الوقت - في الأسبوع الماضي، أقام بنيامين نتنياهو في واشنطن لمدة تقارب الأسبوع، وهي مدة تُعد استثنائيةً مقارنةً بزياراته السابقة إلى الولايات المتحدة، التي لم تكن تتجاوز عادةً 48 إلى 72 ساعة. هذا الامتداد الزمني غير المعتاد للزيارة، الذي تزامن مع إعلان وقف إطلاق النار في الحرب مع إيران، يحمل في طياته دلالات ذات مغزى عميق.
ضبابية اللقاءات بين نتنياهو وترامب
خلال زيارته، اجتمع نتنياهو مع ترامب ثلاث مرات، وهو أمر نادر الحدوث خلال فترة قصيرة كهذه، ويشير ذلك إلى وجود قضايا ملحة وشائكة تم تناولها بين الطرفين.
اللقاء الأول: عُقد مساء الاثنين في عشاء خاص بالبيت الأبيض بعيدًا عن أعين الإعلام، ولم يصدر عنه أي بيان رسمي، وناقش الطرفان قضايا متعددة، من بينها الوضع في غزة، مفاوضات وقف إطلاق النار، والبرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق الاستراتيجي بينهما.
اللقاء الثاني: جرى مساء الثلاثاء واستمر لمدة 90 دقيقة، وعُقد أيضًا خلف الأبواب المغلقة، دون إصدار أي بيان مشترك أو تصريحات علنية.
اللقاء الثالث: انعقد قبل مغادرة نتنياهو واشنطن بأقل من 24 ساعة، بحضور نائب الرئيس الأمريكي، ووفقًا للتقارير الإعلامية الإسرائيلية، انتهى هذا الاجتماع دون التوصل إلى نتائج ملموسة، في ظل حالة من الارتباك بشأن مفاوضات غزة، وقد بلغ التعقيد في هذه المفاوضات حدًا دفع ستيف ويتكاف، المبعوث الخاص لترامب، إلى تأجيل زيارته المقررة إلى الدوحة.
لماذا طالت المفاوضات في واشنطن؟
مع إطالة أمد المباحثات بين "إسرائيل" والولايات المتحدة على مدى الأسبوع الماضي، بدأت التكهنات تشير إلى وجود خلافات بين ترامب ونتنياهو في عدد من القضايا، لكن ما هي هذه النقاط الخلافية؟
غزة: محور الخلاف: وفقًا لتقرير نشره موقع “أكسيوس” قبل وصول نتنياهو إلى واشنطن، كان ترامب يسعى إلى تنسيق رؤيته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن كيفية التوصل إلى اتفاق شامل لإنهاء الحرب في غزة، وتلعب قطر دور الوسيط في المفاوضات بين حماس و"إسرائيل".
وحسب مصدر مطلع، فقد اجتمع وفد قطري مع مسؤولين أمريكيين في البيت الأبيض لساعات قبل لقاء ترامب ونتنياهو. وأكد ترامب خلال اجتماع لمجلس الوزراء يوم الثلاثاء أنه يعتزم مناقشة قضية غزة مع نتنياهو، مضيفًا: “علينا أن نجد حلاً لهذه المشكلة".
من جانبه، أشار ستيف ويتكاف إلى أن "إسرائيل" وحماس تمكنتا من حل ثلاث من أصل أربع نقاط خلافية خلال مفاوضات غير مباشرة جرت في الدوحة، معربًا عن أمله في التوصل إلى اتفاق نهائي بحلول نهاية الأسبوع.
کما صرّح بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، يوم الثلاثاء الماضي، عقب لقائه مع مايك جونسون، رئيس مجلس النواب الأمريكي، بأنه سيلتقي مع دونالد ترامب لمناقشة قضية غزة، مضيفًا: “يتعين على الطرفين التوصل إلى اتفاق، آمل أن نصل إلى نتيجة، وكلما قلّ الحديث العلني حول هذا الموضوع، كان ذلك أفضل".
