الوقت – في ليلة الخميس الموافق الثالث من أكتوبر 2025 بالتوقيت المحلي، تعرضت مصفاة شيفرون في إل سيغوندو بولاية كاليفورنيا لانفجارٍ مدوٍ وحريقٍ هائل تصاعدت ألسنة لهيبه لتُرى من مسافات شاسعة، ولم تُفصح الجهات المعنية بعد عن سبب هذا الحادث الجلل، بيد أنه في غمرة هجمات الناتو/أوكرانيا على منشآت الطاقة الروسية، دفع وقوع مثل هذه الحادثة بعض المراقبين والمحللين إلى التكهن بوجود صلة وثقى بين هذا الانفجار وانتقام روسي من حلف الناتو.
ومفاد هذا التكهن أن روسيا، عبر اختراقها الاستخباراتي وشبكتها العملياتية المتغلغلة، ربما أرادت إيصال رسالة ناصعة البيان للولايات المتحدة وحلف الناتو، وتمتلك مصفاة شيفرون في إل سيغوندو قدرةً تكريريةً تناهز 290 ألف برميل نفط يومياً، ومن أنفس منتجاتها الديزل ووقود الطائرات.
تنبثق هذه التكهنات من خلفية تقارير نشرتها منابر إعلامية مرموقة كرويترز ووول ستريت جورنال، تفيد بأن الولايات المتحدة اتخذت خطوةً غير مسبوقة في دعمها لأوكرانيا.
وبمقتضى ذلك، ستضع واشنطن للمرة الأولى في متناول كييف معلومات دقيقة عن مرافق الطاقة في عمق الأراضي الروسية، لتُستثمر في هجمات صاروخية بعيدة المدى تستهدف منشآت الطاقة الروسية.
تحليل شامل للمشهد الراهن
بتمحيص المعطيات المذكورة آنفاً، يمكن تفسير هذا المسلك الأمريكي كتصعيد للصراع في ميدان “حرب منشآت الطاقة”، ويُزعم أن غاية هذه الخطوة هي تقويض البنية التحتية للطاقة الروسية، دون انخراط أمريكا مباشرةً في أتون المواجهة.
من جانبها، لا ترى موسكو في هذا الأمر مستجداً يُذكر، وتدّعي أن الولايات المتحدة وحلف الناتو يرفدان أوكرانيا بالمعلومات بصورة منتظمة ومستدامة، ما يشي بأن الكرملين يعتبر هذا النمط من الإسناد جزءاً من المعادلة القائمة.
ونتيجةً لذلك، رغم اتساع رقعة الصراع، إلا أن إطلاق وصف “حرب شاملة للبنية التحتية للطاقة” بين هذه الكتل المتصارعة، يستدعي براهين وتقارير أكثر قطعيةً.
واستناداً إلى المعلومات المتاحة راهناً، يتجلى أن المواجهات المتمحورة حول منشآت الطاقة، وخاصةً المصافي، تشهد تصعيداً محموماً في الحرب بين أوكرانيا وروسيا، وتلوح مؤشرات على “حرب شاملة” أوسع نطاقاً، يمكن نعت هذه التطورات بـ"حرب المصافي" التي أضفت أبعاداً جديدةً على نسيج الصراع.
تمحيص أعمق للمشهد الراهن
لاستجلاء صورة أوضح لهذه الظروف المعقدة، تبرز النقاط المحورية التالية:
مدى وتأثير الهجمات
لا تنحصر هجمات أوكرانيا على المصافي في واقعة منفردة، فقد بلغت هذه الهجمات من النجاعة درجةً أنها، وفقاً للتقديرات، اقتطعت ما يربو على مليون برميل يومياً من القدرة التكريرية الروسية، ما أفضى إلى شحّ الوقود في مناطق متفرقة من روسيا، ولا تقتصر استراتيجية الناتو/أوكرانيا على المصافي فحسب، بل تمتد لتشمل محطات تصدير النفط في البحر الأسود والبلطيق، وحتى خط أنابيب دروجبا، ما ألقى بظلاله الثقيلة على صادرات روسيا وإيراداتها.
هذه الضربات لم تقوّض عائدات التصدير لموسكو فحسب، بل فرضت ضغطاً قاسياً على نسيج الاقتصاد ومعيشة المواطنين داخل روسيا.
تعزيز الترسانة العسكرية الأوكرانية
يبدو أن أوكرانيا تعكف على تطوير قدراتها الصاروخية، فقد تناهى إلى الأسماع ذكر منظومة صاروخية مستحدثة تُدعى “فلامينغو” قادرة على حمل رؤوس متفجرة أشدّ فتكاً، والوصول إلى أهداف في أعماق أبعد من الأراضي الروسية.
يمثّل هذا نقطة تحول محورية في ساحة “حرب الطاقة”، وبطبيعة الحال، ردت روسيا بهجمات كاسحة على شبكة الطاقة الأوكرانية، غير أنها تواجه معضلات استراتيجية عميقة الغور لتحقيق التكافؤ المنشود، وينبغي الأخذ في الحسبان أن الشطر الأعظم من القدرة التكريرية الروسية يتمركز في الجناح الأوروبي من البلاد، ما يجعلها في مرمى المسيّرات الأوكرانية، وهذا التركز يمثّل ثغرةً استراتيجيةً في الدرع الروسي.
الارتدادات على سوق النفط العالمي
لم تعد هذه المناوشات قضيةً إقليميةً محصورةً، بل ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي برمته، فقد كانت هذه الهجمات، مقرونةً بالعقوبات المفروضة على روسيا، من دوافع تصاعد أسعار النفط في الآونة الأخيرة، ويشهد هذا على أن اضطراب تدفق النفط الروسي قد أخلّ بتوازن السوق العالمية.
