی الامور السیاسیة والترکیز علی الوعظ الاسلامی فی مصر وباقی الدول العربیة . وبعد انتهاء الحرب شمّرت الحرکة عن ساعدها لتوسیع نطاق تحرکها واعلنت عزمها علی دخول المعترک السیاسی . وقد اعلن مؤسسها حسن البنا صراحة عن هذا الأمر وذلک خلال مقال حرره عام 1946 تحت عنوان " الاسلام سیاسة ".
وبعد هذا القرار حظیت الحرکة باهتمام الحکومة الملکیة فی مصر آنذاک وضاعف من هذا الأمر اندلاع الحرب لتحریر فلسطین من براثن الاحتلال الصهیونی والقدرة العسکریة التی اظهرتها الحرکة لخوض هذه الحرب فی ظل نشاط سیاسی وامنی لافت خلال تلک الفترة .
وبعد اغتیال رئیس وزراء مصر فی ذلک الوقت "نقراشی باشا" الذی کان یعارض حرکة الاخوان المسلمین بشدة بدأت موجة من الاغتیالات ضد رموز واعضاء الحرکة انتهت باغتیال رئیس الحرکة حسن البنا عام 1949 علی ید عناصر تابعة للحکومة .
وبعد اغتیال البنا تسلم قیادة الحرکة حسن الهضیبی الذی تمیز بنظرته الواقعیة وحرکته الدؤوبة، ومن ثم آلت القیادة الی عمر التلمسانی الذی ترک بصمات واضحة علی عمل الحرکة وتمیز بالمرونة فی اتخاذ القرارات وتغییر الرؤی قیاسا الی من سبقه فی قیادة الحرکة .
وشهدت الحرکة فی عهد التلمسانی تحولات جذریة ومهمة علی صعید تعاطیها مع الحکومة وبدأت باتخاذ خطوات مرنة جدا انعکست علی سیاستها وتصریحاتها لاسیما فیما یخص التعامل مع امیرکا والکیان الصهیونی . واستمرت الحرکة فی مسیرتها علی نهج التلمسانی رغم الجهود الحثیثة التی بذلها کل من "حامد ابو النصر" و "مصطفی مشهور" لاعادتها الی نهجها السابق. وخلال السنوات العشر الاولی من حکم الرئیس الاسبق محمد حسنی مبارک نحت الحرکة منحیً آخر تمیز بنشاطها شبه الرسمی والذی قوبل بالتسامح من قبل الحکومة. وفی عام 1990 اتفقت الحرکة مع حرکات واحزاب معارضة اخری علی مقاطعة الانتخابات لاعتقادها بأن نتائج هذه الانتخابات ستزور لصالح الحزب الحاکم. وخلال تلک الفترة بدأت الحرکات ذات التوجهات الاسلامیة تضاعف من نشاطها. وبسبب ذلک بدأت الحکومة بالتضییق علی جماعة الاخوان ووصل الأمر الی اعتقال رموزها واعضائها وتطویق نشاطها السیاسی والاجتماعی بحجة مواجهة العنف الذی اتهمت به الحرکة .
ولمواجهة هذا التضییق الذی کانت تمارسه الحکومة ضدها سعت الحرکة الی مضاعفة جهودها فی المجالات الاعلامیة وفی الاوساط الجامعیة والعمالیة وبین النخب الفکریة وداخل المؤسسات المدنیة من اجل حفظ وتعزیز وجودها الاجتماعی والسیاسی .
وبعد فترة عصیبة من النشاط الاعلامی تمکنت الحرکة من التخلص من تهمة الحکومة لها بالتعاون مع الجماعات المعارضة المتهمة باستخدام العنف . ومع انخفاض حدة الضغط الذی کانت تواجهه من قبل الحکومة قررت الحرکة المشارکة فی الانتخابات البرلمانیة عام 2000 لکنها لم تتمکن من الفوز بأکثر من 17 مقعدا بسبب الاقبال الجماهیری الضعیف علی المشارکة فی هذه الانتخابات .
وبعد احداث الحادی عشر من سبتمبر قررت الحکومة المصریة التخفیف من حدة المواجهة مع الاخوان المسلمین وغیّرت بعض القوانین الخاصة بالانتخابات ومن بینها قانون الانتخابات الرئاسیة بشکل یسمح لرموز لاحزاب الشعبیة واللیبرالیة بالمشارکة فی هذه الانتخابات. ونتیجة للضغوط الداخلیة والخارجیة التی کانت تواجها الحکومة المصریة فی ذلک الوقت اطلقت الاخیرة سراح العدید من السجناء السیاسیین ومن بینهم عدد من رموز واعضاء جماعة الاخوان المسلمین .
