الوقت - يصف الصحفي الأمريكي “دن فرومكين” ترامب في إحدى مقالاته قائلاً: "ترامب متسرع في قراراته، لا يكفّ عن تغيير آرائه، ويكذب بطريقة مرضية، وغالباً ما تكون تصريحاته مشوشةً وغير مترابطة، إنه رجلٌ يعادي كل نوع من الخبرة أو المهارة، فيما يُتخذ باسمه قرارات لا يبدو أنه يدرك حقيقتها أو تفاصيلها".
في الواقع، انخفضت شعبية ترامب في الولايات المتحدة بشكل حاد، فقد ألغى قضاة أمريكيون في مختلف الولايات وعلى المستوى الفيدرالي العديد من قراراته الهامة، بينما أثرت مقترحاته الاقتصادية المتهورة، مثل فرض التعريفات الجمركية، تأثيراً سلبياً على الاقتصاد الأمريكي، لتتسبب في ارتفاع معدلات التضخم بشكل ملحوظ.
لكن ترامب يمتلك سمةً أخرى بارزةً، وهي هجومه المستمر على الصحفيين. في هذا التقرير، سنسلط الضوء على سلوكياته العدائية تجاه الإعلام وعدم تحمله للنقد، في ظاهرةٍ تثير التساؤلات حول مفهوم حرية التعبير في عهد رئيس الولايات المتحدة الحالي.
هجوم ترامب على الصحفيين: نماذج وشواهد
لطالما مثّل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نموذجاً صارخاً للعداء تجاه الصحفيين، حيث يمكن أن تُستعرض العديد من الأمثلة التي تُظهر هجماته الحادة عليهم:
وصف الصحفيين بالحمقى:
قبل ثلاثة أشهر، وأثناء حوار أجراه ترامب على متن الطائرة الرئاسية “إير فورس وان”، بدلاً من الإجابة عن سؤال طرحته الصحفية “آنماري هوردرن” من وكالة بلومبرغ بشأن سياساته الجمركية، شنّ هجوماً لاذعاً عليها، سألت الصحفية: “في حال واجهت الأسواق مشكلات، هل ستتحملون تلك التحديات وتواصلون تطبيق السياسات الجمركية؟”، ليأتي رد ترامب قائلاً: “أعتقد أن سؤالك غبي للغاية".
اتهام صحيفة “وول ستريت جورنال” بالفساد:
قبل شهرين، وأثناء رحلة أخرى على متن الطائرة الرئاسية، وجّه ترامب انتقادات حادة إلى صحيفة “وول ستريت جورنال”، واصفاً إياها بأنها “فاسدة” و"ضارة بالبلاد". وفي حديثه إلى أحد الصحفيين العاملين في الصحيفة، قال ترامب: “لقد تدهورت صحيفة وول ستريت جورنال تماماً… إنها صحيفة فاسدة. هل تسمعني؟ ما قلته واضح… إنها صحيفة فاسدة".
ترامب دائماً غير راضٍ:
إذا ألقينا نظرة على تاريخ ترامب مع الإعلام، نجد أنه لم يكن يوماً راضياً عن تغطية وسائل الإعلام له. فهو دائماً ما يسعى للحصول على إعلام أكثر مرونةً ودعماً، حتى مع الدعم الكبير الذي تقدمه له شبكة “فوكس نيوز”، إلا أنه لا يتردد في انتقادها أيضاً. ففي الشهر الماضي، أعرب ترامب عن استيائه من “روبرت مردوخ”، رئيس شبكة فوكس نيوز، بسبب بثّ الشبكة إعلانات دعائية لصالح الحزب الديمقراطي، وهكذا، يمكن القول إن عهد ترامب يمثّل حقبةً جديدةً من العداء بين رئيس الولايات المتحدة والصحف الكبرى.
في الواقع، يُظهر ترامب تناقضاً عجيباً؛ فهو يستمتع بتصدر عناوين الصحف وكونه محور الاهتمام الإعلامي، لكنه في الوقت نفسه يبذل كل جهده لتقويض وسائل الإعلام وتهديد الصحفيين، ولعل هذا العداء الإعلامي ليس بجديد؛ ففي حملته الانتخابية عام 2016، وخلال مقابلاته، هدّد ترامب صراحةً بأنه إذا عاد إلى البيت الأبيض، فإنه سينتقم من وسائل الإعلام التي تثير غضبه.
