الوقت-أصدر وزراء خارجية 31 دولة عربية وإسلامية، إلى جانب الأمناء العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، بيانًا مشتركًا يوم الجمعة الـ 16 من أغسطس 2025 أدانوا فيه تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول ما تُسمى "إسرائيل الكبرى".
وصف البيان هذه التصريحات بأنها استهانة صارخة بالقانون الدولي، وتشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي والسلم الإقليمي والدولي، مؤكدًا أن المجتمع الدولي ملزم باتخاذ خطوات عملية لوقف أي سياسات توسعية قد تنطلق من هذه الرؤية، بما يحافظ على الاستقرار في المنطقة.
خلفية التصريحات الإسرائيلية
خلال مقابلة مع قناة i24 الإسرائيلية، سُئل نتنياهو عن رؤيته لما تسمى "إسرائيل الكبرى"، فأجاب بأنه مرتبط جدًا بهذه الرؤية، وتشير المعلومات إلى أن هذه الرؤية، وفق التصريحات الإسرائيلية، تشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة وأجزاء من دول عربية أخرى، وهو ما يعتبر تهديدًا استراتيجيًا للأمن القومي العربي ويثير مخاوف جدية لدى الفلسطينيين وجيران "إسرائيل".
يأتي هذا التصريح في وقت تتزايد فيه النشاطات الاستيطانية في مناطق مثل "E1" في الضفة الغربية، والتي تعتبر حلقة وصل بين القدس والضفة الغربية، ما يهدد إقامة دولة فلسطينية مستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
مضمون البيان العربي–الإسلامي
البيان المشترك الصادر عن وزراء خارجية 31 دولة عربية وإسلامية والأمناء العامين للهيئات الثلاث أكد أن تصريحات نتنياهو تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وخاصة القرار رقم 2334، الذي يدين الاستيطان ويعتبره غير قانوني.
وأوضح البيان أن استمرار الاحتلال والتوسع الاستيطاني الإسرائيلي يشكل عقبة رئيسية أمام عملية السلام، ويهدد فرص التوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وناشد البيان المجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن والولايات المتحدة الأمريكية، لاتخاذ خطوات فورية وحاسمة لوقف التوسع الاستيطاني ورفع الحصار عن قطاع غزة، وتقديم الدعم الإنساني العاجل للفلسطينيين، بما في ذلك المساعدات لإعادة الإعمار وتحقيق التعافي الاقتصادي والاجتماعي.
أعاد البيان التأكيد على رفض أي سياسة توسعية تعتمد على القوة، مؤكدًا أن الحلول السياسية يجب أن تستند إلى الشرعية الدولية وحقوق الشعوب، وليس على فرض السيطرة بالقوة، وشدد على أن السلام المستدام يعتمد على العدالة والتفاهم، وأن أي محاولة لفرض سياسة "إسرائيل الكبرى" ستواجه رفضًا حازمًا من جميع الدول الموقعة على البيان، بما في ذلك دعم كل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
التحليل السياسي والدبلوماسي
يظهر البيان وحدة عربية وإسلامية نادرة، حيث لم تتفق الدول العربية والإسلامية في كثير من الأحيان على موقف موحد تجاه القضايا الإقليمية الكبرى، هذه الوحدة تعكس إدراكًا جماعيًا بأن استمرار التوسع الإسرائيلي من دون مساءلة دولية يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي ويزيد من تعقيد الوضع السياسي في المنطقة.
كما يرسل البيان رسالة قوية للمجتمع الدولي مفادها أن الصمت أو التردد في مواجهة السياسات الإسرائيلية قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة، وأن الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ليس خيارًا بل واجبًا.
من الناحية الاستراتيجية، يمثل البيان تحذيرًا لـ"إسرائيل" من أن استمرار سياساتها التوسعية سيؤدي إلى عواقب دبلوماسية وربما اقتصادية نتيجة الضغط العربي والإسلامي المشترك على مختلف المستويات، ويبرز البيان دور الدول العربية والإسلامية في الحفاظ على الشرعية الدولية وحقوق الشعوب، وخاصة في ما يتعلق بحقوق الفلسطينيين، ويضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لمصداقيته في تطبيق القانون الدولي وحماية المدنيين.
كما يربط البيان بين تصريحات نتنياهو وخطط الاستيطان على الأرض، وخاصة في مناطق مثل"E1"، ما يعكس اهتمام الدول العربية والإسلامية بمراقبة التحركات الإسرائيلية وتقديم موقف سياسي موحد يهدف إلى ردع أي محاولات للتوسع على حساب حقوق الفلسطينيين، ويشير البيان إلى أن أي سياسة توسعية تعتمد على القوة لن تنجح في فرض السيطرة على الأرض، وأن الحلول السياسية والدبلوماسية القائمة على العدالة وشرعية القرارات الدولية هي الطريق الأمثل لتحقيق السلام والاستقرار.
الأبعاد الإنسانية والاستراتيجية
إضافة إلى الجوانب السياسية، يحمل البيان أبعادًا إنسانية واستراتيجية مهمة، فقد دعا البيان إلى رفع الحصار عن قطاع غزة وتقديم الدعم الإنساني للفلسطينيين، بما يضمن توفير المساعدات الأساسية وإعادة الإعمار وتحقيق التعافي الاقتصادي والاجتماعي، ويشير ذلك إلى أن الدول العربية والإسلامية تراعي الأبعاد الإنسانية للصراع، وتسعى لتخفيف المعاناة عن المدنيين الفلسطينيين، في وقت يواجه القطاع أزمة إنسانية خانقة بسبب الحصار المستمر والقيود على الحركة.
كما يعكس البيان إدراكًا بأن التصعيد السياسي والعسكري الإسرائيلي يؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الإقليمي، وقد يؤدي إلى انفجارات اجتماعية وأمنية في المنطقة إذا لم يتم احتواؤه بالوسائل الدبلوماسية والسياسية المناسبة، ويضع البيان المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية للعمل بشكل عاجل لتجنب أي تدهور إضافي للوضع الإنساني والسياسي في الأراضي الفلسطينية.
في الختام، وفي ظل استمرار التصعيد، يعكس هذا البيان العربي–الإسلامي المشترك رفضًا قاطعًا لرؤية "إسرائيل الكبرى"، كما يربط هذه الرؤية بخطط توسعية ملموسة، ما يمثل تصعيدًا دبلوماسيًا يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لموقفه من استمرار الاحتلال والتوسع الإسرائيلي.
ويكتسب الاتفاق بين 31 دولة والمؤسسات الإقليمية الكبرى على رفض التصريحات والسياسات الإسرائيلية أهمية بالغة، وخاصة في ظل الجمود الدولي، إذ يؤكد على أن القوة وحدها لا تضمن السلام، وأن الحلول السياسية المبنية على العدالة وشرعية القانون الدولي هي الطريق الأمثل لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
إن هذا الموقف الموحد يحتاج إلى ترجمة فعلية عبر الضغط الدبلوماسي والسياسي على "إسرائيل"، دعم قوي للفلسطينيين، وتسريع مسارات السلام العادلة، بما يعزز حقوق الشعب الفلسطيني ويضمن عدم استغلال الفراغ الدولي لمواصلة السياسات التوسعية.
القوة وحدها لا تكفي، بل يلزمها إرادة سياسية فعلية والتزام دولي بمبادئ العدالة والشرعية الدولية، لضمان استقرار المنطقة وحماية حقوق الشعوب كافة، وخاصة الشعب الفلسطيني، الذي يعاني منذ عقود من الاحتلال والتهجير.