الوقت- في خطوة استفزازية جديدة، كشفت حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن قرار جديد يقضي بالموافقة على بناء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، في تحدٍ صارخ للقانون الدولي ولكل القرارات الأممية، هذه الخطوة، التي وصفت بأنها "غير مسبوقة"، فجّرت موجة من الإدانة العربية والدولية، كان أبرزها الموقف الحاسم للبرلمان العربي، الذي دعا إلى تحرك فوري من مجلس الأمن ومحاسبة قادة تل أبيب على انتهاكاتهم المتكررة، وبينما يشتد الخناق على قطاع غزة تحت حصار خانق مستمر منذ أكثر من 80 يومًا، تتضح معالم الخطة الإسرائيلية القائمة على تكريس الاحتلال ودفن حل الدولتين إلى الأبد، فهل نشهد بداية مرحلة جديدة من المواجهة السياسية والدبلوماسية العربية؟ وهل تتحرك الأمم المتحدة لتلجم الغطرسة الإسرائيلية؟
توسع استيطاني
أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مؤخرًا على المصادقة على بناء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، في تحدٍ جديد وسافر للإرادة الدولية، وللقرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك انتهاكًا صريحًا لاتفاقيات جنيف الرابعة التي تحظر تغيير الطابع الديموغرافي للأراضي المحتلة.
وفي أعقاب هذا الإعلان الاستيطاني الخطير، أصدر البرلمان العربي بيانًا حادّ اللهجة يوم الجمعة 21 يونيو/حزيران، أدان فيه بأشد العبارات الخطوة الإسرائيلية، معتبرًا إياها "خطوة خطيرة في إطار سلسلة سياسات الكيان الصهيوني العدائية لترسيخ الاحتلال وتدمير كل فرص السلام وتطبيق حل الدولتين".
هذه الإدانة لم تكن مجرد تعبير عن استنكار، بل تضمنت دعوة واضحة وصريحة للمجتمع الدولي، وعلى رأسه مجلس الأمن، بضرورة "القيام بواجباته القانونية والإنسانية والتحرك الفوري لوقف هذا الإجراء غير المسبوق"، و"محاسبة قادة تل أبيب أمام العدالة الدولية لانتهاكهم اتفاقيات جنيف".
سياسة ممنهجة لتثبيت الاحتلال
تمثل سياسة الاستيطان التي تنتهجها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة واحدة من أبرز أدواتها لترسيخ مشروعها الاستعماري، عبر تقويض الجغرافيا الفلسطينية وخلق واقع ديموغرافي جديد يجعل من إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة أمرًا مستحيلاً، ومع المصادقة الأخيرة على بناء 22 مستوطنة إضافية، تكون "إسرائيل" قد أطلقت رصاصة جديدة على ما تبقى من أمل في تنفيذ حل الدولتين.
ولا يمكن فصل هذه الخطوة عن السياق السياسي والعسكري الأوسع، الذي تتبعه "إسرائيل"، والذي يشمل أيضًا الحصار الخانق المستمر على قطاع غزة، والحرب المفتوحة التي لا تتوقف ضد الشعب الفلسطيني منذ أكتوبر الماضي.
تواطؤ دولي وصمت مريب
من المثير للقلق أن سياسة الاستيطان الإسرائيلية تجري في ظل صمت دولي مريب، بل في أحيان كثيرة بدعم ضمني أو صريح من قوى دولية كبرى، هذا الصمت هو الذي دفع المندوب الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، السفير محمد أبو شهاب، إلى انتقاد أداء مجلس الأمن خلال مؤتمر صحفي عقده مؤخرًا بحضور مندوبي الدول العربية، حيث قال: "لا يمكن أن يقف المجلس ساكناً، بينما يُستخدم التجويع كسلاح للحرب"، وأضاف إن المجموعة العربية ترفض "آلية المساعدة المقترحة من إسرائيل"، التي تنتهك القانون الدولي، وتُستخدم كغطاء لمواصلة سياسة العقاب الجماعي.
