الوقت- رغم مرور أسبوع على إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والعرض الدعائي الصاخب لدونالد ترامب في شرم الشيخ، مصر، حول تحقيق السلام!، لم ينقشع شبح الحرب تمامًا عن سماء غزة، وبدأ الكيان الصهيوني يختلق الأعذار باستمرار للعودة إلى الحرب بعد إطلاق سراح أسرى من حماس، وأفادت بعض المصادر بأن الكيان الإسرائيلي حذّر الولايات المتحدة من أنه في حال عدم إعادة حماس جثث الجنود الإسرائيليين، فسيتم إيقاف تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
وتُظهر تجربة العقود القليلة الماضية أن اتفاقيات وقف إطلاق النار لم توقف آلة الحرب الصهيونية، وهذه المرة أصبحت قضية "جثث الأسرى الصهاينة" أداةً في يد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتمهيد الطريق لهجمات جديدة على غزة باتهام حماس، الجثث، التي لم تكن ذات أهمية تُذكر لسلطات تل أبيب خلال العامين الماضيين، اكتسبت الآن قيمة سياسية وأمنية واضحة، وأصبحت وسيلةً لتحقيق أهداف سياسية.
ووفقًا لموقع أكسيوس، نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين، زعم نتنياهو في محادثة مع ترامب أن حماس لا تبذل جهودًا كافية لإعادة جثث الأسرى الإسرائيليين المتوفين، وأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة لا يمكن أن يدخل المرحلة التالية حتى يتغير هذا الوضع، ومع ذلك، ردًا على هذه الاتهامات، اتهمت حماس نتنياهو بعرقلة الاتفاق، وأعلنت أن استخراج جثث الأسرى سيستغرق وقتًا، لأن بعض هذه الجثث مدفون تحت أنفاق مدمرة، والبعض الآخر تحت أنقاض مبانٍ قصفها الصهاينة ودمروها بأنفسهم.
وصرحت حماس، بعد إعادة عدد من جثث الأسرى الإسرائيليين، أنه لم يعد لديها الآن جثث لإعادتها، وأن المزيد من عمليات انتشال الجثث يتطلب جهودًا ومعدات خاصة، لذلك، تقع مسؤولية أي تأخير في تسليم الجثث بالكامل على عاتق حكومة نتنياهو، ما يحول دون وصول المعدات والمرافق اللازمة، وحسب حماس، فإن "نتنياهو لا يلتزم بتعهداته، بل يُعيق جهود المقاومة للوصول إلى الجثامين المتبقية".
وهذا يُظهر أن ادعاء تل أبيب بتسريع عملية إعادة الجثامين هو في الغالب دعائي وسياسي، وهو في الواقع ذريعة لتبرير المزيد من الهجمات واللجوء إليها، هذه التهديدات من تل أبيب قد تُعيق بشكل خطير مفاوضات المرحلة التالية من الاتفاق، وتُهدد الاستقرار في غزة.
وخلال الأيام العشرة الماضية، انتهك الكيان الصهيوني اتفاق وقف إطلاق النار مرارًا وتكرارًا، واستشهد وأصيب العشرات من الفلسطينيين خلال هذه الفترة، يكشف هذا الانتهاك المتكرر عن حقيقة تعامل الكيان الصهيوني مع وقف إطلاق النار، ويُظهر أن الصهاينة لن يلتزموا بأي اتفاق يمنعهم من ممارسة الضغط وتحقيق أهدافهم العسكرية.