وبعد اندلاع الثورات الشعبیة فی العالم العربی سعی الاخوان المسلمون فی مصر الی استثمار الفرص التی وفرتها هذه الثورات بشکل یمکنها من التخلص من العراقیل السیاسیة والامنیة التی کانت تعانی منها فی السابق. وبسبب تمتع ثورات العالم العربی بالتأیید الشعبی ودعواتها لمواجهة الاستبداد سعی الاخوان المسلمون فی مصر الی تغییر سیاستهم کی تتطابق مع التوجه الدیمقراطی لتلک الثورات وتلفیقه مع دعوتها لتبنی الاسلام کحل، بهدف توظیف الطاقات الکامنة لدی الجماهیر العربیة لاسیما فی مصر لتحقیق اهدافها السیاسیة من جانب، ورفع مستوی اعتبارها ومشروعیتها فی داخل البلاد وفی المجتمع الدولی والتخلص من العراقیل التی کانت تضعها امامها الحرکات والجماعات المنافسة والتی قد تحول دون عودتها الی الواجهة من جدید من جانب آخر.
الاخوان المسلمین فی سوریا
تأسست حرکة الاخوان المسلمین فی سوریا عام 1935 فی مدینة حلب علی ید "مصطفی السباعی" مستلهمة افکارها ومبادئها واهدافها من حرکة الاخوان المسلمین فی مصر بهدف مواجهة الاستعمار الفرنسی واحتلاله للاراضی السوریة واعادة التوازن للوضع الاقتصادی المتدهور فی البلاد والسعی لانهاء الخلافات فی العالم العربی عن طریق احیاء الشریعة الاسلامیة .
وکان الهدف الاساس من تشکیل حرکة الاخوان المسلمین فی سوریا یکمن فی التصدی لنظام الانتداب التابع للاستعمار الفرنسی ورفع مستوی التوجه الشعبی لاحیاء الاسلام فی اوساط المجتمع، ولکن الحرکة غیّرت من اهدافها فیما بعد وخصوصا بعد نیل سوریا استقلالها ووظفت جمیع امکاناتها لمواجهة حزب البعث الحاکم والنظام شبه العلمانی الذی تبناه الحزب فی تلک الفترة .
وفی بدایة تأسیسها لم تکن حرکة الاخوان المسلمین فی سوریا تتبنی اسلوبا رادیکالیا وثوریا فی تعاطیها مع الاحداث الا أن شارکت فی التصدی للعدوان الصهیونی علی فلسطین عام 1948 وذلک فی اطار مشارکة الآلاف من المسلحین التابعین لجماعات الاخوان فی کل من مصر وسوریا والاردن رغم الاختلافات الفکریة وتباین الآراء بین هذه الحرکات حیال بعض القضایا فی تلک الفترة. فالاخوان المسلمون فی مصر سعوا فی ذلک الوقت الی حفظ وجودهم بکل الوسائل ومن اجل ذلک فضلّوا المشارکة فی النشاطات البرلمانیة فی بعض المراحل فیما فضلت حرکة الاخوان المسلمون فی الاردن الی حد کبیر التحرک فی نفس الاطار السیاسی الذی حدده النظام الملکی الحاکم وسعت من خلال ذلک الی المشارکة فی ادارة شؤون البلاد، فی حین اختار الاخوان المسلمون فی سوریا اسلوب المواجهة المسلحة مع نظام حزب البعث وسعوا الی تشکیل "حکومة اسلامیة" من خلال اعتماد المواجهة المسلحة لتحقیق هذا الغرض .
