الوقت - لم يكن السابع من أكتوبر مجرد ذكرى تحيا في أرض فلسطين المحتلة، بل امتد شبحه لينسج تفاصيله الدامية في أرضٍ بعيدة، أستراليا، حيث قُتل أحد عشر إسرائيلياً على الأقل في حادث إطلاق نارٍ على شواطئ سيدني يوم الأحد الماضي، وفي خضمّ مشاهد الرعب، سارع “بتسلئيل سموتريتش”، وزير المالية الإسرائيلي، إلى مقارنة هذه الواقعة بواقعة السابع من أكتوبر، قائلاً إنّ الصور المفزعة التي خرجت من سيدني، أعادت إلى أذهاننا مشاهد ذلك اليوم الدامي.
لقد شكّل هذا الهجوم، الذي يُعدّ الأعنف على الإسرائيليين خارج الأراضي المحتلة منذ عاصفة “طوفان الأقصى” في الـ 7 من أكتوبر 2023، علامةً فارقةً في مسيرة العنف، حيث نفّذه اثنان من المسلحين، لقي أحدهما حتفه في ساحة الجريمة، بينما قُبض على الآخر من قبل الشرطة الأسترالية.
وقع هذا الهجوم أثناء احتفال الإسرائيليين بعيدهم الديني المعروف بـ"عيد هانوكا"، وهو احتفالٌ شهد مشاركة نحو ألف شخص، وقد تم الكشف عن هوية أحد المهاجمين، وهو مواطن باكستاني يقيم في سيدني، ومن بين الضحايا، كان الحاخام “إلي شلينغر”، رئيس الهيئة الصهيونية “حباد”، الذي برز اسمه في قائمة القتلى، إذ كان من أبرز الداعمين للاحتلال، حيث اعتاد السفر إلى غزة خلال العامين الماضيين ليشجع الجنود الإسرائيليين على مواصلة جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.
لم تكن هذه الواقعة هي الأولى من نوعها، فقد واجه الإسرائيليون خلال العامين المنصرمين، بالتزامن مع حرب غزة، موجاتٍ متزايدة من الانتقادات والردود السلبية من مختلف الشعوب، إنّ هذا الواقع يعكس تنامي حالة الرفض العالمي تجاه "إسرائيل" وسياساتها.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “هآرتس” تقريراً لاذعاً ينتقد سياسات بنيامين نتنياهو التي عمّقت الكراهية العالمية تجاه "إسرائيل"، مشيرةً إلى أنّ نتنياهو، خلال عامين من الحرب ضد غزة، قد جعل العالم بأسره يمقت الإسرائيليين ويُبدي نفوراً عارماً من الصهيونية.
تصاعد الكراهية العالمية تجاه الصهيونية
تشير استطلاعات رأي أجريت هذا الصيف على نطاقٍ دولي، بتنظيم مركز “بيو” للأبحاث، إلى أنّ النظرة السلبية تجاه "إسرائيل" ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في تصاعدٍ مستمر في العديد من دول العالم، وقد شمل هذا الاستطلاع 24 دولة بمشاركة أكثر من 28 ألف شخص، حيث تم تقييم صورة نتنياهو في تلك الدول، ووفقاً لتقرير صحيفة “يديعوت أحرونوت”، لم يحظَ نتنياهو بدعم يتجاوز ثلث المشاركين سوى في دولتي كينيا ونيجيريا.
كما كشفت النتائج أنّ النظرة العامة تجاه "إسرائيل" تسودها السلبية، حيث أبدى معظم المشاركين في 20 دولة من أصل 24 رأياً غير مُحبّذٍ تجاه "إسرائيل" والصهيونية. ففي الولايات المتحدة، أعرب 53% من المشاركين عن موقفٍ سلبي من "إسرائيل"، بزيادةٍ قدرها 11% مقارنةً بعام 2022، وفي بريطانيا، ارتفعت نسبة المعارضين لـ "إسرائيل" من 44% في عام 2013 إلى 61% في الوقت الراهن.
إنّ هذه الأرقام وما تعكسه من مواقفٍ متزايدة السلبية تجاه "إسرائيل" تؤكد أنّ الصورة العامة لهذا الكيان في أذهان الشعوب باتت مشوّهةً، وأنّ الكثير من الأمم باتت تقف موقف الرافض والمُستنكر لسياساته وممارساته.
