الوقت- فلسطين تمثل منذ أكثر من سبعين عامًا واحدة من أطول وأعقد الصراعات في العالم الحديث، صراعٌ بدأ بجذوره في سياسات استعمارية في القرن العشرين، وامتد ليطال حياة ملايين الفلسطينيين، ما بين القتل والتشريد والحرمان من أبسط حقوق الحياة الكريمة.
على الرغم من انعقاد مئات الاجتماعات في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وما يصدر عنها من بيانات وقرارات، إلا أن الواقع على الأرض يظهر استمرار الكيان الإسرائيلي في فرض سيطرته على الأراضي الفلسطينية، وتوسيع مستوطناته، وتهجير السكان الفلسطينيين، مع تدمير يومي للمنازل والممتلكات.
في أحدث تصريحاته، أكد رياض منصور، المندوب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة، أن الشعب الفلسطيني يواجه محاولة منظمة لإنكار وجوده وهويته وحقوقه التاريخية، وشدد على أن الاحتلال الإسرائيلي لا يكتفي بالسيطرة على الأرض، بل يسعى إلى محو الهوية الفلسطينية وإلغاء أي ارتباط تاريخي للشعب الفلسطيني بأرضه.
إلا أن الخطابات وحدها لم تغير شيئًا على الأرض. منذ أكثر من سبعين عامًا، تتكرر الاجتماعات، وتصدر البيانات، بينما يستمر الكيان الإسرائيلي في سياسة الاستيطان، والتهجير، وتدمير المنازل، وفرض القيود على الحركة، ما يجعل السؤال: هل العالم ما زال يكتفي بالكلمات؟ أم حان الوقت للعمل الجاد لإنهاء الاحتلال؟
فلسطين: تاريخ طويل من الإنكار والمعاناة
تعود جذور مأساة فلسطين إلى النكبة عام 1948، مع إعلان قيام دولة "إسرائيل"، حين تم تهجير ملايين الفلسطينيين من ديارهم، وتحولت القرى والمدن الفلسطينية إلى أراضٍ محتلة، منذ ذلك الحين، عاش الفلسطينيون في الشتات واللجوء، وفي الداخل المحتل، تحت قيود صارمة واعتداءات متكررة من قبل الكيان الإسرائيلي.
رياض منصور أكد في كلمته أن الفلسطينيين اليوم يواجهون إنكار وجودهم وحقوقهم :"نواجه إنكار حقوقنا، ومحاولة مستمرة لطردنا من جغرافيا وتاريخنا، وإنكار علاقتنا بهذه الأرض، وإنكار حقوقنا كإنسان وكأمة."
هذا الإنكار لا يقتصر على البعد الرمزي أو السياسي، بل يمتد إلى الهدم المتواصل للمنازل، واغتصاب الأراضي الزراعية، وتدمير البنية التحتية، وتحويل الأحياء الفلسطينية إلى أنقاض، في غزة وحدها، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في ظروف مأساوية، مع حصار مستمر منذ أكثر من 15 عامًا، وانقطاع شبه كامل للكهرباء والمياه والخدمات الصحية.
الخطابات الدولية: كلمات بلا فعل
رغم كل البيانات والاجتماعات الدولية، يبقى معظم الحديث حول فلسطين خطابًا دبلوماسيًا بلا أثر ملموس على الأرض، كل بيان من مجلس الأمن، وكل اجتماع للأمم المتحدة، يتكرر فيه التأكيد على حماية المدنيين ووقف العنف، بينما الكيان الإسرائيلي يواصل الاستيطان وتوسيع سيطرته على الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين من المدن والقرى التاريخية.
حتى المبادرات الدولية التي تهدف إلى تحقيق "سلام مؤقت" غالبًا ما تتوقف عند حد الدعوات والتوصيات، دون أي خطوات فعالة لتغيير الوضع على الأرض، هذا الوضع يجعل الفلسطينيين يطالبون اليوم ليس بهدنة مؤقتة، بل بـ إنهاء الاحتلال بشكل دائم ونهائي، لضمان حقهم في الحياة والحرية والأمن والكرامة.
الأطفال والنساء هم الضحايا الرئيسيون
المأساة الفلسطينية تتجاوز السياسة لتصل إلى البعد الإنساني، حيث الأطفال والنساء هم الأكثر تضررًا، في غزة وحدها:
- أكثر من 50% من السكان دون سن 18، يعيشون تحت حصار مستمر وتهديد دائم بالانفجار العسكري.
- المدارس والمستشفيات تتعرض للهجمات، ما يجعل الحصول على التعليم والرعاية الصحية تحديًا يوميًا.