وفی بدایة تشکلها سعت حرکة الاخوان المسلمین فی مصر الی انتهاج اسلوب معتدل من خلال دعوتها المجتمع الی العودة الی الاسلام والمشارکة السیاسیة فی اطار تحرکات سلمیة بعیدة عن العنف والمواجهات المسلحة. کما سعت الحرکة الی نقل هذا الاسلوب الی دول عربیة اخری علی عکس الاخوان المسلمین فی سوریا الذین فضلوا اعتماد الاسلوب المسلح والرادیکالی لتحقیق اهدافهم بعد فترة من المشارکة فی النشاطات السیاسیة والبرلمانیة عبر الوسائل السلمیة وتحدیدا فی العقدین الخامس والسادس من القرن الماضی الا انهم لجأوا الی المواجهة المسلحة ضد النظام الحاکم بعد تسلم حزب البعث لمقالید السلطة فی البلد عام 1963 ، ومن بین الاسباب التی دعتهم الی اعتماد هذا الاسلوب ما یلی :
1 – السیاسة شبه العلمانیة التی انتهجها حزب البعث فی قیادته للدولة فی سوریا وتأکیده علی الأیدیولوجیة الاشتراکیة العربیة لاثبات مشروعیته، وسعیه لفصل الدین عن السیاسة، الأمر الذی رفضته حرکة الاخوان المسلمین فی هذا البلد .
2 – حل جمیع الاحزاب السیاسیة فی البلد من قبل حزب البعث الحاکم وانهاء دور البرلمان فی الحیاة السیاسیة .
3 – معارضة الحرکة لمشروع الوحدة العربیة الذی طرحه الرئیس المصری الاسبق جمال عبد الناصر عام 1958 .
4 – ازدیاد الضغوط السیاسیة والاجتماعیة علی الحرکات المناهضة لحزب البعث لاسیما حرکة الاخوان المسلمین .
ولکن یجب القول ان تحرکات جماعة الاخوان المسلمین فی سوریا اتسمت خلال السنوات الخمس الاولی من حکم الرئیس السابق حافظ الاسد بالاعتدال وعدم اللجوء العنف فی مواجهة النظام للاسباب التالیة :
- ضعف تنظیم الحرکة وعدم تبلور القیادة فی صفوفها .
- السیاسة الوحدویة التی انتهجها الرئیس حافظ الاسد ودعوته لتشکیل اتحاد عربی جماهیری مع کل من مصر ولیبیا والذی تجلی بوضوح خلال حرب اکتوبر عام 1967ضد العدو الصهیونی.
- التحسن النسبی فی الوضع الاقتصادی السوری بسبب المساعدات السخیة التی کانت تقدمها البلدان العربیة الغنیة بالنفط الی هذا البلد .
ولکن حرکة الاخوان السوریة غیّرت اسلوبها الی المواجهة المسلحة مع نظام الرئیس حافظ الاسد فی سنوات لاحقة خصوصا بین عامی 1976 و1982 للاسباب التالیة :
1 – التدخل العسکری السوری فی لبنان وما اعقبه من اتهام بعض الفصائل الفلسطینیة واللبنانیة لدمشق بعدم المبالاة بمصیر الفلسطینیین والمخیمات الفلسطینیة فی لبنان .
2 – السیاسة شبه العلمانیة التی انتهجها حزب البعث الحاکم فی سوریا وحذفه لفقرة " الاسلام هو الدین الرسمی للدولة " من دستور البلاد عام 1976 .
3 – ارتفاع مستوی القدرة التنظیمیة لحرکة الاخوان المسلمین فی سوریا اثر انتخاب "عدنان سعد الدین" لقیادة الحرکة عام 1976 وتشکیل الجبهة الاسلامیة السوریة بعد الاتئلاف الذی حصل بین القوی الاسلامیة المعارضة والقوی الیساریة والوطنیة عام 1980.
4 – تدهور الوضع الاقتصادی فی سوریا بسبب النفقات العسکریة الباهظة التی سببها التواجد العسکری السوری فی لبنان وما رافقه من قطع أو خفض للمساعدات التی کانت تقدمها بعض الدول العربیة لهذا البلد، والتی تزامنت مع غلق انبوب النفط العراقی الممتد عبر الاراضی السوریة الی البحر الابیض المتوسط من قبل الحکومة العراقیة عام 1978 والذی کانت تقدر عائداته وتصب فی صالح دمشق بـ 136 ملیون دولار سنویا .
وعلی العموم فإن مستوی العنف الذی کانت تتبناه حرکة الاخوان فی سوریا قد تراجع بشکل ملحوظ منذ عام 1983 واستمر هذا التراجع طیلة تسعینات القرن الماضی واصیبت الحرکة بالضعف فی تلک الفترة قیاسا الی وضعها فی أواخر عقد السبعینات واوائل عقد الثمانینات من القرن الماضی ایضا .
یتبع