خطوات سياسية مطلوبة من البرلمان العربي
في ظل هذه التطورات المتسارعة، فإن دعوة البرلمان العربي لا يمكن أن تبقى في إطار البيانات التقليدية، المطلوب اليوم هو تفعيل آليات الرد السياسي والقانوني الفوري، ويمكن تلخيص بعض هذه الخطوات بما يلي:
اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية: يجب تقديم ملفات متكاملة حول سياسات الاستيطان باعتبارها جرائم حرب، وخاصة أن المادة 8 من نظام روما الأساسي تعتبر "نقل السكان المدنيين إلى الأراضي المحتلة" جريمة حرب صريحة.
التنسيق مع الدول التي اعترفت بدولة فلسطين: من المهم بناء تحالف دولي سياسي يضغط باتجاه محاسبة "إسرائيل"، وخاصة بعد الموجة الجديدة من الاعترافات بدولة فلسطين التي شملت دولاً أوروبية مؤثرة.
الضغط من داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة: رغم عجز مجلس الأمن بسبب الفيتو الأمريكي، إلا أن الجمعية العامة تظل منصة مهمة يمكن من خلالها فضح السياسات الإسرائيلية وحشد الدعم الدولي.
الدعوة لمؤتمر دولي عاجل: يمكن أن يبادر البرلمان العربي، بالتنسيق مع منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الإفريقي، إلى الدعوة لعقد مؤتمر دولي بشأن الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان، بما يُعيد القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام العالمي.
الاستيطان ومشروع التهجير القسري
الخطير في سياسة التوسع الاستيطاني أنها لا تقتصر على بناء الوحدات السكنية، بل ترافقها موجة تهجير قسري للفلسطينيين، واعتداءات يومية على ممتلكاتهم وأراضيهم، وخاصة في المناطق المصنفة (ج) مثل الأغوار وجنوب الخليل.
وقد أشار بيان البرلمان العربي إلى هذا الواقع حين دعا الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين إلى القيام بذلك فورًا، معتبرًا أن هذا الاعتراف يمثل "دعماً للحق الفلسطيني المشروع وردعاً للاحتلال عن الاستمرار في سياساته العدوانية".
بين غزة والضفة... سياسات استعمارية متكاملة
لا يمكن فصل سياسات الاستيطان في الضفة الغربية عن الممارسات الإسرائيلية في غزة، فكلا المسارين يسيران وفق خطة موحدة هدفها القضاء على أي إمكانية لتجسيد الدولة الفلسطينية، بينما تُقضم الضفة بالمستوطنات، تُحاصر غزة وتجوع وتُقصف بشكل ممنهج.
وفي هذا السياق، جاء تحذير السفير محمد أبو شهاب من أن "إسرائيل" تستخدم التجويع كسلاح حرب، ليكشف عن جانب آخر من المشروع الصهيوني الذي لا يتورع عن استخدام أكثر الوسائل وحشية لكسر إرادة الفلسطينيين.
ضرورة التحرك العربي الحاسم
إن خطورة المرحلة تستوجب من البرلمان العربي والدول العربية والمجتمع الدولي برمته الانتقال من دائرة الإدانة اللفظية إلى ميدان الفعل، فالمصادقة على بناء 22 مستوطنة ليست مجرد قرار عابر، بل إعلان نوايا واضح يؤكد أن "إسرائيل" ماضية في مشروعها الاستيطاني الاستعماري حتى النهاية.
ولذلك، فإن التحدي المطروح أمام العرب اليوم هو: هل سنكتفي بالتنديد أم سنحول الغضب إلى سياسات ملموسة، تبدأ من الاعتراف الواسع بدولة فلسطين، وتصل إلى المحاكم الدولية ومحاصرة الاحتلال سياسيًا واقتصاديًا؟
إن التاريخ لن يرحم المتقاعسين، والعدالة لا تُمنح بل تُنتزع، والاستيطان ليس قدراً، بل مشروعاً استعمارياً يمكن وقفه إذا توافرت الإرادة والتحرك الجماعي الفاعل.