ووفقًا لموقع “أكسيوس”، فإن الخلاف المتبقي بين الطرفين يتعلق بانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، وحسب مصدر مطلع، فقد ناقش الطرفان، خلال اجتماعات يومي الاثنين والثلاثاء، الخرائط المتعلقة بإعادة انتشار القوات العسكرية، تطالب حركة حماس بعودة القوات الإسرائيلية إلى خطوط ما قبل انهيار اتفاق وقف إطلاق النار السابق في شهر مارس، إلا أن نتنياهو يبدو حتى الآن متمسكًا برفض هذا المطلب، ويُرجَّح أن يكون هذا هو المحور الرئيسي للخلاف المتبقي في المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في غزة.
من جهة أخرى، يبدو أن ترامب في أمسّ الحاجة إلى تحقيق وقف إطلاق النار في غزة، فهو يرى في نفسه مرشحًا مستحقًا لجائزة نوبل للسلام، إلا أن شعاراته التي أطلقها بشأن إحلال السلام في أوكرانيا وغزة، لا تزال مجرد وعود لم تجد طريقها إلى التنفيذ.
فعلى الرغم من ادعائه خلال حملته الانتخابية بأنه قادر على إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة، إلا أنه اعترف مؤخرًا بفشله في تحقيق وقف إطلاق النار هناك، ووجّه انتقادات حادة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أما فيما يتعلق بغزة، فقد كان ترامب قد وعد بإرساء هدنة، إلا أن الحرب لا تزال مستمرةً هناك بعد مرور ستة أشهر على توليه الرئاسة.
وفي ظل إخفاقه في إحراز أي تقدم على صعيد وقف إطلاق النار في أوكرانيا، يجد ترامب نفسه مضطرًا لتحقيق هدنة في غزة، على الأقل لتنفيذ جزء من وعوده الانتخابية، ولهذا، يُولي ترامب أهميةً كبرى لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة، باعتباره إنجازًا دبلوماسيًا ضروريًا، إلا أن العقبة الكبرى أمام تحقيق هذا الهدف، كما يبدو، هي بنيامين نتنياهو نفسه، الذي وضع شروطًا صارمةً لوقف إطلاق النار.
تنسيق في الخفاء واختلاف في العلن: عند عودته من واشنطن، أشار نتنياهو إلى ملف إيران، معتبرًا أنه كان ضمن القضايا التي نوقشت مع ترامب، وقد أفادت وكالة رويترز بأن هناك تباينًا في وجهات النظر بين ترامب ونتنياهو حول كيفية التعامل مع إيران، كما زعمت وسائل إعلام غربية أخرى، مثل وكالة أسوشيتد برس، وجود خلافات بين الطرفين بشأن هذا الملف.
إلا أن هذه ليست المرة الأولى التي تُثار فيها مزاعم حول وجود اختلافات بين ترامب ونتنياهو بشأن إيران، فقبل شهرين فقط، وقبيل العدوان الإسرائيلي-الأمريكي على إيران، رددت وسائل الإعلام ذات الادعاءات، لكن ما حدث في النهاية كان تنفيذ الهجوم بالتنسيق الوثيق والشراكة الكاملة بين واشنطن وتل أبيب.
في الواقع، يبدو أن الحديث عن وجود خلاف بين نتنياهو وترامب بشأن إيران، ليس سوى عرض مسرحي محسوب بعناية. فنتنياهو، من خلال ادعائه وجود خلافات مع ترامب، وتصوير نفسه كمن يتعرض لضغوط من الإدارة الأمريكية، يسعى إلى تهدئة معارضيه المتشددين في الداخل، الذين ينتقدونه بشدة بسبب قبوله بوقف إطلاق النار مع إيران.
لكن الحقيقة أن ترامب، في العدوان العسكري على إيران، كان شريكًا استراتيجيًا لـ "إسرائيل"، ولعب دورًا محوريًا في تنفيذ العمليات، وقد كان التنسيق بين البيت الأبيض وحكومة نتنياهو واضحًا وجليًا، ولا يمكن إنكاره.