الوقت- في أحد أكثر الأسابيع دموية في تاريخ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، خرج السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، قائد حركة أنصار الله اليمنية، بخطاب حماسي حذّر فيه من تبعات الصمت الإسلامي والعربي حيال الجرائم الصهيونية المستمرة، الخطاب الذي تزامن مع تكثيف العدوان على المدنيين، وخصوصًا النساء والأطفال، كان بمثابة جرس إنذار يفضح الخذلان الإقليمي والدولي، ويعيد طرح سؤال محوري: إلى متى يستمر الصمت، وأي شرعية تبقى للأنظمة التي تكتفي بالتنديد اللفظي؟ في هذا المقال، نستعرض أهم ما جاء في خطاب الحوثي، ونحلل دلالاته السياسية والإنسانية، ونتناول أثر المواقف الدولية والعربية تجاه ما يحدث في غزة.
تصعيد صهيوني وجرائم بلا رادع
حسب ما نقلته قناة المسيرة اليمنية وموقع مشرق نيوز الفارسي (22 مايو 2025)، وصف الحوثي الأسبوع الأخير في غزة بأنه "واحد من أحلك الأسابيع وأكثرها دموية في التاريخ المعاصر"، مشيرًا إلى استشهاد وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، ودفن عائلات بأكملها تحت الأنقاض بعد استهداف منازلهم بشكل مباشر، كما استهدفت قوات الاحتلال مراكز الإغاثة والمشافي والفرق الطبية، في سياسة ممنهجة لمنع إنقاذ الجرحى وتعميق الكارثة الإنسانية.
وفي تحذير مباشر، اعتبر الحوثي أن هذه الجرائم لم تكن لتحصل بهذا الحجم لولا الصمت المطبق من معظم الدول الإسلامية، والاكتفاء بإصدار بيانات خجولة لا ترتقي إلى مستوى الحدث، وأضاف إن "صمت الأمة الإسلامية يمنح الصهاينة جرأة على ارتكاب مزيد من المجازر".
ومن أبرز ما ورد في الخطاب أيضًا، الإشارة إلى عمليات القصف الإسرائيلي باستخدام قنابل أمريكية حارقة ضد مخيمات اللاجئين في شمال غزة، ما أدى إلى تهجير قسري جديد، وتفاقم المعاناة وخصوصًا بين الأطفال والمسنين، واعتبر الحوثي هذه الممارسات نوعًا من الإبادة الجماعية المنظمة التي تسعى إلى فرض السيطرة عبر التدمير الشامل، مستشهدًا باعترافات صادرة عن مسؤولين إسرائيليين تؤكد حجم المأساة، مثل تصريحات الوزير يسرائيل كاتس حول "فشل إسرائيل في كسر سيطرة المقاومة بعد أكثر من 590 يومًا من الحرب".
بين تخاذل رسمي ويقظة شعبية
خطاب السيد الحوثي لم يكن مجرد إدانة لفظية بل احتوى على تحليل عميق لطبيعة الصراع، وتوصيف دقيق لأسباب تفاقمه، ففي الوقت الذي أشار فيه إلى ضعف الأداء العسكري للكيان الإسرائيلي واعتماده الكثيف على التدمير لا التقدم الميداني، أكد أن المقاومة الفلسطينية لا تزال تملك زمام المبادرة، وتنفذ عمليات نوعية في خان يونس وغرب غزة تسببت في تعطيل تحركات العدو.
لكن الموقف الأهم في خطابه كان تحميل الأنظمة العربية والإسلامية مسؤولية مباشرة عن تمادي العدو، فقد اعتبر أن توريد الغذاء والوقود إلى الكيان الإسرائيلي يتم عبر موانئ عربية، وأن بعض الدول شاركت في تدريبات عسكرية مشتركة مع الكيان، مثل المغرب، وهو ما وصفه بـ"الخيانة العلنية" للثوابت الإسلامية والقضية الفلسطينية.
ورأى الحوثي أن الصمت العربي الرسمي يُقابله صوت شعبي يتصاعد في بعض الدول الغربية، حيث خرجت مظاهرات مؤيدة لفلسطين في عواصم أوروبية بشكل أقوى من الدول الإسلامية، وهو ما يكشف خللاً عميقًا في الأولويات والتحركات السياسية.
ومن جهة أخرى، شدد على أن معسكر المقاومة، وخصوصًا الجبهة اليمنية، سيواصل عملياته لدعم الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى تنفيذ ثماني عمليات في أسبوع واحد، بينها استهداف مطار "بن غوريون" بثلاثة صواريخ، ما أدى إلى شلل مؤقت في الحركة الجوية داخل الكيان الإسرائيلي.
غياب الردع والمواجهة الأخلاقية
خطاب عبدالملك الحوثي يطرح معادلة مؤلمة: كلما زاد الصمت الرسمي، ازدادت الجرائم الصهيونية جرأةً ووحشية، وهو لا يكتفي بطرح الإشكال، بل يدعو إلى حلول عملية، تبدأ بوقف كل أشكال التطبيع والتعاون مع العدو، مرورًا بتفعيل الضغط الاقتصادي، وصولًا إلى دعم حقيقي للمقاومة الفلسطينية عسكريًا وسياسيًا.
ويبدو أن ما يطرحه الحوثي لا يقتصر على اليمن وحدها، بل يعكس اتجاها متناميًا في محور المقاومة يرى أن المواجهة يجب أن تكون شاملة، وأن الدفاع عن غزة ليس خيارًا بل واجبًا دينيًا وأخلاقيًا وسياسيًا.
هل تستیقظ الأمة من سباتها؟
إن الدعوة التي أطلقها الحوثي يجب أن تُقرأ في سياق تصاعد الانهيار الأخلاقي للنظام العالمي، وازدواجية معايير الدول الغربية، التي ترى في مقتل اثنين من موظفي سفارة "إسرائيل" حدثًا جللًا، بينما تتجاهل مقتل أكثر من 186 ألف فلسطيني.
إن استمرار العدوان الصهيوني، بدعم أمريكي وغربي مباشر، وصمت عربي مدوٍ، يجعل من الصعب الرهان على المنظمات الدولية أو النظام الإقليمي لحماية الفلسطينيين، لكن ما يلوح في الأفق هو أن الشارع العربي والإسلامي قد بدأ في التحرك، وإن كان ببطء، فيما الجبهات العسكرية للمقاومة، وخصوصًا في اليمن ولبنان وغزة، تثبت قدرتها على الردع الفعلي.
يبقى السؤال الأهم: هل يستمر الصمت الرسمي، أم إن الأمة ستستفيق على صوت الفاجعة وتلتحق بمسيرة المقاومة؟ الجواب، كما يقول الحوثي، يبدأ من الموقف الشعبي، ويُختبر في ميادين الفعل لا في بيانات الشجب.