رئيسٌ في مواجهة حرية الإعلام
نشرت شبكة “سي إن إن” تقريراً استندت فيه إلى آراء المدافعين عن حرية الصحافة في الولايات المتحدة، يؤكد أن الرئيس دونالد ترامب يعمد إلى خلق بيئة عدائية ضد الصحافة المستقلة. وبحسب التقرير، فإن واحداً من كل ثلاثة صحفيين في أمريكا أفاد بأنه تعرض للعنف أو التهديد بالعنف أثناء عمله.
وفي ردٍّ على المخاوف المتزايدة بشأن قمع حرية التعبير وتصاعد العنف ضد الصحفيين، صرّح المتحدث باسم اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري لموقع “إن بي آر”: “الرئيس ترامب هو بطل حرية التعبير، والجميع، بما في ذلك الصحفيون، يشعرون بأمان أكبر خلال فترة رئاسته"، غير أن هذا الادعاء يتناقض مع نتائج استطلاع جديد أُجري بين مئات الصحفيين في الولايات المتحدة، حيث أشار 36٪ منهم إلى أنهم واجهوا عنفاً جسدياً أو تهديداً بالعنف أثناء قيامهم بمهامهم. وأوضح الصحفيون أن شعورهم بالتهديد يتفاقم بشكل خاص خلال التجمعات الانتخابية التي يعقدها ترامب.
بل إن ترامب نفسه لم يتوانَ عن تهديد الصحفيين بشكل مباشر في مناسبات عديدة. ففي إحدى حملاته لدعم مرشحي الحزب الجمهوري في الكونغرس عام 2022، صرّح بأن الصحفيين الذين يرفضون الكشف عن مصادرهم السرية في التقارير ذات الطابع الأمني سيواجهون السجن، وزاد على ذلك، مازحاً، بأن احتمالية التعرض للاعتداء في السجون قد تمنع الصحفيين من التمسك بمصادرهم.
وفي العام الماضي، طالب ترامب بإجراء تحقيق حول شبكة “إن بي سي نيوز” بسبب ما وصفه بـ"خيانة" تغطيتها لقضاياه القانونية، ملوّحاً في عدد من خطبه بإمكانية إلغاء رخصة عمل الشبكة.
وفي عام 2020، نشرت لجنة حماية الصحفيين تقريراً خاصاً بعنوان “إدارة ترامب والإعلام”، أكدت فيه منذ البداية أن ترامب اعتاد مهاجمة الإعلاميين في التجمعات الانتخابية، خلال المؤتمرات الصحفية، أو عبر مئات التغريدات على منصات التواصل الاجتماعي. وقد وصف ترامب الصحافة بأوصاف عدائية مثل “أخبار مزيفة”، “عدو الشعب”، “فاسدة”، “غير نزيهة”، “تافهة”، “أشرار”، “حثالة بشرية”، و"أسوأ من قابلتهم في حياتي".
وفي سجله على “تويتر”، استهدف ترامب بأكثر من 600 تغريدة مؤسسات إعلامية بعينها، من أبرزها: “نيويورك تايمز”، “سي إن إن”، “إن بي سي”، “إم إس إن بي سي”، “فوكس نيوز”، و"واشنطن بوست". ووصف هذه المؤسسات بأنها “زائفة”، “مخزية”، “غبية”، “محتالة”، “فاشلة”، و"في طريقها إلى الانهيار". كما لم يتردد في إطلاق الاتهامات الجزافية ضد الصحفيين.
في ظل هذه الأوضاع، يبدو أن ترامب يسعى جاهداً لإسكات الأصوات الناقدة له. ويرى العديد من الخبراء أن نهجه في التعامل مع الإعلام يُنذر بمستقبل قاتم لحرية التعبير في الولايات المتحدة، حيث قد يصبح الوضع خلال السنوات المقبلة أسوأ مما هو عليه اليوم.