محاولة نتنياهو للحفاظ على الحكومة المنهارة
يسعى الكيان الصهيوني إلى تحقيق عدة أهداف من خلال عرقلة وقف إطلاق النار. يُماطل نتنياهو وحكومته علنًا في تطبيق وقف إطلاق النار في غزة بذريعة عدم تسليم جثث الأسرى الإسرائيليين، ويستخدمون هذه القضية كأداة لتحقيق أهدافهم السياسية والعسكرية، ويُمكّن اتهام حماس نتنياهو من إدارة المعارضة والضغط الداخليين والحفاظ على الأسس المهتزة لائتلافه اليميني، وقد أعلن وزراء متشددون، مثل إيتامار بن جيفر وبتسلئيل سموتريتش، سابقًا أنهم سينسحبون من الائتلاف إذا قُبل الاتفاق مع حماس بالكامل، وهو احتمال سيضع ضغطًا سياسيًا مكثفًا على رئيس الوزراء ويدفعه إلى البحث عن المزيد من وسائل الضغط.
الضغط على حماس للحصول على المزيد من التنازلات
يُعدّ تسليط الضوء على قضية جثث الأسرى أيضًا ورقة ضغط لنتنياهو للحصول على المزيد من التنازلات في المفاوضات المقبلة، ويُظهر تقييد دخول المعدات والمساعدات الإنسانية إلى غزة بهدف الضغط على حماس للحصول على تنازلات أمنية وسياسية، أن هذا الإجراء يتجاوز مجرد نزاع إنساني، بل هو أداة استراتيجية لتعزيز موقف الكيان الصهيوني على طاولة المفاوضات وتبرير العمليات العسكرية المستقبلية، وعلى الرغم من موافقة حماس على الشروط العامة لوقف إطلاق النار، إلا أن قضايا رئيسية مثل نزع سلاح المقاومة والإدارة السياسية لغزة في فترة ما بعد الحرب لا تزال نقاط خلاف.
ويهدف تأخير تل أبيب في تنفيذ وقف إطلاق النار أيضًا إلى إضعاف حماس والضغط على كتائب المقاومة، كان الهدف الرئيسي من الهجوم البري على غزة هو تدمير حماس، ولكن بعد أكثر من عامين، اتضح أن هذه الخطة قد فشلت، لا تزال كتائب القسام حاضرة في شوارع غزة، ومن وجهة نظر المحللين الصهاينة، يُظهر استعراض قوة مقاتلي حماس في جميع أنحاء غزة أن هذه الحرب كانت بلا إنجاز، وأنها هزيمة واضحة لحكومة نتنياهو المتطرفة.
ولهذا السبب، يعتقد نتنياهو أنه من خلال إلقاء ظلال الحرب على قطاع غزة، يمكنه الضغط على حماس لقبول نزع السلاح، وبالتالي كسب تأييد النقاد.
وإذا استؤنف القتال، فستكون له عواقب بعيدة المدى على الأراضي المحتلة والمنطقة بأسرها. إن العودة إلى العنف لن تُخفف الضغط الداخلي على نتنياهو فحسب، بل قد تزيد أيضًا من الانتقادات الداخلية لحكومته، حيث أن حرب الاستنزاف التي استمرت عامين وتكاليفها الاقتصادية والسمعية والعسكرية الباهظة قد أنهكت سكان الأراضي المحتلة. ومن ناحية أخرى، وبالنظر إلى أن اتفاقية شرم الشيخ وُقعت بدعم دولي واسع، فإن أي عدوان إسرائيلي متجدد سيجلب موجة من الضغط الخارجي على تل أبيب. كما أن الصراعات الجديدة قد تؤثر على علاقات تل أبيب مع الدول العربية، وتعيق جهود فريق ترامب لدفع عملية التطبيع من خلال اتفاقيات إبراهيم.
باختصار، فإن عرقلة تل أبيب لوقف إطلاق النار بحجة إعادة جثث الأسرى الصهاينة تتجاوز مجرد نزاع فني أو إنساني، بل أصبحت أداة استراتيجية للحفاظ على النفوذ السياسي والعسكري والضغط في المفاوضات، وما دامت تل أبيب تفتقر إلى إرادة حقيقية للالتزام بالتزاماتها، فإن استمرار وقف إطلاق النار يبقى موضع شك.
                            