الوقت- یواجه کیان الاحتلال الإسرائيلي تحديات غير مسبوقة في حربه المستمرة على قطاع غزة، إذ يعاني جيشها من أزمات نفسية حادة ونقص في القوى البشرية، تشير التقارير الأخيرة إلى تزايد حالات الصدمات النفسية بين الجنود، إلى جانب نقص كبير في عدد المقاتلين، ما يهدد استمرارية العمليات العسكرية ويقيد قدرة الجيش على تحقيق أهدافه في مواجهة المقاومة الفلسطينية.
أزمة نفسية متفاقمة بين الجنود
كشف جيش الاحتلال الإسرائيلي في بيانات رسمية عن معاناة كبيرة من اضطرابات نفسية لدى أفراده، حيث اتصل أكثر من 30 ألف جندي بالخطوط الساخنة للدعم النفسي، في رقم غير مسبوق منذ حرب عام 1973، هذه الأزمة النفسية تعكس الضغوط الهائلة التي يواجهها الجنود في ظل المعارك الدامية، بالإضافة إلى الخوف المستمر من الكمائن والصواريخ الفلسطينية.
وحسب مصادر إسرائيلية، هناك عدد كبير من الجنود يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة واضطرابات القلق والاكتئاب، الأمر الذي يؤثر على قدرتهم القتالية ويزيد من معدلات الانسحاب والتعب النفسي.
نقص حاد في القوى البشرية
رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي إيال زامير حذر الحكومة من وجود نقص خطير في عدد المقاتلين، حيث لا يستطيع الجيش تعويض الخسائر البشرية بسرعة بسبب التعبئة الضعيفة ورفض بعض الفئات الخدمة الاحتياطية، هذه الأزمة تعني أن "إسرائيل" قد تضطر لتغيير استراتيجياتها، والاعتماد على تقنيات قتالية بديلة أو التفاوض للخروج من الأزمة.
كما تؤكد مصادر عسكرية أن الأعداد المتاحة للمشاركة في العمليات محدودة، وأن هناك ضغوطًا كبيرة على وحدات معينة بسبب النقص في الأفراد المؤهلين.
خسائر بشرية كبيرة
أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن نحو 16,500 جندي إسرائيلي تلقوا علاجًا بسبب إصابات بدنية ونفسية منذ بدء الحرب على قطاع غزة في الـ 7 من أكتوبر 2023، من بين هؤلاء، حوالي 7,300 جندي يعانون من إصابات نفسية، وهو رقم يعكس الاستنزاف الكبير في الموارد البشرية للجيش.
هذه الخسائر تؤثر ليس فقط على القدرات القتالية، بل أيضًا على الروح المعنوية للجيش والشعب الإسرائيلي، حيث تنتشر أخبار الإصابات والوفيات في وسائل الإعلام المحلية بشكل مكثف.
تشير هذه المعطيات إلى أن الجيش الإسرائيلي يواجه أزمات متعددة تتعلق بالجبهة النفسية والبشرية، فالأزمة النفسية تؤثر سلبًا على استعداد الجنود القتالي وحماسهم، ما قد يؤدي إلى تفكك وحدات قتالية أو هبوط الأداء العسكري، إضافة إلى ذلك، فإن نقص القوى البشرية يعزز من صعوبة السيطرة على الأراضي أو تنفيذ عمليات واسعة النطاق.
من جهة أخرى، تؤثر هذه الأزمات على الجبهة الداخلية في "إسرائيل"، حيث بدأت أوساط المجتمع تعبر عن القلق من استمرار الحرب وما تحمله من خسائر بشرية ونفسية، ووفقًا لمسح أجرته إحدى المؤسسات البحثية الإسرائيلية، تراجع الدعم الشعبي للحرب بنسبة ملموسة خلال الأشهر الماضية، ما قد يدفع القيادة السياسية إلى مراجعة مواقفها.
كما أن ضعف الروح المعنوية للجيش ينعكس بشكل مباشر على صورة الجيش كمؤسسة قادرة على الحسم، ما يشجع الفصائل الفلسطينية على الاستمرار في المقاومة وزيادة وتيرة العمليات العسكرية.
تأثير الأزمات على السياسة الإسرائيلية
لا يمكن فصل هذه الأزمات العسكرية والنفسية عن التأثيرات السياسية داخل "إسرائيل"، فقد شهدت الأيام الأخيرة توترات متزايدة بين الحكومة الإسرائيلية والقيادات العسكرية حول كيفية التعامل مع الأزمة، بعض المسؤولين العسكريين يطالبون بالهدوء والتروي لتجنب المزيد من الخسائر، بينما يضغط الطرف السياسي من أجل مواصلة العمليات القتالية.
بالإضافة إلى ذلك، بدأ بعض أعضاء الكنيست ووسائل الإعلام الإسرائيلية في طرح أسئلة حول جدوى الحرب الحالية، ودعوا إلى فتح قنوات تفاوض مع الفصائل الفلسطينية لإيجاد حل سياسي يحفظ أمن "إسرائيل" ويوقف نزيف الدم.
في الختام یواجه کیان الاحتلال الإسرائيلي تحديات غير مسبوقة على الصعيدين العسكري والنفسي في حربها على غزة، حيث أثرت الأزمات النفسية ونقص القوى البشرية على قدرة الجيش على الاستمرار في العمليات القتالية، هذه الأزمات ليست مجرد مسألة عسكرية فحسب، بل تؤثر أيضًا على الاستقرار السياسي والاجتماعي داخل "إسرائيل"، ما يجعل الحاجة إلى مراجعة استراتيجية شاملة أمراً ضروريًا.
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن کیان الاحتلال الإسرائيلي أمام خيارين: إما الاستمرار في سياسة التصعيد العسكري التي قد تؤدي إلى مزيد من الخسائر وتدهور الوضع الداخلي، أو الانفتاح على مسارات سياسية تساهم في إنهاء الأزمة وتقليل التكاليف البشرية.