الوقت- في تطور لافت على الساحة السورية، أعلن تنظيم جديد يُدعى "جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا – أُولي البأس" عن نفسه رسمياً عبر تسجيل مرئي لقائده العسكري والدعوي المعروف باسم أبو جهاد رضا، الخطاب الذي جاء باللهجة الثورية الميدانية، حَمَلَ نبرة حاسمة تنذر بتحولات عسكرية وسياسية جديدة في الجنوب السوري ومناطق أخرى.
هذا الإعلان المفاجئ أثار موجة من التفاعل والتحليل، وخاصة أنه جاء في سياق تزايد المؤشرات على تراجع دور الدولة السورية وضعف مؤسساتها أمام تغلغل القوى الأجنبية على أراضيها.
المقاومة كخيار وطني جديد
ظهور "جبهة المقاومة الإسلامية – أُولي البأس" يعكس حالة من الإحباط العام تجاه الحلول السياسية التقليدية، ويطرح المقاومة المسلحة كخيار وطني جديد يستند إلى فكرة استعادة السيادة والكرامة، هذا التحول في الرؤية قد يشكل نقطة تحوّل مهمة في مسار الصراع السوري، مع بروز قيادة جديدة تحاول تجاوز الانقسامات السابقة.
القائد يتحدث: "الدولة السورية انتهت"
في أول ظهور علني له، خاطب أبو جهاد رضا السوريين عبر تسجيل مرئي انتشر في الـ 1 من أغسطس 2025، معلناً ولادة الجبهة ومحدداً أهدافها بدقة، وقال القائد بصوتٍ صارم: "الدولة السورية لم تعد موجودة، وما تبقى منها ألعوبة في يد أجهزة استخبارات أجنبية، على رأسها تركيا وأمريكا والعدو الصهيوني".
في ما وصفه بـ"نداء التعبئة"، دعا أحرار سوريا، من مجاهدين وضباط الجيش النظامي السابق وأبناء العشائر والمواطنين، إلى الانضمام إلى "ركب التحرير" ومواجهة الاحتلال الأجنبي الممتد من لواء إسكندرون حتى الجولان ودمشق.
محتوى الخطاب: رسائل سياسية وعسكرية مشفّرة
الخطاب لم يكن مجرد إعلان تنظيمي، بل حمل عدة رسائل لجهات مختلفة، لكل منها دلالة واضحة ومباشرة، على الصعيد الداخلي، أكد أبو جهاد أن الحكومة الانتقالية الحالية في دمشق لم تعد تمثل الشعب، بل تحولت إلى أداة بيد قوى إقليمية ودولية، وقدّم دعوته للسوريين بالاعتماد على أنفسهم، والتحرك الميداني بعيداً عن المبادرات الدولية العقيمة التي فشلت في حماية الأرض أو استرجاع السيادة.
أما على المستوى الميداني، فقد كانت الرسالة أكثر جرأة، إذ وجّه دعوة مباشرة إلى ضباط الجيش السوري، بمن فيهم من لا يزال ضمن المنظومة الرسمية، للانضمام إلى المقاومة، هذا التحرك يحمل أبعاداً تتجاوز الاصطفاف السياسي أو العقائدي، ويشير إلى محاولة حقيقية لتوحيد الطاقات العسكرية تحت راية تحررية مقاومة.
أما القوى الأجنبية، فقد شملها الخطاب بلهجة هجومية حادة، إذ وصف أبو جهاد وجودها بالاحتلال متعدد الجنسيات، وتوعدها بالمواجهة المباشرة، إدراج روسيا ضمن قائمة "الاحتلالات" شكّل سابقة في الخطاب المقاوم، وهو ما يشير إلى نية الجبهة كسر كل التحالفات التقليدية وتقديم مشروع مستقل لا ينضوي تحت أي محور سياسي قائم.
من هو أبو جهاد رضا؟
القيادي الذي ظهر في الفيديو يرتدي الكوفية واللباس الميداني، عرّف نفسه باسم "أبو جهاد رضا"، وتداولت بعض المصادر أن اسمه الحقيقي هو رضا حسين، الرجل لا يُعرف بارتباطات تنظيمية سابقة، ما يعزز صورته كقائد مستقل خرج من رحم الفوضى الوطنية.
المتابعون للخطاب رأوا فيه شخصية تحمل خلفية مزدوجة، عسكرية ودعوية، وقدرة على مخاطبة كل من القاعدة الشعبية والكوادر الميدانية، نبرة الخطاب وتنظيمه يُظهران عقلاً مؤسسياً وليس مجرد ناشط ثوري أو قائد ميليشياوي عابر، رفضه للتبعية لأي جهة حزبية أو مذهبية أضاف بعداً وطنياً جامعاً لخطابه، قد يكون جاذباً لشريحة كبيرة من السوريين ممن فقدوا الثقة في النخب السياسية التقليدية.
لماذا الآن؟ السياق الإقليمي والدولي
يأتي الإعلان عن الجبهة في توقيت حساس تمر فيه سوريا بحالة فراغ سيادي غير مسبوق، تراجع مؤسسات الدولة وتآكل سلطتها ترك الميدان السوري مفتوحاً أمام مشاريع خارجية تتصارع عليه، في ظل هذا التدهور، أصبح بروز تنظيم محلي يحمل مشروعاً مقاوماً ضرورة استراتيجية، لا مجرد خيار أيديولوجي.
ترافق هذا الواقع مع تصاعد التدخلات العسكرية الأجنبية، سواء من "إسرائيل" أو تركيا أو الولايات المتحدة وروسيا، بات واضحاً أن هذه القوى تتعامل مع سوريا كمساحة نفوذ لا كدولة ذات سيادة، وهو ما جعل "أُولي البأس" تقدم نفسها كقوة مقاومة شاملة لهذه الهيمنة متعددة الأبعاد.
من جهة أخرى، عانى السوريون من خيبات متتالية تجاه كل المشاريع السياسية المطروحة، اتفاقات دولية لم تنفذ، ومفاوضات لم تُثمر، ومبادرات داخلية انهارت قبل أن تبدأ، في هذا الفراغ، يجد الخطاب المقاوم فرصة سانحة ليعيد تقديم نفسه كمشروع حقيقي للكرامة والتحرير.