الوقت- فرض الانضباط في روما القديمة بالحديد والنار، وكان الموت ينتظر كل من تصدر عنه بادرة تمرد أو وهن، وعدت الأساليب العقابية الرهيبة أحد أسس القدرات القتالية العالية للجحافل الرومانية.
ما بعد أسوار روما، انتهت القوانين المدنية وسادت قوانين أخرى عسكرية في غاية القسوة. كانت إرادة القائد العسكري تحدد مصير المقاتلين، وكانت سلطته مطلقة على أجسادهم وأرواحهم.
جرت معاقبة عدم إطاعة الأوامر أو الجبن أو الهروب بلا رحمة، وتعرض المذنبين للجلد وقطع الرقاب. توجد واقعة مسجلة حين أرسل ابن جنرال روماني في مهمة استطلاعية، وبدلا من ذلك قام بالهجوم على العدو والانتصار في المعركة. على الرغم من النصر عاقب القائد الروماني نجله بقسوة بالغة لعدم تقيده بالأوامر.
بهذا الانضباط الحديدي وسعت الجيوش الرومانية حدود الإمبراطورية على مدى أكثر من ألف عام إلى مدى بعيد على ثلاث قارات، واحتفظت بسيطرتها المباشرة على المقاطعات النائية، وكان عدد القوات الرومانية متعددة الجنسيات يتراوح بين 100000 إلى 300000 مقاتل.
روما تدين بنجاحاتها العسكرية الكبيرة على مدى تاريخ طويل لقادتها العسكريين الموهوبين، واستراتيجية صارمة وانضباط لا جدال فيه حتى أن الفيالق الرومانية كانت تخاف من العقاب الصارم في معسكراتها أكثر من مواجهة حشود الأعداء.
عبّر عن مدى قسوة المعاملة التي كان يتعرض لها جنود الجحافل الرومانية، المؤرخ اليوناني بوليبيوس الذي عاش بين عامي "200 – 120" قبل الميلاد بقوله، من النادر التعامل مع المذنبين بسوء السلوك أو الجبن بقسوة وازدراء مثل الرومان.
الخونة والجواسيس والمتمردون يتعرضون مباشرة لعقوبة الإعدام، ويكون مصير أي جندي من الفيالق الرومانية الموت بيد رفاق السلاح إذا ترك موقعه أو غفى أثناء فترة الحراسة أو فقد سلاحه أو لم يتمالك نفسه وارتعد خوفا أو قبض عليه متلبسا بالسرقة. أولئك الذين يهربون من معسكراتهم أو يفرون من ساحة القتال، يتم إلقاؤهم من جرف أو يكون مصيرهم السحل بأقدام الأفيال.
إذا انتهكت الانضباط أو تقاعست وحدة عسكرية رومانية كاملة، يتم معاقبة واحد من كل عشرة جنود، وفي أحيان كل عشرين أو مئة. أولئك الذين نجوا من هذا النوع من العقاب لسبب أو آخر، يتم نفيهم للأبد ولا يجرؤ أقاربهم على تقديم أي نوع من المساعدة لهم.
ذات مرة فشلت فيالق يوليوس قيصر أمام قوات غريمه بومبي. من شدة رسوخ قواعد الانضباط، العسكري طلب هؤلاء من القيصر إنزال عقوبة الموت "العشرة" بهم، إلا أن الإمبراطور فضل العفو عنهم.
في الفيالق الرومانية فرضت أيضا عقوبات مخزية على منتهكي الانضباط مثل سحب راياتهم، ونزع أحزمتهم كي يبدو مظهرهم مثل النساء، أو استبدال القمح بالشعير في طعامهم، أو وضع خيامهم بالقرب من حظائر الماشية. وكان الضباط يعاقبون بتخفيض رتبهم أو نقلهم من سلاح الفرسان مثلا إلى المشاة.
كان لروما فيالق لا تقهر، وبقيت الإمبراطورية قوية إلى أن بدأ الانضباط يضعف في صفوف الضباط. حينها خرج الجنود عن السيطرة وانخرطوا في أعمال النهب والابتزاز حتى قيل إن الإمبراطورية الرومانية بدأت في السقوط مع تفكك الجيش.