- آلاف المنازل تهدمت أو تضررت نتيجة الغارات والهجمات، ما تسبب في تشريد عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
الكيان الإسرائيلي، وفق تصريحات المنظمات الحقوقية الدولية، يعتمد سياسة ممنهجة لتفكيك المجتمعات الفلسطينية من الداخل، سواء عبر الهدم، أو الاعتقالات، أو التضييق على حرية الحركة، بهدف فرض واقع جديد على الأرض يقضي على أي وجود فلسطيني متماسك.
الاستيطان الإسرائيلي وسياسة الأرض المحروقة
أحد أبرز أشكال الانتهاك المستمر هو توسع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وشرق القدس، هذه المستوطنات غير القانونية وفق القانون الدولي، تغطي اليوم أكثر من 10% من أراضي الضفة الغربية، وتخلق شبكة من المعابر والحواجز تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم، أو ممارسة حياتهم الطبيعية.
السياسات الإسرائيلية تشمل أيضًا:
- مصادرة الأراضي الزراعية الفلسطينية وتحويلها إلى مناطق استيطانية.
- إنشاء جدران فصل ومستوطنات محصنة عسكريًا تحاصر المدن والقرى الفلسطينية.
- منع البناء الفلسطيني في مناطق واسعة من الضفة الغربية، مع هدم المنازل الفلسطينية دون سابق إنذار.
هذه الإجراءات لا تؤثر فقط على الحياة اليومية، بل تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية والسياسية، وتحويل الأرض الفلسطينية إلى أراضٍ تحت سيطرة الكيان الإسرائيلي بشكل دائم.
غياب الحلول الفعلية
مع كل هذه الممارسات، يبقى السؤال: لماذا لم يتحقق حل سياسي عادل حتى الآن؟ الإجابة تكمن جزئيًا في غياب الإرادة الدولية الصادقة، وغالبًا ما تُستبدل القرارات المُلزمة بخطابات وشعارات بلا فعل حقيقي.
منذ سبعين عامًا، تتكرر الاجتماعات الدولية، وتصدر القرارات، ويظل الاحتلال مستمرًا، مما يثبت أن الخطابات وحدها لا تكفي، الواقع على الأرض يظهر أن ما يشهده الفلسطينيون منذ أكثر من سبعين عامًا هو مجرد كلمات، بينما تتواصل سياسات التوسع الاستيطاني، والتهجير، والهدم، والعنف اليومي.
حتى المبادرات التي أُطلقت باسم "السلام" أو "حل الدولتين" غالبًا ما تُستخدم كغطاء سياسي، بينما يواصل الكيان الإسرائيلي فرض وقائع جديدة على الأرض تعقد أي حل مستقبلي.
الرسالة الفلسطينية للمجتمع الدولي
رياض منصور بعث برسالة واضحة للعالم: حق الفلسطينيين في الحياة والحرية والأمن والكرامة لا يمكن التفاوض عليه بالكلمات وحدها، لا يكفي مجرد الإعراب عن الأسف أو الدعوة إلى التهدئة، بل المطلوب هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بشكل دائم وضمان حقوق الفلسطينيين كاملة دون تأجيل.
وأكد منصور أن أي محاولة لإرضاء الأطراف المتنازعة عبر الخطابات وحدها ستفشل كما فشلت طوال العقود الماضية، وأن السلام الحقيقي يتطلب إرادة سياسية جادة، وإجراءات ملموسة على الأرض، تشمل:
- وقف جميع أعمال التوسع الاستيطاني.
- إنهاء سياسة الهدم والتهجير القسري.
- فتح المعابر والسماح بحرية الحركة الفلسطينية.
- حماية المدنيين وتقديم ضمانات حقوقية دولية قابلة للتنفيذ.
فلسطين اليوم ليست مجرد قضية سياسية، بل رمز لصراع طويل بين الحق والباطل، بين وجود شعب وحقوقه، وبين الاحتلال وسياسات التمييز والتهجير. أكثر من سبعين عامًا من المعاناة تثبت أن الخطابات وحدها لم تغير شيئًا.
مئات الاجتماعات، وقرارات، وبيانات، وأحاديث دبلوماسية لم توقف نزيف الدماء، ولم تحمِ الأطفال والنساء، ولم توقف تدمير المنازل والمجتمعات الفلسطينية.
ما يحتاجه الفلسطينيون اليوم هو عمل حقيقي على الأرض، وليس كلمات في غرف الاجتماعات الدولية. إن حق الفلسطينيين في الحياة والحرية والأرض لا يمكن التفاوض عليه بالكلمات وحدها، والسلام العادل والدائم يتطلب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإنهاء كافة أشكال الظلم والقمع، وتحقيق العدالة الإنسانية على الأرض.
الخطاب الفلسطيني اليوم واضح: لا مزيد من الكلمات، المطلوب أفعال تحقق العدالة، وتضع حدًا لمعاناة الفلسطينيين بعد أكثر من سبعين عامًا من الاحتلال والمعاناة اليومية.