بالجملة، يمكن القول إن “حرب المصافي” حقيقة ميدانية جارية تتصاعد وتيرتها، بيد أن تحول هذا المنحى إلى “مقدمة لصراع أشمل” يرتهن بعوامل أشدّ تعقيداً، بما في ذلك الحسابات الاستراتيجية لروسيا، وتماسك حلف الناتو، والمستجدات غير المتوقعة في ساحة الحرب.
لماذا يتردد صدى “حرب المصافي”؟
هجمات أوكرانيا على مصافي روسيا
شنت أوكرانيا، مستعينةً بالمعلومات والأسلحة بعيدة المدى، هجمات ناجعة ضد مصافي النفط الروسية، وبلغت هذه الهجمات من الفعالية درجةً أنه، وفقاً لبعض التقديرات، تم اقتطاع مئات الآلاف من براميل النفط يومياً من القدرة التكريرية الروسية، ما أفضى إلى شح الوقود في مناطق متفرقة.
الإسناد الاستخباراتي والتقني من الناتو
أقرّ حلف الناتو خارطة طريق للتعاون في مجال الابتكار مع أوكرانيا، تهدف إلى مؤازرتها في تلبية احتياجاتها العاجلة من خلال حلول مبتكرة وتعزيز منظومتها الدفاعية، كما تشير التقارير إلى إمداد أوكرانيا بمعلومات دقيقة حول الأهداف في عمق الأراضي الروسية.
استهداف خطوط الإمداد ومصادر الطاقة
المرمى الاستراتيجي من هذه الهجمات هو قطع شرايين الإمداد العسكري الروسي، والنيل من عائدات التصدير التي تغذي آلة الحرب.
لماذا لم ينخرط حلف الناتو بصورة تامة بعد؟
خلافات جوهرية بين أقطاب الناتو
بينما تنادي دول كبولندا ودول البلطيق برد صارم على مزاعم انتهاك روسيا لمجالها الجوي، تدعو دول وازنة كألمانيا إلى “ضبط النفس” لتفادي وقوع الناتو في “شرك التصعيد” الروسي، وهذا التباين يقلّص من إمكانية بلورة استجابة موحدة وحازمة.
النأي عن المواجهة المباشرة والشاملة
وصف جنرال أمريكي بارز إسقاط المقاتلات الروسية بأنه عملية “محفوفة بمخاطر جسيمة”. وهذا يومئ إلى أن الناتو يسعى للسيطرة على مستوى الصراع والحيلولة دون تحوله إلى حرب شاملة بين أعضاء المنظومة وروسيا.
ارتهان بعض حلفاء الناتو للطاقة الروسية
تعارض بعض دول الناتو كتركيا والمجر وسلوفاكيا أي حظر شامل على واردات النفط والغاز الروسية، لأن ذلك يهدّد أمنها الطاقوي، وهذا الانقسام في صفوف التحالف يكبّل قدرة الناتو على ممارسة أقصى درجات الضغط على إيرادات الطاقة الروسية.
بصفة عامة، يمكن القول إن “حرب المصافي” تجري كصراع بالوكالة، لكن الناتو يحجم عن إضفاء الطابع الرسمي عليها وجعلها مباشرةً بسبب الخلافات الداخلية العميقة، والتوجس من تصعيد قد يفلت من عقاله، لذلك، رغم امتداد هذا الصراع إلى ميدان الطاقة، فإن تحويله إلى “مقدمة” حتمية لصراع أوسع يرتهن بحسابات أشدّ تعقيداً لم تلح في الأفق بعد رغبة جامحة فيها.
تحليل الارتدادات الأوسع مدى
قد يفضي استهداف البنية التحتية للطاقة، وخاصةً المصافي، إلى تداعيات اقتصادية وجيوسياسية تتخطى حدود ساحة المعركة:
اضطراب سوق الطاقة العالمية
أي خلل جسيم في تدفق النفط من منتج رئيسي، يضيف “زيادة مخاطر جيوسياسية” إلى أسعار النفط، فعلى سبيل المثال، خلال التوترات الأخيرة، حتى مجرد التوجس من إغلاق مضيق هرمز - الذي تعبره خمس تجارة النفط البحرية العالمية - كفيل بدفع سعر النفط إلى ما يتجاوز 90 دولاراً للبرميل.
تضخم تكاليف النقل والتأمين
مع تصاعد أوار التوترات، تتصاعد تكلفة تأمين ناقلات النفط بشكل باهظ بسبب مخاطر الحرب، وتنعكس هذه الأعباء الإضافية في نهاية المطاف على تكلفة الطاقة في الأسواق العالمية.
تأجيج الصراعات الإقليمية
قد تفضي الهجمات على منشآت الطاقة إلى توسيع رقعة الصراع، وإقحام لاعبين إقليميين آخرين تتشابك مصالحهم الحيوية في قطاع الطاقة.
خاتمة القول
تشير الدلائل الدامغة إلى أن حرب البنية التحتية للطاقة - وخاصةً “حرب المصافي” - قد ترسخت كحقيقة راسخة في الصراعات المعاصرة، هذا النهج، سواء تجلى في صورة صراع بالوكالة بين الناتو وروسيا أو كحرب شاملة، يمثّل بُعداً استراتيجياً محورياً من الحرب الحديثة يلقي بظلاله مباشرةً على الاقتصاد وأمن الطاقة العالمي.