الوقت – إن الغارة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت العاصمة القطرية - الدوحة - تتجاوز في مراميها حدود العملية العسكرية ضد قادة حماس، فهذا الاعتداء السافر قد دنَّس حُرمة الدولة الوسيطة في مأساة غزة، وأيقظ في صدور العواصم العربية حقيقةً ناصعةً مفادها بأن لا دروع واقية تصدّ عنها غطرسة تل أبيب وتصرفاتها الأحادية، وقد تجلت في موجة الاستنكارات غير المسبوقة من الدول العربية وتركيا وحتى بعض الحلفاء الغربيين، نُذُر انقلاب موازين العلاقات الإقليمية الدقيقة وانهيار صروحها.
وما يجدر استشرافه أنه في الأمد القريب، ستسعى الدوحة جاهدةً لنسج إجماع مناوئ لـ "إسرائيل"، في حين ستجنح الدول العربية على الأرجح إلى تصعيد لهجتها صوناً لماء وجهها أمام جماهيرها الغاضبة، وقد أضحت مسيرة التطبيع المتعثرة بين "إسرائيل" وبعض الدول العربية على شفا جرف هار، مهددةً بالتوقف أو الوهن الشديد، وربما تغدو أواصر التعاون الاستخباراتي والأمني مع تل أبيب محل ريبة وتمحيص.
وفي الأمد المتوسط، وهبت هذه الغارة الغادرة لمحور المقاومة فرصةً ذهبيةً لاستقطاب الدعم السياسي والمالي على رقعة الشطرنج الإقليمية، وقد تنبري تركيا ومصر والأردن لإعادة صياغة بوصلة سياساتها، ساعيةً لتخفيف أعباء التقارب مع "إسرائيل" على الصعيدين الداخلي والإقليمي.
وما يستوجب التنويه أنه على المسرح الدولي، تتصاعد الضغوط الدبلوماسية على "إسرائيل"، وقد يفضي استدعاء مجلس الأمن للانعقاد إلى نسج ملف قانوني-سياسي يقوّض أركان هذا العدوان الصارخ، وهذا المشهد المضطرب، مقترناً بالأزمات المتفاقمة، ينخر في عظام الأمن بغرب آسيا ويزيده وهناً.
وفي خاتمة المطاف، رامت "إسرائيل" من وراء هذه الغارة أن تبعث برسالة قوة وجبروت، بيد أنها - على ما يبدو - عوضاً عن تدعيم موقفها، قد قوّضت دعائم التطبيع وبددت غيوم الثقة السياسية في ربوع المنطقة، ويظل المستقبل رهين مدى براعة الدول العربية في اغتنام هذه الفرصة السانحة لصياغة موقف موحد كالبنيان المرصوص، أو انزلاقها مجدداً إلى دوامة التشرذم وتناثر المواقف كهباء منثور.