تغيير نظرة المواطنين الغربيين تجاه "إسرائيل"
تُظهر الحوادث الأخيرة التي وقعت في أستراليا، حيث استُهدِف اليهود، أن النظرة إلى الصهيونية قد تراجعت حتى في دول الغرب. فوفقاً لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة “يوغوف”، بلغ الدعم العام للکيان الصهيوني في أوروبا أدنى مستوياته منذ عام 2016، وكان السبب الرئيس في ذلك هو الجرائم والمذابح التي ارتُكبت في غزة، بالإضافة إلى عنف المستوطنين في الضفة الغربية، وتشير نتائج الاستطلاع إلى أن أقل من خُمس المستجيبين في ست دول من أوروبا الغربية قد عبّروا عن آراء إيجابية تجاه "إسرائيل"، بينما أبدت الغالبية العظمى مواقف سلبية تجاه أفعال هذا الكيان، ولا سيما هجماته على غزة وجرائمه المتكررة.
وتشير النتائج إلى أن الدعم لـ "إسرائيل" قد تراجع إلى أدنى حد له منذ 2016. فمثلاً، بلغت نسبة النظرة السلبية تجاه "إسرائيل" في ألمانيا 44 بالمئة، وفي فرنسا 48 بالمئة، وفي الدنمارك 54 بالمئة، بينما كانت النسبة في إيطاليا 52 بالمئة، وفي إسبانيا 55 بالمئة، وفي بريطانيا، أظهر ما لا يقل عن 44 بالمئة من المواطنين آراء سلبية تجاه هذا الكيان.
بوجه عام، لم تتجاوز نسبة المستجيبين الذين يحملون آراء إيجابية تجاه هذا الکيان في كل من الدول الست الأوروبية 13 إلى 21 بالمئة، في حين عبّر بين 63 إلى 70 بالمئة عن آراء سلبية تجاهه.
وفي هذا السياق، حذّر مارتين سانديفو، المحلل والخبير الاقتصادي الأوروبي، في تقريرٍ نشرته “الفايننشال تايمز”، من أن صبر أوروبا إزاء النزعة الحربية لبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، والعنف المستمر للمستوطنين في الضفة الغربية، قد بات على وشك النفاد، وأوضح أن هذا الاستطلاع يُظهر أن الصهيونيين باتوا يتربعون على عرش الكراهية في مجتمعات الدول الأوروبية.
انقسام في الولايات المتحدة حول تل أبيب
حتى في صفوف الأمريكيين، الذين يُعدّون الحلفاء الرئيسيين لهذا الکيان، تصاعدت الخلافات، فقد كتب إيان وارد في “بوليتكو” أن العلاقة بين الجمهوريين الأمريكيين و"إسرائيل"، التي كانت تُناقش سابقاً في دوائر ضيقة وغير معلنة، قد تحولت بعد حرب غزة إلى أحد أبرز المناقشات العلنية في حركة “ماجا”، هذا الانقسام، الذي ينشأ من التعارض بين شعار “أولاً أمريكا” والدعم التقليدي الواسع الذي تقدمه واشنطن لـ "إسرائيل"، قد أوقع مجموعةً من السياسيين ووسائل الإعلام والنشطاء المحافظين في صراعٍ هوياتي داخل التيار اليميني الأمريكي، وفي هذا السياق، يجادل بعض المحافظين بأن الدعم غير المشروط لـ "إسرائيل" يتعارض مع المصلحة الوطنية الأمريكية.
إن الانخفاض الملحوظ في مستوى الدعم للکيان الإسرائيلي بين المحافظين الشباب في أمريكا، قد أفسح المجال لظهور أصوات نقدية، إذ ترى هذه المجموعة أن الدعم المالي والعسكري لـ "إسرائيل" يتناقض مع الوعود الاقتصادية والداخلية التي لم تتحقق بعد من قبل الجمهوريين، وتعتبره دليلاً على تفضيل المصالح الخارجية على مطالب الناخبين الأمريكيين، ما يدفعهم للمطالبة بتقليص الدعم الأمريكي لـ "إسرائيل".
علاوةً على ذلك، فإن بعض الجمهوريين الأمريكيين، الذين كانوا في السابق من المدافعين الشرسين عن "إسرائيل"، بدؤوا الآن يشيرون إلى هذا الكيان كحليفٍ مكلف يُسهم في جرّ أمريكا إلى حروبٍ غير مرغوبة، ما دفعهم للمطالبة بوقف الدعم عنه.
